اكتفى عبد الحق بنشيخة بمجرد رسالة قصيرة «إس إم إس» لكي يخبر مسيري الدفاع الجديدي بقراره النهائي بالرحيل نحو وجهة الرجاء. وهي الرسالة التي وصلت ليلة السبت الماضي، حيث كان الرجل يستعد لحضور ندوة تقديمه الصحافية زوال يوم أمس الأحد، وهي الندوة التي كانت بمثابة تحصيل حاصل لانتقال هذا المدرب الجزائري، الذي ملأ دنيا الجديدة وشغل ناسها على امتداد أسبوع كامل ظلت فيه جماهير الفريق الدكالي تبحث عن تفاصيل الخبر اليقين، هل غادر بنشيخة الإدارة التقينة للدفاع، ووقع عقدا مع فريق الرجاء الرياضي. لم يكن حلم بنشيخة تدريب فريق الرجاء وليد اليوم. لقد فتحت إدارة الفريق «الأخضر» مفاوضاتها مع هذا المدرب منذ ثلاثة أشهر يكون قد جالس فيها الرئيس بودريقة بنشيخة للتداول في هذا الموضوع، على الرغم من أن الود انطلق بين الطرفين منذ فازت الجديدة بلقب كأس العرش على حساب الرجاء، ثم عادت بعد ذلك لتحقق فوزا على الفريق «الأخضر» في منافسات البطولة، خلف وراءه زلزالا كان المدرب امحمد فاخر هو أول ضحاياه، على بعد أيام من انطلاق كأس العالم للأندية. ظل بنشيخة يراهن على الوقت لكي يهرب من كل الدعوات التي كانت تنادي بتجديد عقده مع فريق الدفاع الجديدي. لقد قال لمسيري فريق دكالة إنه مستعد لهذا التجديد في مستهل شهر أبريل من السنة الجارية. وحينما حل هذا الموعد، كان الوعد كذبة هذا الشهر، حيث عرف الرجل كيف ينسحب في هدوء وهو يتحدث عن الشروط التي يجب أن تتوفر لكي يقوم بمهامه على الوجه الأكمل. انتظر الجميع أن تطل نهاية الموسم الكروي لكي يقتنع بنشيخة بضرورة تجديد عقده مع الدفاع الجديدي، لدرجة أن مسيري الفريق وضعوا أمامه كل ما يتطلبه الأمر. بل إن بنشيخة اقترح لكي يصبح مشرفا عاما على الفريق بعد أن وقعت الجديدة عقد شراكة مع مونبيليه الفرنسي من أجل إحداث أكاديمية للتكوين سيكون لبنشيخة فيها الكلمة الفصل، باعتبار المهمة التي ستوكل له كمشرف عام. غير أن كل هذه الامتيازات التي كانت الجديدة مستعدة لتوفيرها لمدربها الذي سبق أن منحته مفتاح المدينة حينما توج الدفاع بلقب كأس العرش، وهو ما اعتبر وقتها إنجازا غير مسبوق، كانت بالنسبة لهذا المدرب الجزائري، الذي سبق أن تعرف عليه المغاربة أول مرة حينما كان يشرف على تدريب المنتخب الجزائري، مجرد أحلام جديدية، في الوقت الذي كانت فيه أحلام بنشيخة هي مجاورة فريق الرجاء. ولا غرابة أن بنشيخة سيقول للاعب محسن متولي، حينما انتهى اللقاء الذي جمع الرجاء بالدفاع الجديدي بملعب المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء في حوار ثنائي، إنه سيكون سعيدا لو كان مدربا لمتولي. وقتها فهم عميد الخضر أن الرجل يمني النفس بهذه المهمة التي كان رئيس الرجاء قد رتب لها ما يكفي من شروط. وفي آخر نزال التقت فيه الدفاع الجديدي بفريق الوداد الرياضي بملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، سيحسم بودريقة في أمر بنشيخة. وبعد أن أوهم مسيري الفريق أنه يوجد بغرفة الفندق الذي كان الفريق يقيم فيه، انسل الرجل ليوقع عقده الجديد مع الرجاء في جنح الظلام، قبل أن يسافر بعد ذلك إلى الكاميرون، حيث كان يشرف على دورة تدريبية. ولذلك كانت الرجاء مضظرة لفسخ عقدها مع التونسي فوزي البنزرتي ليلا وقبل أن تنجلي خيوط صبح اليوم الموالي. كان الاتفاق بين مسيري الرجاء وبنشيخة هو عدم الكشف عن صفقة انتقاله إلى حين تسوية وضعيته المالية مع الجديدة. لذلك اختار أن يغلق هاتفه وهو يتواجد بدولة الكاميرون، مما اضطر مسيري الجديدة إلى مكالمة زوجته بحثا عن رجل خرج ولم يعد. أما قبل السفر، فقد اختار بنشيخة