خصصت مجلة «ذ أيكونوميست» البريطانية العريقة، مؤخرا، ملفا للعالم العربي تشرح فيه الأسباب العميقة التي أدت إلى فشل الثورات العربية، وكذا الدواعي الرئيسية التي وقفت وراء خروج الملايين من المواطنين الغاضبين إلى الشوارع للمطالبة بالإطاحة بالأنظمة الفاسدة. بيد أن الانتفاضات الشعبية العربية لم تكمل مشوار جلب الحرية والتغيير إلى نهايته، حينما عادت نفس الأنظمة التي قامت ضدها الثورة إلى إطباق سيطرتها على دواليب السلطة من خلال شيطنة فاعلين رئيسيين في المشهد السياسي وتصوير ضرورة وجوب تحقيق الاستقرار لشعوب المنطقة المتعبة من رؤية العنف والدمار. وبعد كوة الأمل التي جلبتها رياح الربيع العربي، تلاحظ المجلة البريطانية أن عودة الانغلاق السياسي وغياب أي توجه للانفتاح على العالم بكل أفكاره ينذر بحدوث كوارث مستقبلية، لأن خلطة الانغلاق حين تجتمع في السياسة والأفكار لا تؤدي لشيء آخر ما عدا الكوارث. بعد سنوات من القمع، انفجر الغضب مثل زوبعة صيفية، بعدما تدفق ملايين الشباب الثائرين إلى شوارع المدن. وبسبب ذلك قامت الأنظمة المهزوزة بتقديم بعض التنازلات على عجل؛ كضمان حرية التعبير، وإنهاء نظام حكم الحزب الواحد، وتنظيم انتخابات حقيقية. بيد أنه حينما اتجه الإسلاميون نحو الفوز في أول انتخابات حرة دخل الجيش على الخط، وهو ما تسبب في صراع دموي دام حتى تقبل الشعب المتعب، وبإذعان، تشكيل حكومة شبيهة في المظهر بتلك التي طالب في البداية بإسقاطها، حكومة تعتمد على القمع وفي صفوفها نفس الأشخاص الذين ثار ضدهم الشعب في البدء. تبدو هذه الصورة شبيهة بما حدث مؤخرا في العديد من البلدان العربية. فالبحرين، ومصر، وليبيا، وسوريا، وتونس، واليمن، الدول العربية التي عاشت على وقع الربيع العربي بداية من 2011، مرت بهذه التجربة، إما بشكل جزئي أو بكامل تفاصيله. بيد أن هذا الأمر ينطبق أكثر على الجزائر، التي عاشت ربع قرن قبل مجيء الربيع العربي، على وقع أول أزمة سياسية كبرى في تاريخ الإسلام السياسي. الفورة التي قامت من أجل جلب الحرية نهاية الثمانينيات مهدت الطريق أمام ظهور حرب أهلية في التسعينيات حصدت أرواح 200 ألف شخص، وأدت بشكل أو بآخر إلى هزيمة الإسلاميين الجزائريين، من دون استئصال وجودهم. اليوم، يظل مواطنو البلد عديمي الحيلة ومجرد مشاهدين لحالة التنافر المتواصلة بين ما يسمونه بالسلطة «le pouvoir»، الأقلية الحاكمة والمحصنة التي تتحكم في دواليب الدولة، وعائدات النفط والجيش، والإسلاميين المتطرفين المهمشين في الوقت الراهن، والذين يتم استغلال وجودهم كذريعة لممارسة القمع بدل أن تشكل تجربتهم كونهم مصدر إلهام لعامة الشعب. غير أن الجزء الأكبر من سكان العالم العربي مكبلون، لحد ما، في شراك مشابهة، وعالقون بين حكومات فاسدة وتنظيمات معارضة أكثر فسادا وأكثر عنفا. كما أن الأشخاص المأمول فيهم القيام بالإصلاح انسحبوا إلى الوراء وصاروا كما وصفهم بإيجاز الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس «إننا محكومون بالأمل». وأصبح قيامهم بجلب التغيير غير ممكن نظرا لكونهم إما رهائن لقمع راكد ودائم أو بسبب دورات الصراع. حالة الجمود هاته عززت المخاوف القائمة منذ وقت طويل بكون الدول العربية هي لسبب جوهري