أمام شيوع الحركات التنصيرية بالمغرب، وتصدي الدولة رسميا لها حفاظا على ما أسمته الأمن الروحي للبلاد، أصبح التساؤل بشأن الاستراتيجية التي يعتمدها المنصرون يفرض نفسه، ويضع أكثر من علامة استفهام حول آليات اشتغال المنصرين والوسائل التي يعتمدونها لإقناع المسلمين المغاربة بتغيير ديانتهم، والتي تتسم غالبا بالسرية وتتخفى تحت أغطية المساعدات الإنسانية. ويرى مفكرون مغاربة أن بناء رؤية شمولية لآليات اشتغال الظاهرة ومحاولة استيعابها كفيل بتطويقها وبالتالي التحكم في نتائجها، من خلال مواجهة مداخلها والتي من أخطرها خلق أقليات تنصيرية تشكل امتدادا لسياستها الخارجية تتحكم فيها حسب أجندتها السياسية والإيديولوجية تارة باسم حقوق الأقليات وتارة أخرى باسم قداسة الحركة الدينية. واعتبر الدكتور أحمد البوكيلي أستاذ الفكر الإسلامي، في تصريح ل«المساء» أن الحديث عن استراتيجية الاختراق التنصيري للمغرب يتطلب الإجابة عن السؤال الإشكالي التالي: هل نحن إزاء خطاب عقدي يشتغل بمنطق آليات الدعوة التبشيرية ضمن أطروحة الخلاص الروحاني القائمة على بناء مملكة الرب؟، أم نحن إزاء آلية من آليات تدويل المشروع الحضاري الغربي ضمن الفلسفة العامة المؤطرة لمختلف الأبعاد الضابطة والناظمة لسياسات العولمة والذي يتجاوز المغرب؟ وأضاف البوكيلي أن الحركات التنصيرية بالمغرب،تتلون في مجالات اشتغالها وهي تعمل بمنطق استثمار الثورة المعلوماتية والإعلامية ترتكز في غالب الأحيان على لغة التواصل من خلال اللهجات المغربية كالسوسية والريفية، مشيرا إلى تقديمها بالصوت والصورة لمغاربة تنصروا كنماذج عملية لإمكانية التحويل العقائدي، إلى جانب قيامها بتوزيع الكتب التبشيرية باللهجات المحلية في باب سبتة للمهاجرين المغاربة والتي تقتبس آيات قرآنية لإيهام الناس أن المسيحية لاتتعارض مع الإسلام. كما نبه البوكيلي إلى تغيير المنصرين لطريقة اشتغالهم التي كانت تعتمد في وقت سابق على استغلال وضعية الفقر والعطالة والفراغ الروحي، وأصبحت تشتغل على مستوى استقطاب النخبة المثقفة، ولعل نجاح السياسة التنصيرية في تنصير الأب عبد الجليل يعتبر نقطة قوة لها. وحذر البوكيلي من استغلال المنصرين لمنطق حقوق الإنسان باسم حرية الأديان وهو ما يوضح العلاقة بين النشاط التبشيري وبين دعم المؤسسات الكنسية الخارجية، من خلال ما يصدره الغرب من تقارير استراتيجية خاصة بالحريات الدينية في المغرب، بحيث يتم الضغط إما بدعم الوحدة الترابية أو محاولة الضغط على الجالية الإسلامية في أوربا.