طريقة ذكية للتخلص من ارتباطه حينما وضع أمام مسيري الجديدة شروطا، اعتبرها الجميع تعجيزية، لأنه فرض أن يتم تجديد عقود اللاعبين وبمنح تفضيلية ومنهم شاكو والنقاش، بعد أن كان اللاعب قرناص قد غادر الجديدة بحثا عن آفاق أخرى. كما فرض أن يتم فسخ عقود خمسة لاعبين دفعة واحدة يوجد من بينهم لاعبان لن تنتهي عقودهما ألا بعد موسمين، وهو ما يعني أن الجديدة يجب أن تصرف، في ظرف زمني قصير، ملايين الدراهم لإرضاء بن الشيخة ودفعه لقبول تجديد عقده. أما للكشف عن سوء نيته تؤكد مصادرنا، فقد ظل يحث مسيري الجديدة على التخلص من اللاعب شاغو لأن الجديدة تتوفر بحسبه على لاعبين أحسن من شاغو، يقول بنشيخة، الذي كان يراهن على انتقال هذا اللاعب إلى الفريق الذي سيدربه بنشيخة لاحقا. لذلك تابعنا كيف أن شاغو الذي ظل يتحدث عن رغبته في حمل قميص الوداد، عاد ليقول إنه سينتقل إلى الرجاء. في آخر لقاء جمع مسيري فريق الدفاع الجديدي ببنشيخة، حينما عاد من مهمته في الكاميرون، وضعت الجديدة أمام مدربها كل ما يحتاجه لقبول مهمة المشرف العام، ويجدد عقده لسنوات أخرى، بما في ذلك الأجر الشهري الذي قفز إلى أكثر من 20 مليون سنتيم، وكان يمكن أن يكون أكبر. غير أن المفاجأة غير السارة بالنسبة للجديديين، هي حينما قال بنشيخة إنه أعطى للرجاويين وعدا، ولن يكون بمقدوره أن يخلف وعده. أما حينما أصر الجديديون على بقائه، فلم يجد غير أن يقدم وعدا آخر بمحاولة إقناع الرجاء بالبقاء في الجديدة، ليكتفي في نهاية هذا المسلسل برسالة «إس إم إس» قصيرة يخبر فيها بقرار رحيله النهائي عن الجديدة. بل إن الرجل كان قبل هذا الموعد قد أفرغ البيت الذي كان يقطنه بالكولف الملكي بالجديدة استعدادا للرحيل. هي رحلة رجل احتضنته الجديدة، ومنحته مفتاح مدينتها الخاص، قبل أن يخدلها ويقرر الرحيل بطريقة تركت الكثير من الأثر السلبي على كل مكونات الدفاع الجديدي، التي رأت أن الطريقة التي اختارها بن الشيخة لم تكن احترافية، ولم تحترم شعور الجديديين بالنظر إلى أن قرار التعاقد مع الرجاء كان قد تم منذ عدة شهور، وضعت فيها كل الترتيبات لكي يكون بنشيخة غدا مدربا للرجاء الرياضي، وليس للدفاع الجديدي، على الرغم من أن الفريقين يلعبان بنفس الألوان «الأبيض» و»الأخضر». بنشيخة... «ثعلب» الجزائر الذي يراهن على حصد الألقاب في الدارالبيضاء ترك وراءه مفتاح مدينة الجديدة يجمع عبد الحق بنشيخة المدرب الذي قاد مدينة الجديدة إلى التتويج بأول لقب في تاريخ نادي كرة القدم والمدرب الذي قرر أخيرا خوض تجربة جديدة مع فريق الرجاء أكثر من مشترك مع مواطنه رابح سعدان، فكلاهما كانا أول مدربين يقودان فريقي الدفاع الحسني الجديدي والرجاء إلى الفوز بأولى ألقابهما، وكلاهما أشرف على تدريب المنتخب الجزائري، وأيضا كلاهما تعرضا لحملة نقد شرسة خلال توليهما تدريب منتخب الخضر، زيادة على أن الرجاء والدفاع الجديدي كما منتخب الجزائر فرق اقترنت هويتها باللون «الأخضر». وهكذا فإنه كما أضحى عبد الحق بنشيخة الذي سلمت له الجديدة مؤخرا مفتاحها، عريس المدينة والمدرب الذي سيخلد اسمه في تاريخ الفريق فإن مواطنه رابح سعدان فعل الشئ نفسه لكن قبل 24 عاما. ففي نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي قاد رابح سعدان الرجاء إلى حيازة أولى ألقابه القارية، لكن قبل أن يفعل ذلك كان يرى كثيرون في رابح سعدان المدرب الذي لا يرجى منه خيرا، بعد أن احتل منتخب الجزائر المركز الأخير في المجموعة الرابعة (مونديال المكسيك1986)بنقطة وحيدة، سيما أنه تلك المرحلة كان المنتخب المغربي أول منتخب عربي وافريقي يتأهل