مع كل محطة تحل فيها ذكرى التفجيرات الإرهابية بالدارالبيضاء في 16 ماي 2003، تتجدد التساؤلات حول مآل ملف معتقلي السلفية الجهادية، الذين لا يزالون يقبعون في السجون بالمئات، وواقع التهديدات الإرهابية في المغرب واحتمالاتها، وهل لا تزال البلاد معرضة لما يمس باستقرارها الأمني كما حصل قبل إحدى عشرة سنة. كما تتجدد معها التساؤلات عن العائلات التي فقدت في تلك التفجيرات أفرادا منها، الأمر الذي يجعل ذكرى تلك الأحداث مختلطة المشاعر، بين تجدد الأمل لدى عائلات المعتقلين، وتجدد المأساة لدى عائلات المفقودين. في تلك الليلة قبل إحدى عشرة سنة اهتز المغرب على تفجيرات غير مسبوقة في تاريخه، لو استثنينا التفجيرات التي كانت تحصل خلال الاحتلال الفرنسي من طرف الوطنيين في إطار أعمال المقاومة. ومنذ ذلك التاريخ بدأت صفحة جديدة من المواجهة بين الدولة وبين تيار جديد أطلق عليه اسم»السلفية الجهادية»، الذي كان مصطلحا جديدا آنذاك تبلور في شبه الجزيرة العربية، بسبب خروجه من التيار السلفي الوهابي الذي يرفض رفع السيف في وجه الحاكم، ونضوجه في ساحات القتال بأفغانستان، وانتشاره بعد ذلك في عدد من البلدان العربية قبيل وعقب تفجيرات الحادي عشر من شتنبر عام 2001. لم يكن أحد يعرف من أين خرج منفذو تلك التفجيرات، فحتى ذلك الوقت لم يكن قد ظهر تيار يمكن أن يطلق عليه اسم «السلفية الجهادية» داخل البلاد، كما أن الشبان الذين نفذوا تلك التفجيرات لم يكن واضحا أن لهم ارتباطات معينة بالداخل. صحيح أن المغرب اعتقل قبل تلك الأحداث بسنة تقريبا خلية كان ضمنها سعوديون قادمون من الخارج، هي خلية جبل طارق، من أجل تجنيد أتباع لها داخل البلاد، ونشر أفكار السلفية الجهادية، ومعاودة الاتصال مع المغاربة الذين كانوا في أفغانستان، ولكن اعتقال أفراد تلك الخلية أعطى الانطباع بأن التهديد السلفي هو تهديد خارجي ولا يمكن أن يكون صادرا عن الداخل، بالنظر إلى غياب منظرين مغاربة يروجون لتلك الأفكار المتطرفة بشكل علني، بيد أن تفجيرات 16 ماي أظهرت أن العكس هو الذي كان صحيحا. وفي مواجهة تلك الأحداث الجديدة والمفاجئة، لم تكتف الدولة بمعالجة قضية التفجيرات في حد ذاتها بوصفها عملا إجراميا عاديا، بل تعاملت مع تلك الأحداث باعتبارها إفرازا من إفرازات أفكار التطرف والتشدد المنتشرة في صفوف التيار السلفي بشكل عام، وأدخلت العنصر»الثقافي» في معالجة الملف بشكل جذري. لذلك لم تكتف فقط باعتقال منفذي تلك التفجيرات، بل شملت الاعتقالات العديد من الأشخاص الذين يدورون في المحيط السلفي، تنظيرا أو ممارسة. فقد رأت الدولة أن أصل المشكلة موجود في بعض المعتقدات السائدة وسط فئات من المجتمع، وأن المعالجة يجب أن لا تقتصر على اعتقال المنفذين فحسب، بل أيضا كل من يشتبه في أنه يحمل أفكارا سلفية متشددة، وهو ما جعلها تدشن بعد سنة واحدة من تلك التفجيرات سياسة دينية جديدة تحت مسم «هيكلة الحقل الديني». شملت الاعتقالات أشخاصا سبق لهم أن قاتلوا في أفغانستان إبان الاحتلال السوفياتي لها، وآخرين متهمين بالانتماء إلى جماعات متطرفة، وفئة ثالثة أمثال محمد الفيزازي لهم أنشطة دعوية في أوساط السلفيين أو كتابات متشددة يمكن أن تكون منهاجا يستضاء به بالنسبة لأي سلفي متطرف ذي توجه جهادي. فقد أرادت الدولة أن تنهي أي تهديد محتمل يأتي من المحسوبين على هذا التيار، وذلك وفق سياسة أمنية استباقية، عززها المناخ الدولي الذي كان معبأ في تلك الفترة ضد هذا التيار في العالم قاطبة. وبالعودة إلى تلك المرحلة في المغرب، يمكن القول بأن الدولة أدركت أن المنحنى يسير في اتجاه تقوية التيار الجهادي بشكل عام. فبعد تفجيرات الحادي عشر من شتنبر في الولاياتالمتحدةالأمريكية بادر عدد من الأشخاص إلى مباركتها، واعتبر بعضهم أن أسامة بن لادن مصلح القرن، ووقع عدد آخر بينهم رموز علمية بيانا يستنكرون فيه