ما غير جديرة بالانتماء للعالم الحديث، وهي المخاوف التي أنتجت قطعة ضخمة من النظريات المهيبة. بيد أن ما يقف وراء الفشل السياسي للمنطقة هو نموذج الحداثة الخاص بالقرن العشرين، وليس غياب هذه الحداثة. نهاية فترة الربيع العربي كانت نتيجة الربيع العربي أنه أدى إلى حالة مزرية شبيهة بنقل التجربة الجزائرية إلى كافة أطراف المنطقة. تونس وحدها فقط هي من تخلت عن الأساليب القديمة، وتبنت نظاما جديدا أكثر انفتاحا. أما النتيجة في باقي بلدان المنطقة فكانت إما عودة النظام السابق للسيطرة على دواليب الحكم، كما هو الحال بالنسبة إلى مصر تحت رئاسة عبد الفتاح السيسي، أو نشوب الحرب الأهلية. هذه الحروب قوت نفوذ الجهاديين السنة المتطرفين مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المسمى اختصارا ب»داعش». أما الأنظمة الملكية بالمنطقة، التي في وسع حكامها تأجيل التغيير من خلال تقديم الرشوة المقنعة للثوار، فقد جلس معظمها يراقب بهدوء الربيع العربي. وبمعزل عن الدول التي نجت من نيران الربيع العربي، فإن الملحمة الجارية والتي ترتبط خيوط مآسيها بين سورياوالعراق، تجعل التجربة الجزائرية تبدو أكثر رأفة. وبغض النظر عن الدمار المباشر الذي خلفه الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003، فإن حصيلة عقد من سفك الدماء بالعراق والحرب الأهلية التي اندلعت بسوريا سنة 2011، تجاوزت في الوقت الراهن أكثر من 300 ألف قتيل، فيما تحول ما يقرب من 13 مليون شخص إلى لاجئين. الحرب، أو الحروب، اتخذت منحا غامضا يوم 29 يونيو عندما أعلنت «داعش» عن إقامة الخلافة. هذه الخطوة الجريئة لن تجعل التنظيم قريبا من تحقيق حلمه بإقامة دولة تضم كافة الدول الإسلامية، بقدر ما ستسرع توقيت نهاية التنظيم. فمعظم الجماعات الجهادية المنافسة، ناهيك عن الجزء الأكبر من المسلمين، يهزؤون من ترهات زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، ويرون ادعاءاته شاذة وخارجة عن المألوف، لاسيما حين وصف نفسه بخليفة المسلمين. بيد أن التحديات التي يمثلها تنظيم «داعش» (الذي يرغب في أن يعرف في الوقت الراهن بخلافة الدولة الإسلامية) يجسد الحالة المؤسفة التي غرقت فيها السياسات العربية. العجز الديمقراطي ما السبب وراء الحالة المزرية التي يعيشها العالم العربي؟ هذا السؤال، الذي حاول المثقفون العرب منذ القرن التاسع عشر تفكيكه من خلال ربطه بضعف الحضارة القديمة أمام غرب استعماري، أصبح في العقد المنصرم أكثر حضورا من أي وقت مضى، سواء داخل المنطقة أو خارجها. وأصبح إنتاج مجلدات تحمل عناوين ك»الورطة العربية» و»أين أخطأنا؟» يشبه التجارة. الجواب عن هذه المعضلة تم البحث عنه في مختلف الدراسات الأكاديمية. فالمختصون في العلوم السياسية يشيرون إلى هيمنة الدولة الريعية في مختلف بلدان العالم العربي، إذ تعمد حكومات معظم هاته الدول إلى التحكم في موارد النفط، وهو ما يجعل الحكام في غنى عن الحصول على تأييد الرعية. أما المختصون في علم الاجتماع فيرون أن «العجز الديمقراطي» العربي مرده إلى الثقافات البطريركية التي تشجع على الولاء للزعماء المتحدرين من نفس القبيلة أو العشيرة وتدعو لعدم الثقة في الدخلاء. وبالنسبة إلى الخبراء في الدراسات