للدور الثاني. نفس القصة تكررت مع عبد الحق بن شيخة وهو يشرف على تدريب المنتخب الجزائري، فقد تولى الرجل هاته المهمة خلفا لرابح سعدان الذي قاد المنتخب الجزائري إلى نهائيات مونديال جنوب إفريقيا 2010 حيث خرج من الدور الأول. كانت مهمة بنشيخة (49 عاما) تتمثل في قيادة منتخب بلاده إلى نهائيات كأس إفريقيا 2012 في الغابون وغينيا الاستوائية، رغم أنه حين تولى هذه المهمة كان يشرف على تدريب المنتخب الرديف المشكل من لاعبي البطولة، لكن فشله في مهمته جعله مادة دسمة لوسائل الإعلام، التي رأت في هزيمة المنتخب الذي يقوده، هزيمة مذلة، خصوصا أن تاريخ مباريات المنتخبين المغربي والجزائري كانت دائما مطبوعة بالكثير من الندية، لكن مع ذلك فإن كل تلك الأصوات التي انتقدت بنشيخة هي نفسها التي ترى فيه بعد عامين المدرب الجدير بالتقدير، خصوصا وهو يقود فريق الدفاع الحسني الجديدي إلى التتويج بباكورة ألقابه، هو الذي فشل في الظفر في الكأس رغم لعبه ثلاث مباريات نهائية. ألا يعيد التاريخ حكاية رابح سعدان مع بنشيخة؟ بعد نهاية مسيرته الرياضية كلاعب دخل عبد الحق بن شيخة عالم التدريب من بابه الواسع. فعل ذلك بعد أن حصل على الماجستير في منهجية التدريب الرياضي حيث بدأ مع المنتخب الأولمبي الجزائري 1997 ثم شباب بلوزداد من 98 إلى 2001 حيث تحصل علي بطولتين، ثم بعدها تحول إلى مولودية الجزائر فريقه الأم، ففريق اتحاد الحراش. وبعدها عرض عليه محمد روراوة، رئيس الاتحاد الجزائري الرجوع إلى المنتخب الأولمبي 2003/2005 حيث أهل الفريق للألعاب البحر الأبيض المتوسط بالميريا الأسبانية بعدها رحل بن شيخة إلى قطر وساهم في صعود نادي ام صلال القطري الي دوري المحترفين 2005، وخلال موسم 2007-2008 درب النادي الأفريقي التونسي وأحرز معه لقب البطولة، بعد أن أمضى الموسم الذي سبقه مع الترجي الرياضي الجرجيسي. جعلت رغبته في القيام بعمل جيد وحرصه على التواصل، خصوصا تجاه وسائل الإعلام، (جعلته) واحدا من المدربين الأكثر شعبية في تونس خلال تدريبه لترجي جرجيس. خلال موسم 2006-2007، عندما كان مع هذا النادي فاز ضد النادي الأفريقي ب 1-0 في المباراة الافتتاحية لكأس تونس مما جعل هيأة الأفريقي تقترحه لقيادة النادي. كان العقد ينص على سنة واحدة، ولكن نتائجه الجيدة أقنعت قادة النادي للتفاوض على تمديده قبل نهاية البطولة (نفس السيناريو يتكرر اليوم مع الدفاع الحسني الجديدي حيث يتداول مكتبه المسير في اقتراح تمديد عقد المدرب). في 22 ماي 2008 توج النادي الإفريقي ببطولة تونس. وعلى الرغم من العروض التي تلقاها من اتحاد كرة القدم الجزائري والأندية في دول الخليج (وهي عروض مغرية جدا)، مدد بن شيخة عقده لسنة واحدة. فاز بكأس شمال إفريقيا للأندية البطلة في 25 يناير 2009. كما بلغ نصف نهائي كأس الاتحاد الإفريقي. قبل العرض المقدم من ال»فاف» لتدريب المنتخب الوطني الجزائري "ب". والفريق الأولمبي فيما شارك في كأس افريقيا للمحليين 2011 بالسودان (نصف نهائي). تم تعيينه في 13 شتنبر 2010 من قبل محمد روراوة رئيس الاتحاد الجزائري، مدربا رسميا للمنتخب الوطني الجزائري خلفا لرابح سعدان، لكن الهزيمة الثقيلة التي مني بها المنتخب الجزائري في مراكش ( يونيو 2011) عجلت بتركه لمنصبه كمدرب للفريق. بعد ثلاثة أشهر من ذلك تعاقد مع مولودية الجزائر لسنتين إلا أن العقد سرعان ما فسخ. إثر ذلك عاد ليدرب النادي الإفريقي في دجنبر2011، قبل أن يتعاقد مع الدفاع الحسني الجديدي ويبدأ رحلة جديدة فتحت شهية الفريق الدكالي على الألقاب، بعد أن حاز أول لقب في تاريخ النادي، الذي تأسس قبل 57 عاما.