إقامة قداس على ضحايا التفجيرات في كاتدرائية الرباط، بما يعد ضمنيا تأكيدا على أنهم لم يكونوا ضحايا عمل إرهابي في رأي الدولة. وكل تلك التطورات أظهرت أن أصوات التطرف موجودة بداخل المجتمع، وأن هناك تيارا يباين وجهة نظر الدولة في تفجيرات واشنطن ونيويورك ويشكك في الرواية الرسمية الأمريكية. ولا شك أن الاعتقالات شملت الكثيرين ممن لم تكن لهم يد في العنف أو مسؤولية في نشر أفكار التطرف وإذاعتها، فبسبب الاحتقان السائد في تلك الفترة طبعت الاعتقالات بنوع من العشوائية، مما أدى إلى انزلاقات عدة. وفي عام 2005 صرح الملك محمد السادس في حواره مع يومية «إيل باييس» الإسبانية خلال زيارته لإسبانيا بأن معالجة ملف 16 ماي شابه بعض القصور. والمؤكد أن ذلك تم في ضوء تقرير أعد حول تلك الأحداث، من شأن نشره مستقبلا أن يضيء جوانب عدة مما حصل. ادريس الكنبوري هل نجحت المبادرات الحقوقية في تحريك ملف معتقلي السلفية؟ أبو حفص: كدنا نصاب بالإحباط لكن اليوم هناك مؤشرات لمعالجة الملف [[{"type":"media","view_mode":"media_large","fid":"5183","attributes":{"alt":"","class":"media-image","height":"215","typeof":"foaf:Image","width":"480"}}]] حالة الترقب هي العنوان الأبرز في انتظار ما يمكن أن يعرفه ملف معتقلي السلفية الجهادية من مستجدات، أمام تواتر تحليلات تشير إلى قرب معالجة الملف، خاصة بعد الإشارات التي رأى فيها مراقبون دلالة قوية على إمكانية أن تشهد قضية معتقلي السلفية الجهادية حلا قريبا. وعلى الرغم من كون كثير من الأطراف الحقوقية التي انخرطت في مبادرات لتحريك الملف أكدت في تصريحات ل«المساء» عدم وجود أي معلومات موثوقة بشأن ما قد يعرفه الملف من حل، إلا أن عددا من الإشارات، وعلى رأسها إلقاء الشيخ محمد الفزازي لخطبة الجمعة أمام الملك محمد السادس، شكلت في نظر الكثيرين إشارات قوية إلى إعادة الملف إلى الواجهة. عدد من الفعاليات الحقوقية انخرطت قبل بضعة شهور في مبادرات كان هدفها تقريب وجهات النظر، فكان أن أطلقت جمعيات عدالة والوسيط ومنتدى الكرامة ومحمد عبد الوهاب رفيقي المعروف ب«الشيخ أبي حفض» ما سمي ب«لجنة متابعة الحالة السلفية». تحركات اللجنة انصبت على عقد لقاءات تشاورية للتفكير في المبادرات التي يمكن القيام بها لتحريك الملف، إضافة إلى عقد لقاءات مع الحكومة، وعلى رأسها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، ومصطفى الرميد، وزير العدل والحريات. لكن الفترة التي أعقبت هذه المبادرة كان عنوانها البارز تعقد الملف، في ارتباطه بحقيقة المراجعات التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى معتقلون من داخل السجون. تحركات ازدادت تعقدا مع سفر عدد كبير من السلفيين المغاربة، ومنهم عدد مهم من المفرج عنهم ومن كانوا يدافعون على الأوضاع الحقوقية للمعتقلين إلى جبهات القتال السورية، خاصة بعد «المفاجأة» التي شكلها سفر أنس الحلوي، الناطق الإعلامي السابق باسم اللجنة المشتركة لدفاع عن المعتقلين الإسلاميين إلى سوريا. تعقد الملف اعترف به مسؤولون رسميون، منهم محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي أكد في لقاء ضمن ملتقيات وكالة المغرب العربي للأنباء، أن توجه بعض المعتقلين الإسلاميين السابقين للقتال في سوريا، يعيق حل الملف، ويجعله معقدا. لكن المتابعين لمبادرات تدبير قضية معتقلي السلفية الجهادية تنفسوا الصعداء، بعدما كادت حالة اليأس تنتابهم بسبب ما عرفه مسار حلحلتها من بطء شديد، وبروز عوائق كادت أن تجعل إعادة فتحها أمرا صعبا، أمام مخاوف من وقوع «أخطاء» في الإفراج عن المعتقلين، مع سفر عدد كبير من المفرج عنهم نحو «المحرقة السورية». محمد عبد الوهاب رفيقي، العضو في لجنة متابعة الحالة السلفية، أكد في تصريح ل»المساء» أنه «إلى عهد قريب كنا نعتقد أن الأبواب أغلقت في وجه أي