خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي ألقاه عصر يوم الأربعاء في كلية «ويست بوينت» العسكرية وتحدث فيه عن عزمه على زيادة الدعم الأمريكي للمسلحين السوريين، يؤرخ لمرحلة جديدة للتدخل الأمريكي في الأزمة السورية ويحدد طبيعته. الرئيس أوباما قال بالحرف الواحد إن هذا الدعم «سيكون بهدف مساعدة هذه المعارضة المسلحة في مواجهة نظام الرئيس بشار الأسد وخصومها المتطرفين»، فهؤلاء يقدمون «أفضل بديل من الإرهابيين والنظام الوحشي». أقوال الرئيس أوباما لا تحتاج إلى الكثير من الشرح والتفسير، فهو يريد شن حرب مزدوجة على النظام والجماعات الإسلامية المقاتلة في سورية معا، وهي الجماعات التي يصفها بالإرهابية، ودون أن يخسر جنديا أمريكيا واحدا، وأن يترك تسديد فاتورة التكاليف للدول العربية الخليجية الغنية، أي المملكة العربية السعودية وقطر. ما يؤكد هذا التوجه هو ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الثلاثاء من أن الرئيس أوباما سيسمح لوزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بتدريب مقاتلي المعارضة السورية «المعتدلة»، مما يعكس قلق البيت الأبيض حيال تصاعد قوة الجماعات الإسلامية المتشددة، مثل تنظيمي الدولة الإسلامية وجبهة النصرة. نحن أمام مشروع أمريكي لإنشاء قوات «كونترا» سورية على غرار نظيرتها في أمريكا الجنوبية في ثمانينيات القرن الماضي، ونيكاراغوا على وجه الخصوص، أو بالأحرى «قوات صحوات» وفق الترجمة العربية، وهي التسمية التي تعود حقوق اختراعها إلى الجنرال الأمريكي بترايوس، قائد القوات الأمريكية السابق في العراق، أي (Awakening Force). عمليات التدريب بدأت بالفعل منذ فترة طويلة، بعضها في معسكرات أقيمت خصيصا في الأردن، والبعض الآخر حديث الإنشاء في دولة قطر، ويتزامن كل هذا مع تدفق أسلحة نوعية حديثة إلى فصائل المعارضة المسلحة، من بينها صواريخ أمريكية مضادة للدبابات من طراز «داو». السيد أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني السوري، قال إن المزيد من الأسلحة النوعية الأمريكية سيصل في غضون ثلاثة أسابيع، ولكنه لم يحدد نوعية هذه الأسلحة وما إذا كانت تضم صواريخ «مان باد» المضادة للطائرات، وهي صواريخ فعالة جدا، ويمكن أن تغير موازين القوى على الأرض والجو، وترفض الإدارة الأمريكية كل الضغوط من المعارضة والكونغرس ودول عربية للسماح بها خشية وقوعها في أيدي مقاتلي الدولة الإسلامية والنصرة ومنظمات إسلامية أخرى يمكن أن تستخدمها ضد إسرائيل لاحقا. يوم الثلاثاء، بثت محطة «بي بي إس» الأمريكية شريطا وثائقيا أعده الصحافي المسلم محمد علي الذي رافق الجماعات السورية المسلحة منذ انطلاقها قبل عامين ونصف العام لمحاربة النظام السوري وقواته، وكشف، أي الشريط، بالصوت والصورة، توجه 90 مقاتلا سوريا من ميادين القتال إلى العاصمة التركية أنقرة حيث كان في استقبالهم مجندوهم الأمريكان (من ضباط السي آي إيه) وهناك أجروا معهم تحقيقات مكثفة لعدة أيام حول ميولهم السياسية والعقائدية للتأكد من عدم وجود أي تعاطف إسلامي لديهم، ثم بعد انتهاء التحقيقات جرى نقلهم إلى دولة قطر حيث أقيم معسكر خاص قرب الحدود السعودية لتدريبهم على أيدي ضباط من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية نفسها حول كيفية إقامة الكمائن للقوات النظامية السورية واستخدام الأسلحة الحديثة، والإجهاز على حياة أي من الجنود السوريين المصابين، حسب ما ورد على لسان أحد الذين جرى تدريبهم في هذا المعسكر والموثق في الشريط المذكور. حملة التصعيد العسكرية هذه تسير جنبا إلى جنب مع مخطط سياسي ودبلوماسي جديد كشفته لنا مصادر في الأممالمتحدة وأكده السيد بشار الجعفري، مندوب سورية في الأممالمتحدة، الذي عبر عن قلق حكومته، في تصريحات نقلتها ال»سي إن إن»، من وجود تحضير لمشاريع لإصدار قرارات دولية لسحب تمثيل الحكومة السورية الحالية في الأممالمتحدة وتسليم مقعدها إلى حكومة الائتلاف الوطني بضغط من دول عربية نفطية جنبا إلى جنب مع أمريكا وبريطانيا وفرنسا. تسليح المعارضة السورية «المعتدلة» بأسلحة أمريكية نوعية لمحاربة النظام والجماعات الإسلامية معا سيزيد الأزمة السورية تعقيدا، وسيطيل من أمد الحرب، والأخطر من ذلك أنه سيؤدي إلى مضاعفة أعداد القتلى الذين سقطوا منذ بدء عمليات التسليح هذه، ويقدر عددهم بأكثر من مائتي ألف إنسان حتى الآن، معظمهم من المدنيين العزل. الأزمة السورية، التي دخلت عامها الرابع في شهر مارس الماضي، حافلة بالتناقضات والانقلابات في التحالفات، فمن كان يتصور تحالف جبهة النصرة مع الجيش السوري الحر في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يشارك الأولى، أي «النصرة»، تبني إيديولوجية تنظيم «القاعدة» في نسختها الأصلية؟ وعلى هذه الأرضية نفسها، أي تغير خريطة التحالفات، بفعل تغير الداعمين والمواقف الأمريكية الغريبة، لماذا لا نفترض، مجرد افتراض، أن يؤدي هذا التوجه الأمريكي الخليجي الجديد، إلى التقارب وربما التحالف بين النظام السوري والجماعات الإسلامية المتشددة طالما أن «قوات الصحوات» القديمة المتجددة ستستهدف قتال، ومن ثم تصفية الطرفين معا أي النظام و»الجماعات الإرهابية» حسب التصنيف الأمريكي؟ فإذا كان ما جمع العلمانيين والليبراليين السوريين مع جماعات إسلامية متشددة، مثل تنظيم النصرة، هو نظرية «عدو عدوي صديقي»، فلماذا لا نفترض انطباق النظرية نفسها على النظام وجماعات إسلامية متشددة أخرى تضعها أمريكا وحلفاؤها العرب على قائمة «الإرهاب»؟ قوات «الصحوات» لم تنجح في القضاء على تنظيم القاعدة ورجاله في العراق، وقوات «الكونترا» لم تحقق أهدافها في القضاء على الأنظمة الوطنية المعادية لأمريكا في أمريكا الجنوبية، بل زادت من عداء شعوب تلك القارة للغطرسة العدوانية الأمريكية، ولا نعتقد أن قوات «الكونترا» أو «الصحوات» السورية الجديدة ستكون أفضل حظا. عبد الباري عطوان