السكانية فإن السبب الجلي وراء المحن الاجتماعية يتمثل في التزايد السكاني الضخم للعرب، لاسيما داخل المدن التي يحاول بها ملايين الفلاحين الذين هاجروا القرى التأقلم مع العيش في المجال الحضري. وعلى امتداد عدة سنوات، دأب المؤرخون على الإشارة بأصابعهم إلى الاستعمار الغربي. وحسبهم قامت القوى الاستعمارية بخلق صدع خطير داخل المجتمعات العربية بين نخبة طموحة تحظى بالامتيازات وتتبع النموذج الغربي في العيش، وطبقة «محلية» تعاني الإقصاء والتهميش. وأفرزت الحدود التي وضعتها القوى الأوروبية كيانات سياسية غير عملية توجب عليها خوض معركة بناء الدولة بمشقة شديدة وأحيانا بالاعتماد على العنف. من جهة أخرى، ظل معظم الباحثين الأكاديميين يتوخون الحذر بشأن الإشارة إلى الإسلام كعائق رئيسي في وجه الحداثة. بيد أن بعضهم، ولا ينطبق هذا الأمر على الغربيين منهم فقط، يشككون في الدور الذي لعبه الإسلام. ويرى في هذا الصدد الخبير الاقتصادي التركي الأمريكي تيمور كران أن نظام الإرث المتساوي في الإسلام وقف حائلا دون تكديس الرأسمال وتوظيفه بالشكل الذي كان سيشجع التصنيع. وتظل العلاقة الصحيحة بين الإسلام والدولة أحد المعضلات المزمنة التي لم يتم الحسم فيها. وعلى امتداد القرون، دعمت جل الخلافات الإسلامية ظاهريا الفكرة التي تقضي بأن تخضع القوانين الوضعية إلى الضوابط والأحكام الدينية، فيما كانت تقوم نفس الخلافات بما يحلو لها بعد تطويعها للمسؤولين عن خط التشريع. وفي القرن التاسع عشر، تحركت حكومات كل من تركيا، ومصر، وتونس من أجل الحد من نفوذ القضاة الذين يطبقون الشريعة، ليس تحت ضغط القوى الأوربية، بل لكون الأحكام غير المتوقعة التي تصدر عن هؤلاء القضاة شكلت عائقا في وجه التجارة وسلطة الحكومة. كما أن الانتشار الحديث للإسلام السياسي كتعبير سياسي صريح عن الفكر الإسلامي أدى إلى خلق سلسلة جديدة من المشاكل. فجماعات كالإخوان المسلمين تدعي بأن النصوص الأولى للإسلام توفر الجواب لكل جانب من جوانب الحياة، بما في ذلك الحكم. بيد أن الإشكال الحقيقي يتمثل في كون تلك النصوص مفتوحة أمام تأويلات متفاوتة بشكل كبير. وكما أبان عن ذلك انتشار الأحزاب السياسية الإسلامية، يصعب كثيرا إيجاد توازن بين مفهوم مصدر ثابت وغير متحول وبين النزوات المتحولة للسياسات الديمقراطية. التفسيرات التفسيرات بشأن معضلات العالم العربي كثيرة وكلها يحمل جانبا من المصداقية. بيد أن كل تلك التفسيرات لا تنطبق على الدول العربية وحدها فحسب. فثلاثة أرباع دول العالم عانت من الحكم الاستعماري، ووفرت الأنظمة البطريركية الدعم لذلك. وهناك دول إسلامية أخرى وحكومات تتبنى اقتصاد الريع وتعاني من انفجار سكاني. ورغم أن هذه العوامل، ساهمت بشكل فردي أو مجتمعة، في تقهقر عدد من البلدان غير العربية، فإن دولا أخرى استطاعت التغلب عليها. وحتى نكون منصفين، تستطيع بعض الدول العربية الافتخار كذلك بتمكنها من تحقيق النجاح. ورغم ضيق القشرة الخارجية للديمقراطية بها، تظل المملكة المغربية والمملكة الهاشمية بالأردن أماكن مهتزة بالحياة جذابة للعيش. أما لبنان فتعاني من الفوضى السياسية، ويبدو أن مصير هذا البلد سيظل دائما على ارتباط بالفوضى، رغم أن سكان البلد تمكنوا من