مقاربة لحل الملف، نظرا لعوامل معرقلة، منها القضية السورية وتأسيس جبهة عسكرية مغربة قتالية في سوريا، وسفر كثير من الذين كانوا يشتغلون على حقوق المعتقلين إلى هناك، بل وسفر كثير من المفرج عنهم، حيث قارب عددهم المائة». وقال في هذا السياق: «أحسسنا في إحدى اللحظات أن جهودنا ضربت عرض الحائط، وهو شعور تملكنا لوقت ليس باليسير، لكن بدأنا نعيش على وقع انتعاشة جديدة، لعلها تكون محركا وبداية حل الملف». وأوضح رفيقي أن «هناك إشارة سياسية، منها الخطبة التي ألقاها الشيخ الفيزازي أمام الملك محمد السادس، وبعض الحوارات التي تجري داخل السجون، وكل هذه مؤشرات تدل على أن هناك تحركات في اتجاه حل الملف، ولو على الأقل أن يكون حلا جزئيا، وإحداث حلحلة ونوع من التحرك في هذا الملف بعد جمود طويل جدا». واعتبر المتحدث ذاته أنه خلال المبادرة التي أطلقها رفقة جمعيتي عدالة والوسيط ومنتدى الكرامة تم تأسيس «لجنة المتابعة للحالة السلفية»، إذ تم عقد مجموعة من اللقاءات لمحاولة الوصول بشيء من العمق لهذا الملف من أجل محاولة التقريب بين مختلف الأطياف الحقوقية وبين الذين لهم علاقة بهذا الملف، سواء كانوا معتقلين أو ممثلين لهم أو مفرج عنهم سابقا. وأوضح أنه «تم عقد اللقاء الأول عن الحالة السلفية بالرباط، وقد كان لقاء ناجحا، وتم لقاء ثان بشكل مصغر عن اللقاء الأول، كما أن لجنة المتابعة قامت بلقاءات مع مجموعة من الفاعلين السياسيين وغيرهم الذين لهم ارتباط بالملف، سواء أكانوا رسميين أو غيرهم، حيث جرى لقاء مع رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزير العدل ورئيس الحكومة». وأضاف قائلا في السياق ذاته: «بعد هذه اللقاءات أحسسنا بنوع من البطء الشديد في التعامل مع هذا الملف، وكدنا أن نصاب باليأس والإحباط من وجود حل قريب، لكن أخيرا أحسسنا بنوع من التحرك، حتى من الجهات الرسمية لمعالجة الملف». معالجة ملف ما يعرف ب»معتقلي السلفية الجهادية»، وبشكل أدق ملفات من تأكد أن أيديهم لم تتلطخ بالدماء مع انخراط بعضهم في «مراجعات فكرية»، أضحت مطلبا لكثير من الهيئات، أمام وجود اعتراف بما شاب الملف من اختلالات تستوجب فتحه اتجاه إحقاق نوع من الإنصاف، مع ضرورة الحذر من الوقوع في حالات عود جديدة، بعد حالات سفر عدد من المفرج عنهم نحو جبهات القتال في سوريا. المهدي السجاري حمادة: خطر الإرهاب مازال قائما والفصل في مصير معتقلي السلفية بين أيدي صناع القرار قال إن التعامل مع المراجعات على أنها تكتيك ظرفي لا يخرج عن تفتيش العقائد قال منتصر حمادة، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، في حواره مع «المساء»، إن حلحلة ملف معتقلي السلفية، عمل مجتمعي مركب، مشيرا إلى أن الكرة هي في مرمى صناع القرار أولا وأخيرا. وأوضح حمادة أن المقاربة الأمنية آتت أكلها بشكل كبير في الساحة المغربية، ولكن هناك وجها آخر للعملة، تجسد في الانتهاكات الحقوقية التي طالت التيار السلفي دون سواه. -على بعد أيام من الذكرى ال 11 لأحداث 16 ماي 2003، هل بات المغرب قريبا من طي صفحة السلفية الجهادية ومعتقليها؟ يصعب الحسم في مآلات هذا الملف، بالرغم من أن بعض القراءات الصادرة في الآونة الأخيرة تصب في تزكية هذا الطرح، أي طي صفحة الاعتقال السياسي الخاص بالتيار السلفي الجهادي، على هامش الحدث الدال الذي تم بطنجة مع خطبة الجمعة الشهيرة للشيخ محمد الفيزازي بحضور ملك البلاد، بكل الدلالات المصاحبة لمثل هذا الحدث (هناك دلالات دينية وأمنية وسياسية وحقوقية للحدث). ومع ذلك يبقى القول الفصل في مصير الملف بين أيدي صناع القرار، ونتحدث هنا فقط عن ملف المعتقلين السلفيين، ولا نتحدث عن ملف «السلفية الجهادية»، لأن هذا الأخير مركب، ويتميز منذ عقود وليس منذ سنوات، بأنه يعرف تداخل عوامل موضوعية (خارجية)، ويكفي تأمل الحضور السلفي الجهادي لبعض المغاربة في الساحة السورية أو في شمال مالي في غضون العام 2013، وحتى ولو لم تكن هذه الأحداث القائمة، فالأرضية الفقهية والمعرفية الراهنة والسياق الدولي الأممي، وعوامل أخرى، تغذي مشاريع «الجهاديين». - هناك من يبدي تفاؤله بقرب انفراج ملف معتقلي السلفية ويعتبر إشارات من قبيل صلاة الملك محمد السادس خلف أحد الشيوخ السلفية مشجعة. هل نقترب حقا من طي صفحة الماضي؟ صلاة الملك محمد السادس خلف محمد الفيزازي، كانت إشارة دالة وصادمة للجميع، بما في ذلك التيار الإسلامي السياسي المشارك في اللعبة السياسية الذي رفض نشر متابعات إخبارية للحدث، وبما في ذلك المؤسسات الأمنية، وبالتالي، ما هو أهم من الصلاة، هو تفاعل هؤلاء الفاعلين (الأمنيين، والسياسيين، والإسلاميين في شقيهما الإخواني والسلفي...) مع الحدث: هذا هو بيت القصيد، والمفارقة هنا أن مقاطعة المنابر الإعلامية التابعة للحركة الإسلامية المشاركة في اللعبة السياسية لهذا الحدث، قدمت خدمة كبيرة لملف المعتقلين الإسلاميين. وقد تكون ذكرى 16 ماي مناسبة لتسوية هذا الملف الحقوقي الذي يشوش بشكل كبير على المكاسب الحقوقية التي حققها المغرب في الساحة العربية والإسلامية، يكفي أن تجربة الإنصاف والمصالحة كانت سابقة تاريخية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتمت قبل أحداث «الربيع العربي»، وهي التجربة التي تحتاج إليها اليوم أغلب الدول العربية، في حين أن المغرب حسم مع هذا الأمر منذ عقد تقريبا، ويبقى بين أيدينا ملف المعتقلين السلفيين، وتسويته العاجلة حتى لا نعيد التجربة مجددا، أو على الأقل، حتى لا ننخرط في ما يُشبه «أسلمة الإنصاف والمصالحة». - ما المطلوب لحلحلة ملف معتقلي السلفية الذي يتداخل فيه الأمني بالحقوقي؟ ما هو مطلوب اليوم، هو ما كان مطلوبا منذ سنوات مضت، الفارق البسيط بين الحقبتين لا يخرج عن بعض التطورات التي صاحبت أحداث الحراك العربي، وساهمت بشكل أو بآخر في حلحلة الملف. لقد أصبت في سؤالك بالحديث عن ملف يتداخل فيه الأمني بالحقوقي، ولكن يتداخل فيه أيضا الشق الفقهي والمعرفي، وبدرجة أقل السياسي. نتحدث عن شق سياسي بسبب انخراط بعض الفاعلين السلفيين، أو ممن كانوا من التيار السلفي، وبعض المعتقلين السلفيين، في حزب النهضة والفضيلة، ولا نتحدث عن المبادرات الجمعوية الحقوقية التي انخرطت في فترات معينة من أجل «حلحلة» ما يمكن حلحلته، ونخص بالذكر مبادرات صادرة عن فاعلين من حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة. هذه مبادرات انتهت تقريبا إلى زوال اليوم. أما في الشق الأمني، فأهل مكة الأمنية أدرى بشعابها الصادمة، ومنها المستجدات المقلقة التي صاحبت الحراك العربي، إذ هناك معطيات خطيرة للغاية كشفت عنها هذه التطورات العربية، وخاصة المعطيات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي: في هذه المواقع، يتم اختبار تلك الشعارات التي ترفع حول «الوسطية» و»الاعتدال»... وليس هذا مقام الخوض فيها. أما في الشق الحقوقي، فقد عاينا انخراط جمعية النصير أولا، واللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين لاحقا، وفي كلتا الحالتين، كانت هناك بعض الأعطاب الذاتية التي حالت دون الذهاب بعيدا، زيادة طبعا على ثقل الهاجس الأمني في الملف. ولعل أهم عطب ذاتي عند اللجنة المشتركة مثلا، كان هجرة بعض أعضائها إلى الديار السورية، ونخص بالذكر حالة الفقيد أنس الحلوي. أما بالنسبة إلى باقي الجمعيات الحقوقية، والفاعلين الحقوقيين، فالملف يعتبر ورقة مؤرقة في حساباتهم، حيث طغت الحسابات الفكرانية (الإيديولوجية) في متابعة الملف، مادام أن أغلب تلك الجمعيات تنهل من مرجعية يسارية، ورفضت تبني معاناة العديد من المعتقلين. تبقى بين أيدينا المقاربة الفقهية والمعرفية: في الحالة الأولى، لا يزال الزاد الفقهي المحلي متواضعا من أجل سحب البساط