عبد السلام الصرّوخ للعام السادس يستعد مجموعة من الفنانين، أغلبهم من إسبانيا، يقودهم النحات الغاليسي إمليو غاييغو لإحياء الأيام الثقافية بالموقع الأثري «مزورة»، الذي يوجد بمنطقة عياشة، التي تبعد عن مدينة العرائش ب40 كلم في اتجاه تطوان. يحيي هذا الفنان، والمجموعة التي معه، ليلة الواحد والعشرين من شتنبر، وهي ليلة الاعتدال التي يتأملون من خلالها العلاقة ما بين الآثار وتحولات الزمن عبر جاذبية النجوم. ويعتمدون في تكريس هذا العرف على الأنشطة الفنية كالفنون الحية « L'Art vivant» وفن التجهيز « l'installation» والرقص والموسيقى. وتتميز دورة هذه السنة بإحياء ليلتين متتاليتين 21 و22 شتنبر عبر تنظيم أوراش الفنون التشكيلية وفن التصوير الفوتوغرافي لفائدة أطفال المدشر المجاور للموقع الأثري، والذي يحمل نفس الاسم، بتنسيق مع مجموعة محترف السينما بالعرائش. يعرف هذا الموقع لدى السكان ولدى الباحثين الأركيولوجيين بثلاثة أسماء هي: - مزورة : تعني بالأمازيغية الحجر أو الصخر. - الشواهد: نظرا للأشكال القبورية لتلك الأحجار. - الوتد: لوجود وتد صخري يبلغ طوله أربعة أمتار يتوسط دائرة من المسلات يبلغ عددها 167 مسلة وقطرها 45 مترا. وحسب الباحث الأركيولوجي ومحافظ موقع لكسوس، هشام الحسيني، فإن تاريخها يعود إلى مرحلتين : - المرحلة الأولى : وتؤرخ ب1600 قبل الميلاد أو ما يسمى بالفترة الممهدة للتاريخ، وتعرف أيضا بالفترة النحاسية، وكانت وظيفتها (الأحجار أو الشواهد أو الوتد) حسب فرضيات الباحثين، عبارة عن مرصد فلكي. أما الفرضية الثانية فتمتد طبيعتها في الوظائف الدينية، أي أن الموقع كان عبارة عن معبد. - المرحلة الثانية : وبالضبط مرحلة ما قبل الإسلام حيث عرفت إضافة ربوة مكونة من التراب والحجارة داخل دائرة المسلات، وكانت وظيفتها عبارة عن قبر تلي شكل مثوى لقائد أو زعيم محلي. وحسب رأي نفس الباحث، فإن هذه الفرضية يكاد يجمع عليها جل الباحثين. كما أن أغلب الأبحاث والحفريات التي أقيمت في هذا الموقع لم تخرج بنتائج علمية تفسر لغز وأسرار هذه المسلات، حيث قام باحث إسباني يدعى مونطالبان بمجهودات حفرية، في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، دون فائدة تذكر. ويرجع هشام الحسيني السبب في ذلك إلى أن مونطالبان لم يكن يظهر أو ينشر نتائج أبحاثه، الأمر الذي جعل جميع المحاولات الحفرية محرومة من الاستناد إلى معطيات علمية سابقة، كالمحاولات التي قام بها الأركيولوجي الإسباني طراديل، الذي اكتفى بوصف الموقع خرائطيا عكس المجهودات الكبيرة التي قام بها في موقع لكسوس على عهد الحماية الإسبانية. وإلى الآن لم يتم أي مجهود يذكر ما عدا المحاولة التي قامت بها بعثة فرنسية – مغربية سنة 1998، كان ضمن فريقها عبد العزيز الإدريسي، المندوب الأسبق لوزارة الثقافة بطنجة، وقد اقتصر عملها على إزالة الأعشاب والتنظيف والرفوعات الهندسية، ولم تقم بأي عمل حفري. أما عن وجود هذا الموقع في المصادر التاريخية فيدلنا الباحث هشام الحسيني على كتاب «حيوات متوازية» للكاتب اللاتيني بليطاركيوس، الذي يورد أسطورة جميلة تحكي عن جنرال روماني يدعى سيرطوليوس كان محاربا في إسبانيا خلال القرن الثاني والثمانين قبل الميلاد واضطر إلى عبور البوغاز نحو الجنوب، وعندما حط بطنجة علم من الأهالي أن هناك قبرا لأحد العمالقة يرجح لأنطي زوج طنجيس الذي هزمه هرقل ليبسط سيطرته على حدائق الهسبريس، فتوجه الجنرال الروماني إلى عين المكان حيث قام بحفريات تنقيب شاقة فعثر في الأخير على هيكل عظمي لعملاق. وتتجلى أهمية هذه الأسطورة في كونها تؤكد قدم الموقع وقدم العمليات الحفرية في التاريخ الذي عرفته المنطقة. وأمام ندرة إمكانيات وزارة الثقافة في بلادنا، يظل لغز معرفة تاريخ الموقع بأبعاده الواقعية والأسطورية بعيد المنال... وغارقا في الغموض واللبس والتأويل الشعبي الذي يختزله بّا لفضيل، حارس المكان المتقاعد مند سنين، في أن الأمر يتعلق بشيء غيبي تحكمه وتتحكم فيه إرادة الجن والأرواح، ذلك أن ذاكرته تحتفظ بحكاية تقول إن سيدا من المدشر كان يسكن بجوار هذا الحجر، وفي إحدى الليالي فوجئ ب»اصحاب لمكان» يقتربون منه ويخبرونه بأمر الكنوز المدفونة في بطن المكان... وفعلا، يضيف بّا لفضيل، فقد اتفق ذلك الشخص مع «اصحاب لمكان» على القيام بالمغامرة، إلا أنه لم يحتفظ بالسر، الذي اشترطه عليه «اصحاب لمكان» بعدما سبر أغوار بلاد العجائب وما تحتويه من ذهب ولؤلؤ ومرجان وحوريات وحياة باذخة... أخلف وعده ووجد نفسه من حيث لا يدري ملقيا به جنب شاطئ قرب أصيلة... ومن ثم فقد عقله إلى الأبد. *إمليو غاييغو: نحات إسباني ازداد بالعرائش من عائلة عمرت المدينة قبل الحماية الإسبانية وساهمت في توسعها العمراني.