التعايش مع بعضهم البعض. وتمنح دول الخليج الغنية كعمان والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، وحتى المملكة العربية السعودية فرصا اقتصادية كبيرة لمواطنيها من الذكور، فضلا عن الملايين من العمال الأجانب، رغم انعدام الاختيار السياسي. يوضح هذا الأمر بأنه لا تكفي الإشارة إلى العوامل الثقافية والدينية والاقتصادية المهيمنة بالعالم العربي ووضعها كتفسير للمشاكل التي تتخبط فيها دول المنطقة؛ بل ينبغي كذلك إلقاء نظرة إلى تاريخ المنطقة من مقاربات مختلفة قبل الشروع في تحديثها. وفي بداية القرن العشرين، تبنت حركة النهضة بمصر والهلال الخصيب أفكارا ليبرالية كالتعليم العمومي، وحقوق المرأة، والعلوم التجريبية، ومجتمعا منفتحا، بعد تأثرها بما يجري حولها في العالم. وعلى نقيض ذلك ظهر تيار فكري مضاد رأى أن الحل الصحيح يكمن في العودة إلى الأصول العربية والاعتماد على شكل من الإسلام الخالص، وهو ما أدى لظهور التيار السلفي. بيد أنه اتضح في نهاية المطاف أن ردة الفعل لم تنهل من الأفكار بقدر ما وقفت وراءها القوة الجسدية. وفي مجمل البلدان العربية، كان العسكر، أو الزعماء الذين ورثوا الحكم المدعومين بجيش قوي، هم من تولى زمام الأمور بعد رحيل القوى الأوربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكانوا هم من حددوا معالم الدولة العربية الحديثة. الالتزام بالولاء هيمنة الدولة على الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، والمدارس وتدفق رأس المال مكن الحكام الجدد من التشجيع على الحداثة في قالب أبوي غير مختلف عن نظام حكم فرانكو بإسبانيا أو موسولوني بإيطاليا. وكما هو الحال في عصر الفاشية بأوروبا، فإن الترتيب الخفي يقضي بأن تقوم الحكومات بالدفاع عن الأراضي والحفاظ على الهوية الثقافية وتحقيق التقدم من خلال الصناعات الثقيلة ومكننة الفلاحة مقابل الالتزام بالولاء لها. وتم تجاهل الاختلافات العرقية أو الطائفية بشكل رسمي، مقابل قيام الدولة بتقريب طبقات مختارة من الموالين لها، سواء تعلق الأمر بذوي الامتيازات الاقتصادية أو فئات من المفكرين تحظى بالامتيازات، أو المختصين في القانون والتشريع أو المهندسين. وأمام وجود ساكنة تنحدر في أغلبيتها من القرى ولا تستطيع الكتابة والقراءة، لم يلاقي الحكام الجدد أي ضغط يذكر من أجل القيام بتغيير أنظمة الحكم الاستعمارية التي ورثوها، كالقوى الأمنية التي كانت أولويتها الأساسية قمع أي احتجاجات بدل محاربة الجريمة. ومع مرور الوقت أصبحت دائرة الموالين مرتشية أكثر ومحددة بشكل ضيق، وهو ما خلق هوة كبيرة بين النخبة وعامة الشعب، وجعل التعليم على نحو خاص في حالة مزرية. ولمجابهة هذه المعضلة على وجه التحديد اتخذ الإسلام السياسي شكله السياسي الحديث. الأزمات التي أقلقت هذا النظام في الحكم جاءت في أوقات وأماكن مختلفة، رغم تشابه الأسباب الرئيسية. ففي الجزائر، أدى هبوط أسعار النفط في الثمانينيات إلى الكشف عن الحماقات التي ترتكب في إطار البحث عن إقامة نظام اشتراكي صارم في الوقت الذي أدى فيه تزايد السكان إلى وجود أعداد كبيرة من الشباب بدون عمل. وفي لحظة الربيع العربي، كانت الشرارة الرئيسية تتمثل في اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، وتراجع مستوى الخدمات العمومية بعدما عمدت الحكومات إلى توجيه مواردها نحو أمور أخرى، لاسيما الخدمات الأمنية. صب الزيت على النار أستاذ العلوم السياسية الراحل سامر سليمان وصف هذا الأمر بمفارقة الدولة الضعيفة والنظام الصلب. فمع بداية الألفية الثالثة، لاحظ هذا الأخير تراجع قدرة الدولة المصرية على تسوية النزاعات (التي كانت تتم تصفيتها خارج المحكمة بشكل متزايد)، فضلا عن انهيار نظام التعليم العمومي. النزاعات بين مختلف الطبقات الاجتماعية كانت السبب وراء ظهور العديد من الثورات العربية في الآونة الأخيرة، بشكل يفوق بشكل كبير النزاعات الطائفية، بيد أنه تم استغلال الانتماء الطائفي لإذكاء نيران تلك الثورات. فالإسلاميون عمدوا إلى استغلال الاستياء من التفاوت الطبقي، فيما قامت الحكومات بتسخين النزاعات الطائفية من أجل تبرير وجود الأجهزة الأمنية. ويظل بشار الأسد أحد أكثر الأشخاص الذين يعمدون إلى استغلال هذه الاستراتيجية بشكل مفضوح. فعندما قام نظامه، الذي يسيطر عليه بشكل كبير أقرانه من الطائفة الشيعية، بالرد بعنف شديد على الاحتجاجات السلمية التي ظهرت في البداية، تم استغلال ذريعة كون أعداء النظام هم المتطرفون السنيون الذين يسعون إلى تدمير المجتمع السوري بمختلف أطيافه. وذهب النظام إلى حد إطلاق سراح مئات من الجهاديين من السجون وشن هجمات على المسيحيين، وعدد من الأقليات الأخرى لكي يجعل قضيته أكثر إقناعا. أما رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، فعمد إلى استغلال تهديد الإرهاب السني وذلك لتوسيع صلاحياته بالجيش والشرطة وضمان ولاء قاعدته الشيعية. وبسبب قيامه بذلك ألهب تمردا سنيا في البداية، ليتحول إلى ثورة على جميع المقاييس. السلطات بمصر لعبت كذلك نفس اللعبة، وإن كانت قد قامت بذلك بشكل أقل قسوة. وبعد استعادتها السلطة في أعقاب ثورة 2011، ركزت «الدولة العميقة» على الجيش ووجدت القوى الأمنية أن الوضع يستدعي القيام على وجه السرعة بالتحالف مع الإخوان المسلمين، وذلك من أجل التحكم بالشارع، قبل أن تعمد بعد ذلك «الدولة العميقة» إلى شيطنة التنظيم. وأدى القمع الدموي لاحتجاجات أنصار الإخوان المسلمين عقب الانقلاب العسكري إلى التسبب في الهجمات الإرهابية التي كان متوقعا حدوثها. نفس هذه الهجمات تم استغلالها كذريعة من أجل قمع الاحتجاجات، ونجحت بشكل فعال في إخراس صوت حتى المنتقدين العلمانيين الذين كانت آمالهم بتحرير مصر مصدر إلهام للربيع المصري القصير جدا. قد تنجح الحكومة المصرية في وضع حد للاحتجاجات، تماما كما تنجح الأنظمة في العراقوسوريا وفي أماكن أخرى في الوصول إلى حل على الطريقة الجزائرية. بيد أنه كما لاحظ ذلك أستاذ الفيزياء الفلكية المصري عمرو الزنط، فلكي تتقدم المجتمعات هي بحاجة إلى الانفتاح. نهج الانغلاق السياسي قد يخفف من وطأته الانفتاح على الأفكار واقتصاد منفتح، كما هو الحال بالصين. أما الانفتاح السياسي فقد يمكن من التغلب على الفقر وشح الموارد البشرية. لكن أن يجتمع الانغلاق السياسي والأفكار المنغلقة في مكان واحد فتلك حتما خلطة تكون نتيجتها الكوارث، وهو ما يسترعي النظر في مصير الدول العربية. * عن مجلة «ذ ايكونوميست» البريطانية.