عن أدبيات «الجهاديين»، رغم الأرضية الفقهية والسلوكية المعتدلة والوسطية التي تُميز المجال التداولي المغربي، ولكن ريبة وتخوف أغلب علماء وفقهاء ومؤسسات الساحة، حال دون معاينة انخراط نظري (فقهي) وبالتالي عملي في الملف، يحدث هذا في بلد يوصف بأنه «بلد الأولياء»، بمعنى أن الأرضية الدينية خصبة لتفكيك خطاب «الجهاديين». وفي الحالة الثانية، يكفي أن نعلم أن الأدبيات البحثية التي تعاملت مع السلفية الوهابية، لا تزال متواضعة، بسبب رهبة الأقلام البحثية من الخوض في الملف حتى لا تفقد امتيازات هنا وهناك، في الداخل والخارج، ولا نتحدث عما هو منتظر من التيار السلفي أو التيار الإخواني، في شقه الحركي الذي ينهل من مرجعية سلفية وهابية، فهؤلاء صرحاء في الإعلان عن الولاء لهذه المرجعية، ويستفيدون من إعلان الولاء، وإنما نتحدث عن باحثين من المفترض أن يأخذوا مسافة علمية وسلوكية من تديّن مشرقي يختلف وربما يعادي التديّن المحلي، ويعتقد أنه يمثل الأمة و»أهل السنة والجماعة» . بالنتيجة، حلحلة هذا الملف، عمل مجتمعي مركب، وأخذا بعين الاعتبار الفوارق بين ما هو مطلوب وما هو كائن، يتضح أن الكرة، مرة أخرى، في مرمى صناع القرار أولا وأخيرا، أما النخب الدينية والبحثية، فلا تزال خارج السياق. - يطرح ملف السلفية سؤال الإدماج، في صيغته الدينية والسياسية، كيف تقيمون عملية الإدماج المدني والسياسي للمعتقلين السلفيين بعد 11 سنة من وقوع أحداث 16 ماي 2003؟ يتعين التفريق بين الإدماج المادي، وهو المفهوم أو المعنى المتداول أكثر في المقالات التي تتطرق للموضوع، وبين الإدماج المعنوي والعلمي والثقافي، وهو الأهم حتى لا نقول الأخطر، لأن التجربة المغربية مع إدماج التيار الإسلامي الحركي الذي ينهل من مرجعية إخوانية، ومع التيار السلفي المحسوب على «السلفية العلمية»، أكدت أن بعض المنتمين لهذا التيار مازالوا مترددين في حسم قناعاتهم العقدية والمذهبية، بالصيغة التي يترجمها ترويج بعض هؤلاء لحلم تأسيس «دولة خلافة»، أو إعلان الولاء العقدي والمذهبي لأهل الشرق وغيره. وبالنسبة إلى المعتقلين السلفيين المعنيين بسؤال الإدماج في مرحلة ما بعد الإفراج عنهم، فلن تخرج الصورة المتوقعة عما قيل سلفا: عملية الإدماج المادي من أبسط ما يكون، ونعتبرها تحصيل حاصل، ونتذكر دلالات إشراف ملك البلاد العام الماضي على توزيع مساعدات مادية (أظرفة مالية وعربات ثلاثية العجلات) على معتقلين سلفيين سابقين، في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبالتالي لا تنقص الإمكانات وقبلها القرارات من أجل التسوية المادية لعملية الإدماج المادي، ليبقى أمامنا مأزق الإدماج المعنوي، وهنا لا بد من تشجيع الأعمال التي تندرج في سياق «المراجعات» أو ترشيد العمل الإسلامي الحركي، ونخص بالذكر، مثلا، ما يقوم به عبد الوهاب رفيقي خارج السجون، وحسن الخطاب في السجن المحلي بسلا، وغيرها من المبادرات النافعة. - رغم مراجعات بعض رموز السلفية، والتي قد تعبر عن تحولات حقيقية في النسق الفكري والسياسي للعقل السلفي في المغرب، فإن البعض يعتبرها مجرد تكتيكات ظرفية للخروج من المأزق؟ التعامل مع هذه «المراجعات»، على قلتها، على كونها مجرد تكتيك ظرفي للخروج من المأزق، لا يخرج عن تفتيش العقائد، الذي نؤاخذ عليه العديد من التيارات الإسلامية الحركية، فكيف نمارس ما نؤاخذ عليه الغير؟ هناك من شكك في مراجعات محمد الفيزازي وعبد الوهاب رفيقي، ولكن مواقف الرجلين، اليوم، تؤكد أنهما قاما فعلا بمراجعات، وأنهما لا يمارسان «التقية» أو ازدواجية الخطاب. قد تؤاخذ عليهما بعض المواقف هنا أو هناك، ولكن، هذا أمر لا يقزم البتة الاختلاف الجلي بين مواقفهما بين الأمس واليوم. وينطبق نفس التقييم على ما يقوم به حسن الخطاب وأسماء أخرى، وهذا أمر يتطلب التفاعل الإيجابي من المسؤولين، من أجل المساهمة الجماعية في سحب البساط عن الخطاب الإسلامي الحركي المتشدد، والمساهمة بالتالي في تسوية هذا الملف الحقوقي. - بين الفينة والأخرى يتم الإعلان عن تفكيك خلايا إرهابية. هل مازال خطر أن يكون المغرب على موعد مع رائحة الموت والبارود قائما؟ بالطبع لا يزال الخطر قائما، لا نتحدث عن خطر قائم من الداخل، لأننا نعتقد أن هذا الاحتمال يبقى ضعيفا، وحتى أتباع التيار السلفي الجهادي الذين شدوا الرحال إلى سوريا، يقرون ويعترفون أنهم لا يفكرون في استهداف المغرب، ويعلنون عن ذلك بشكل واضح، باستثناء الأعضاء المحسوبين على تيار «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام)، بحكم نهل هؤلاء من مرجعية تكفيرية متطرفة، تجاوزت مرجعية «السلفية الجهادية»، وهنا وجب التفاعل بشكل عاجل وإيجابي أيضا مع بعض المتحمسين لهذا الخط المتشدد في السجون المغربية، والذين انتقلوا من خانة «السلفية الجهادية» نحو سلفية تكفيرية متطرفة، بسبب انزلاقات المقاربة الأمنية. هناك إكراه فقهي وعلمي ومادي كبير ينتظر المغرب في أقلمة وإدماج أفكار هؤلاء الأعضاء، على قلتهم. الخطر الذي يهدد المغرب أكثر، اليوم، يأتي من الخارج، ومن بعض دول الجوار، أو صناع القرار هناك: بعض هؤلاء لا يروق لهم الاستقرار السياسي والاجتماعي، رغم التحديات والإكراهات، الذي ينعم به المغرب مقارنة مع أوضاع الساحة، وهذا بشهادة كريستين لاغارد، مديرة البنك الدولي، في زيارتها الأخيرة للمغرب، إضافة إلى احتمالات الخطر القادمة من شمال مالي وجنوب الجزائر، حيث تنشط حركات إسلامية جهادية، محسوبة تنظيميا أو فكريا على السلفية الجهادية التي أصبحت منذ عقد ونيف، تنظيما عابرا للقارات. - كيف تقيمون المقاربة الأمنية والحرب الاستباقية للأجهزة في مواجهة «الإرهاب المغربي»؟ لا تخلو مقاربة الملف الإسلامي الحركي (في شقيه الإخواني والسلفي)، من تبني المقاربة الأمنية، في جميع دول العالم، بلا استثناء، فنحن لا نعيش في «المدينة الفاضلة»، وتبقى أهم الفوارق في مقاربة نموذج رقم 1 مع مقاربة نموذج رقم 2 في طبيعة النظام السياسي، ثقل العامل الديني عند صانعي القرار، وعوامل أخرى بالطبع. لقد آتت المقاربة الأمنية أكلها بشكل كبير في الساحة المغربية، ولكن هناك وجها آخر للعملة، تجسد في الانتهاكات الحقوقية التي طالت التيار السلفي دون سواه، وليس التيار الإخواني (الرسمي والمعارض)، وبين أيدينا الإقرار الملكي الرسمي بوقوع هذه الانتهاكات (حوار الملك محمد السادس مع يومية «إل بايس» الإسبانية)، وإذا كان هناك تيار إسلامي حركي في المغرب، يمكن أن يفكر في «منافسة» التيار اليساري على الظفر بشهادات لصيقة بوقوع انتهاكات حقوقية، فلن يكون خارج الدائرة السلفية، وليس الدائرة الإخوانية. الحرب الاستباقية مطلوبة ومنتظرة وتحصيل حاصل في العالم بأسره، والأمل معقود على أن تقزم على قدر المستطاع «الأضرار الإنسانية الجانبية» لهذه الحرب. هذا هو التحدي الذي تواجهه الدولة المغربية في التعامل مع الظاهرة الإرهابية، وخطبة الشيخ محمد الفيزازي أمام ملك البلاد، ليست فقط رسالة موجهة إلى الداخل (للجميع)، وإنما رسالة موجهة أيضا للخارج، على تميز النموذج المغربي في تدبيره للظاهرة الإسلامية الحركية، بالرغم من بعض أعطاب هذا التدبير، وهذا التميز أفضى إلى الإقرار بوقوع انتهاكات، والانخراط الرسمي في ترميم ما يمكن ترميمه، رغم أن الضرائب كبيرة والتحديات والضغوط أكبر، ونخص بالذكر الضغوط الغربية، مادام ملف الإرهاب ليس محليا أو إقليميا، وإنما ملفا كونيا. عادل نجدي مسار المقاربة الأمنية لملف «مكافحة الإرهاب» عرفت المقاربة الأمنية لملفات الإرهاب تغييرا على مدى الإحدى عشر سنة الماضية، حيث استفادت الدولة من درس 16 ماي الذي حصلت فيه تجاوزات بفعل اعتماد هذا النوع من المقاربة، وهو ما جر على المغرب انتقادات حقوقية من لدن منظمات