تقول سيرته الشعرية إنه من مواليد سيدي بوزيد في تونس، في القرية الصغيرة التي قلبت ظهر المجن لبنعلي ونظامه، في العائلة العشائرية حيث للخبز ألف معنى، متوحدا ومنطويا على نفسه مثل «كوبرا» سوف يشعل «حرائق صغيرة» في العاصمة تونس. ملتزم وفوضوي، داخل حركة المجتمع التونسي ومطالب المجتمع المدني وفي عزلة قصيدته، يكتبها شعارا لنقابة أو بيانا شعريا لحزب أو قصيدة لجمهور الفقراء البائتين بلا خبز. أهدت له العاصمة ليالي من اعتقالات في المخفر البارد وحضورا في المشهد الثقافي التونسي و»زعيما» لأول بيت للشعر في الوطن العربي، ثم هكذا بلا شيء، خارجا ومطرودا، كي يعيد «حملته» الشعرية على اليد الجاثمة على قلب الحرية. كتب «نشيد الأيام الستة» فمنعت لبعض الوقت، ثم كتب ردا على أعداء في الحياة والكتابة «ليس لي مشكلة»، وارتفع صوته قليلا كي يكتب «ولكنني أحمد» وكان ركب فلكه في «جنوب الماء»، لكنه إبحار قصير سرعان ما ستعصف به رياح غير مرئية كي ترميه في النزع الأخير على يابسة شقية، ولم تكن تلك اليابسة غير بلده الرمزي، حيث ستمنحه فرصة الحياة كي يكتب «الوجبة» الأخيرة. الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد هذا الاسم الطويل في الجسد النحيل، سيمضي «أوقاته» بالعاصمة متهكما ومتعاركا وراميا سهامه في كل صوب وحدب، مطلقا رصاصة الرحمة على الديناصورات الشعرية ومنتميا إلى صوت «الشعب»، ساخرا من ربابنة الحداثة وزبانيتها ومن التقليد وعماماته ومن الكآبة التي تجعل الشعر العربي الحديث كوميديا سوداء. لكن أعداءه أولا وأخيرا هم النقاد، دكاترة الجامعات الذين يأكلون، كما يسميهم، ويقبضون رواتبهم من أبيات للمتنبي وبشار بن برد والحطيئة.. إنهم، في نظره، آفة الشعر العربي وسدنة التقليد. ثم جاءت الثورة، وجاء البوعزيزي، ابن قريته الذي ضحى بجسده، وقدمه قربانا كي ينتفض الشعب، ووجد هذا الشاعر نفسه في خضم تلاطم الأحداث ومدها العنيف، فكان أن ارتمى في أغوارها. كانت «اللحظة التاريخية» أقوى من كل شأن، في تونس الرجل والمرأة، وكان النقمة ضد الاستبداد، قد وصلت إلى مداها، حين هتف الشارع الغاضب «اِرحل»، تلك الكلمة التي تشبه رصاصة الرحمة في رأس الدكتاتور. سيجد الشاعر نفسه في قلب الأحداث الرجراجة، وسيغني للثورة بقلبه وعقله وبيده المرتجفة عليها. ثم كان كتابه «القيادة الشعرية للثورة التونسية» ليؤكد أن الشعر هو الأصلح ليكون إلى جانب الجماهير في الزمان والمكان والتو واللحظة. لقد شعر بالفخر والزهو، وهو يلقي كلمة في تجمع خطابي تأبيني للراحل شكري بلعيد، قال إنه ألقى نصه الخطابي والشعري أمام أزيد من 450 ألف مواطن تونسي. بالطبع، هذا أقصى ما يمكن أن يحلم به شاعر مشدود إلى الجماهير، وباحث عن الصيت والذيوع، أن يلقي نصه أمام هذا الشلال البشري الهائل. يعترف بأن الشعر يلازم الثورة ويغذيها ويحنو عليها ويشذب حواسها، وهو نفسه، كما أعرف، يستغرب من تلك الطاقة التي تولدت لديه، علما بأنه خجول جدا في إلقاء نصوصه، ومرتبك ويبدأ عادة مشوشا، قبل أن يستقيم مع مرور الوقت على المنصة. وهو شاعر، بقدر فوضويته، يترك انطباعا قويا عند من يعرفونه، ولأنه كذلك يبدو مخلصا لعدد محدود من قصائده، يقرؤها في كل مكان وفي كل ملتقى وفي كل مهرجان، وبين الصحب وفي الجلسات، حتى إن هذه الأبيات تسبقه وتدل عليه، مثل البصمة الوراثية. من هذه النصوص، مقدمة قصيدته: نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد»، يقول فيها : نحب البلاد / كما لا يحب / البلاد أحد نحج إليها / مع المفردين عند الصباح / وبعد المساء / ويوم الأحد ولو قتلونا / كما قتلونا ولو شردونا / كما شرّدونا ولو أبعدونا/ لبرك الغماد لعدنا غزاة لهذا البلد.