طرح عبد الحق العياسي، رئيس الودادية الحسنية للقضاة تساؤلا جوهريا حول تداعيات النشر التشهيري لحكم قضائي ما قبل استكماله لدرجات التقاضي واكتسابه لقوة الشيء المقضي به، ومدى تأثير هذا النشر على استقلالية القضاء، وما قد يسببه من تجريح على القضاة الذين سيعرض عليهم هذا الحكم لاحقا بعد الطعن فيه. وعرض العياسي، خلال ندوة علمية نظمتها الودادية الحسنية للقضاة بتنسيق مع الاتحاد الدولي للصحافيين والكفاءات المغاربة ببرشيد الجمعة الماضي، هذه الإشكالية في إطار النقاش الدائر اليوم بين القضاة وفعاليات المجتمع المدني وكذلك بعض وسائل الإعلام، مشيرا إلى أن تحسين أداء المحاكم والرفع من جودة الأحكام والقرارات القضائية، إن كان يعتبر من الأهداف المشتركة للجميع، فإن الانفتاح على القضاء كما أقر ذلك الدستور الجديد يفرض أن يكون ذلك الانفتاح في إطار ضوابط، أهمها ضمان هيبة القضاء وعدم التشكيك فيه أو تيئيس المجتمع منه، مضيفا أن الأحكام بعد صدورها تصبح ملكا للعموم يمكن التعليق عليها فقهيا وقانونيا، وهو ما تقوم به الودادية الحسنية للقضاة من خلال نشرها للأحكام والاجتهادات القضائية في المجلات التي تصدرها وعبر الندوات والملتقيات العلمية، لكن مفهوم السلطة الرابعة وفق العياسي، إن كان أمرا واقعا فإن الحق في المعلومة تبعا لذلك أمرا واقعا كذلك. وتحفظ العياسي في الوقت ذاته من انتصاب المجتمع المدني أو الإعلام كسلطة للإدانة أو البراءة المسبقة، قبل استنفاذ كل مراحل المحاكمة القانونية، وخلص إلى القول بأن الحق في المعلومة وحرية التعبير يحيل على طبيعة وحدود العلاقة القائمة بين السلطة القضائية من جهة، والمجتمع المدني والإعلام من جهة أخرى، وبالتالي ضرورة احترام مبدأ استقلال السلطة القضائية من جميع مراكز التأثير، وهو احترام أيضا وضمان لحرية التعبير، التي هي من صميم دولة الحق والقانون. ومن جانبه، اعتبر سعيد بن الشايب، رئيس المكتب الجهوي للودادية الحسنية للقضاة بكل من سطاتخريبكة وبني ملال، أن موضوع «نشر الأحكام القضائية بين استقلالية القضاء والحق في المعلومة» له حساسية خاصة وقد أثار جدلا موسعا بين مختلف شرائح المجتمع، دون أن يكون للقضاة رأي في النقاش للإدلاء برأيهم، باعتبارهم العنصر الرئيس والمستهدف، حيث تروم هذه العملية نشر أعمالهم والتعليق عليها ومراقبتها، مضيفا بأن هنالك من سوف يستغل النشر لنعت الأحكام بالمعيبة والفاسدة، وبالتالي يرى بن الشايب بأن نشر الأحكام ليس بالأمر الجديد في الساحة القانونية، بل هنالك مجلات متخصصة في هذا الشأن تنشر الأحكام وتعلق عليها، لكن الغريب يضيف بن الشايب هو نشر الحكم أو القرار واعتباره معيبا، وهذا في رأيه يعتبر محاكمة للقضاة ولأعمالهم، خاصة قبل أن تصير هذه الأحكام نهائية، وخلص إلى القول بأن الودادية الحسنية للقضاة ليست ضد نشر الأحكام القضائية، وإنما ضد نشرها واعتبارها معيبة وفاسدة. إلى ذلك، أوضح المعطي الجبوجي، رئيس غرفة بمحكمة النقض، في مداخلته الدور المركزي لمحكمة النقض في متابعة الأحكام القضائية، والسهر على احترام القانون من طرف القضاة، مع مأسسة العديد من الإجراءات للرفع من جودة الأحكام القضائية. وقدم الجبوجي مقترحات للتفكير فيها، لتسهيل الحق في الولوج للمعلومة القضائية من طرف المجتمع المدني عامة ومؤسسة الإعلام خاصة، كتخصيص متحدث رسمي باسم كل محكمة، للتواصل مع المجتمع المدني والصحافيين، لمدهم بالمعلومة الصحيحة عوض السقوط في الخطأ. ومن جهته، اعتبر حاتم حجي رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين والكفاءات المغاربة أن موضوع نشر الأحكام القضائية بين استقلالية القضاء والحق في المعلومة، يكتسي أهمية كبرى، وأن الاتحاد يسعى إلى توخي الموضوعية في معالجة الجوانب المتصلة به، عملا بشعار نزاهة القضاء وقدسية المعلومة، معتبرا بأن الشعار مستوحى من القناعة الفكرية للاتحاد، القاضية بضرورة تفعيل التشارك البناء بين مؤسسة القضاء ومؤسسة الإعلام، امتثالا لقوله تعالى» يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين»، وهذه العلاقة تدخل في صميم الحاجة إلى تجسيد قيم العدل وانسجاما مع المواثيق الداعية إلى دولة الحق والقانون، فالإعلام يشكل واجهة للمجتمع المدني عن طريق حقه في مواكبة ومراقبة سير المؤسسات والوصول إلى المعلومة، لكن فيما يخص مؤسسة القضاء فيبدو الأمر أكثر حساسية على مستوى رسم الحدود المقبولة للتناول الإعلامي لملفات العدالة بقصد صون الحريات الخاصة والعامة، والحد من الشطط في نشر المعلومة بأسلوب يتجاوز حدود الوقوف على الحقيقة الموضوعية، ودون مراعاة لمبدأ (قرينة البراءة) والتي تتحكم فيها عوامل متعددة.