دولية، والتي أصدرت عدة تقارير ترصد الانتهاكات والخروقات التي أعقبت هذه المرحلة بفعل اعتماد المقاربة الأمنية التي كانت تهدف إلى حماية المواطنين، وجاءت تحت تأثير صدمة وهول ما حدث. وميز عبد الإله بنعبد السلام، نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، في تصريح ل«المساء» بين مرحلتين في ما يخص طبيعة اعتماد المقاربة الأمنية، الأولى التي ارتكبت فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وهي التي تلت أحداث 16 ماي، وذلك من حيث تواترها ومنهجيتها وكثافتها وجسامتها، حيث أن عدد الموقوفين فاق ثمانية آلاف موقوف، وفق ما كشف عنه الراحل محمد بوزوبع وزير العدل السابق للجمعية، يقول بنعبد السلام، والمرحلة الثانية المتعلقة بالمقاربة الأمنية في أحداث أركانة بمراكش، حيث أن عدد المعتقلين لم يكن بالحجم نفسه، رغم أن منهم من صرح أنه تعرض للتعذيب. ولعل المحطة التي جاءت بعد أحداث 16 ماي تم فيها اعتماد مقاربة خطيرة عادت بالمغرب إلى فترة حالكة من الاختطاف والتعذيب داخل معتقل تمارة، إلى حين 2011 بعدما تم التصريح بعدم وجود أي محتجز داخل مقر مديرية مراقبة التراب الوطني «ديستي»، وفق ما أعلن عنه المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يقول نائب رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، الذي اعتبر أن انتهاك بعض الحقوق ما زالت تعرفه المقاربة الأمنية لملف الإرهاب، ومن تجلياتها هو التمييز بين هؤلاء في العفو، باستثناء العفو الأخير الذي شمل معتقلي شيوخ ما يسمى بالسلفية الجهادية. ومن بين المؤاخذات بخصوص المقاربة الأمنية للإرهاب هو عدم تصديق المغرب على الآلية الوطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز، والتي ستسمح لمنظمات المجتمع المدني لمعرفة مدى احترام الضوابط القانونية من لدن المسؤولين عن الاعتقال، حسب ما أكده بنعبد السلام. ورغم الانتقادات الموجهة للمقاربة الأمنية، فهناك من يرى أن هذه المقاربة قد ساهمت في أمن المواطنين، ونجحت في تفكيك مجموعة من الخلايا الإرهابية بشكل استباقي، ومكنت من متابعة 2195 متهم من أصل 2300 شخص قدموا بتهمة قانون مكافحة الإرهاب إلى محكمة الاستئناف بالرباط، باعتبارها محكمة وطنية متخصصة منذ 29 ماي 2003، فتم الحكم على 2031 متهم، فيما مازالت ملفات 164 ظنينا أمام قاضي التحقيق وغرفتي الجنايات الابتدائية والاستئنافية بالرباط، في حين تقرر الحفظ وعدم متابعة 105 متهما، وفق ما كشفت عنه إحصائيات مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة العدل لسنة 2011. والمتتبع لهذا الملف سيلحظ لا محالة أن هناك تقدما قد حصل ولعل الانتقادات التي صدرت عن الهيئات الحقوقية في الداخل والخارج دفعت إلى بلورة مقاربة جديدة تعتمد على حكامة أمنية في مجال مكافحة الجريمة، وهذا ما سبق أن أشار إليه المحجوب الهيبة٬ المندوب الوزاري لحقوق الإنسان٬ في أحد اللقاءات، إذ بين من خلال مداخلة له أن الجهود المبذولة على المستوى الدولي والإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب غالبا ما تعترضها صعوبة التوفيق بين مكافحة هذه الجريمة وعدم المساس بحقوق الإنسان٬ مبرزا أن مكافحة الإرهاب لا ينبغي أن تكون مبررا لخرق هذه الحقوق. والمتتبع لملف مكافحة الإرهاب سيلحظ بلا شك أن هناك تقدما في منهجية المقاربة الأمنية لملف مكافحة الإرهاب، حيث لم تعد البلاغات الصادرة عن المديرية العامة للأمن الوطني أو وزارة الداخلية تكشف عن أسماء المعتقلين كما كان معمولا به في السابق، إذ كان يتم ذكر الأسماء الكاملة للمشتبه بهم، وهو ما كانت تنتقده هيئة الدفاع وكذا المنظمات الحقوقية، لكون ذلك يمس بقرينة البراءة والحق في المحاكمة العادلة. والملاحظ أن البلاغات الأخيرة لوزارة الداخلية تخلو من كل إشارة يمكن أن تعرف بهوية المعتقلين، بل تقتصر على سرد الأحداث وذكر التهم الموجهة للموقوفين. معتقلو السلفية الجهادية والورقة الحقوقية تناقلت العديد من وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة أخبارا حول وجود تحركات من أجل حل الملف بشكل نهائي، والإفراج عمن تبقى من المعتقلين السلفيين في السجون، كما راجت تكهنات بشأن احتمال الطي النهائي لهذا الملف. وقد استندت تلك التكهنات بشكل أساسي على واقعة صلاة الملك في المسجد الذي يخطب فيه محمد الفيزازي، أحد الذين تعرضوا للاعتقال في إطار حملة الدولة ضد السلفيين الجهاديين بعد تفجيرات الدارالبيضاء، وذلك في شهر مارس الماضي بمدينة طنجة. فالعديد من المراقبين اعتبروا تلك الخطوة مباركة من الملك لسياسة عدم التشدد تجاه السلفيين، وانتصارا لأطروحة التعامل الهادئ مع الملف في مواجهة الاختيار الأمني الذي انتهجته الدولة طيلة السنوات الماضية. وفي الأسبوع الماضي وجه عدد من المعتقلين من أبناء التيار في سجن عكاشة بالدارالبيضاء رسالة يلتمسون فيها من الملك التدخل لإنهاء محنتهم والإفراج عنهم، مؤكدين بأنهم أطلقوا عدة مبادرات بمعية معتقلين آخرين في سجون مختلفة من أجل مراجعة أفكارهم وتجديد الإيمان بالثوابت الدينية للمملكة. وتضاف هذه المبادرة إلى مبادرات أخرى أعلن عنها معتقلون سلفيون في سنوات ماضية، أبرزها اليوم تلك التي وضعها عبد القادر بليرج وحسن الخطاب. وطيلة العقد الماضي توالت مبادرات التصحيح والنقد الذاتي تحت مسمى «المراجعات» بين السلفيين المعتقلين، لكنها ظلت مبادرات معزولة بسبب عدم تعامل الدولة معها، وبقاء المؤسسة العلمية على الحياد منها. غير أن تلك المبادرات في جميع الأحوال تعني أن هناك صحوة في صفوف السلفيين داخل السجون بعد سنوات من الأسر، دفعتهم إلى إعادة التفكير في المنطلقات العقدية التي كانوا يحملونها، والاقتناع بأن إفراج الدولة عنهم مرتبط بتحول في قناعاتهم. ولا شك أن مرور كل هذه المدة من الاعتقال عززت صف أصحاب التصحيح داخل السجون، ووسعت من دائرة الراغبين في التبرؤ من أفكار الغلو والتشدد. وقد شهدت السنوات الماضية عمليات إفراج متوالية في مناسبات عدة، سواء بعفو ملكي أو بسبب انتهاء المدة المحكوم بها بالنسبة لمن قضى عقوبته السجنية كاملة. لكن الدولة ما تزال بعيدة عن معالجة الملف بشكل شمولي، واتخاذ مبادرة بالإفراج الجماعي عن كل المعتقلين. ذلك أن ما يسمى بالتيار السلفي في المغرب يتسم بطابع المرونة والتحول، وليس ملفا مستقرا يمكن التعامل معه وفق سياسة واضحة من لدن الدولة. ففي عام 2007 مثلا حصل تفجير في الدارالبيضاء نفذه شخص سبق أن استفاد من عفو ملكي قبل ذلك، كانت نتيجته تجميد الملف لفترة طويلة، على خلفية ما عرف آنذاك بقضية «العود» بالنسبة للسلفيين المفرج عنهم. وهذه المرة تزامنت ذكرى مرور عشر سنوات على تفجيرات 16 ماي في السنة الماضية مع توجه معتقلين سلفيين مفرج عنهم إلى سوريا للقتال في صفوف جماعة النصرة أو الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)، وهو الأمر الذي يزيد في تعقيد الملف. وفي الوقت الذي يطرح فيه الملف السوري تحديا أمنيا كبيرا على الدولة إزاء ملف المعتقلين السلفيين، هناك تحد من نوع آخر يجعل سياسة الدولة تجاه هذا الملف تحت الضوء، وهو التحدي الحقوقي. فقد اتخذ المغرب في الآونة الأخيرة إجراءات ملموسة في ما يتعلق بوضعية حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، بعدما أصبحت الورقة الحقوقية واحدة من أوراق الضغط على المغرب، كما قام بإلغاء إمكانية محاكمة مدنيين أمام المحاكم العسكرية. وينتظر أن تتوج هذه الإجراءات بالإفراج قريبا عن معتقلي مخيم أكديم إزيك، الأمر الذي سيضع ملف المعتقلين السلفيين في الواجهة، باعتباره واحدا من الملفات التي تقادمت دون أن تشهد تحركا من الدولة، خاصة أن هذا الملف يرتبط فيه السياسي بالحقوقي. ادريس الكنبوري