«هو انقلاب على اتفاق بين وزارة السيد رشيد بلمختار والنقابات التعيمية الأكثر تمثيلية بشأن قضية الأساتذة حاملي الشهادات الجامعية الذين خاضوا إضرابا من أجل حقهم في الترقية». هذه هي الخلاصة التي انتهى إليها الأساتذة المتضررون الذين فوجئوا بقرار وزارة التعليم توقيف أجورهم الشهرية، والشروع في إجراءات الاقتطاع عن العمل بمرر أن الأساتذة الذين كانوا يخوضون إضرابا عن العمل يكفله الدستور، لم يلتحقوا بمقرات عملهم. المعركة تبدو مرشحة للتصعيد بعد أن اختارت وزارة التعليم هذه الصيغة بدلا من نزع فتيل الغضب وإيجاد حل مرض للطرفين بلا غالب ولا مغلوب. نجحت وزارة السيد رشيد بلمختار في رهان القوة الذي سبق أن دخلته مع الأساتذة حاملي الشهادات الجامعية، والذين ظلوا يطالبون بالترقية عن طريقها إسوة بزملائهم، حينما فعلت قرارها بتوقيف أجور قرابة 500 أستاذ حامل لشهادة جامعية ممن خاضوا إضرابهم الوطني المفتوح، والذي تجاوز الثلاثة أشهر، بالاعتماد على قانون الانقطاع عن العمل. ونزل خبر الانقطاع عن العمل، الذي يعني الطرد، كالصاعقة على هؤلاء الذين ظلوا يمنون النفس بانفراج عن ملف ناضلوا من أجله لأشهر، وخاضوا من أجله كل أشكال النضال من اعتصام، وإضراب عن الطعام، وسير إلى الخلف، والمشي بأقدام حافية، وارتداء أكفان. هي صيغ اعتقدوا أنها ستكون كافية لتفهم وزارة التربية والتعليم، ومن خلفها حكومة بنكيران، أن قضيتهم مشروعة وأن المرسوم الذي جاء ليلغي امتيازا سبق أن استفاد منه آخرون، في حاجة لإعادة النظر. حينما نسترجع اليوم معركة الأساتذة حاملي الشهادات، والتي انطلقت منذ بداية الموسم الدراسي الحالي، نكتشف كيف أنها انطلقت ببعض الحركات النضالية المحلية لإثارة الانتباه. وهي الحركات التي ستنجب تنسيقيات في مختلف المناطق، بعد أن ظلت النقابات التعليمية تتلكؤ في التعاطي مع هذا الملف، نجحت في الجلوس إلى طاولة الحوار مع الوزير السابق محمد الوفا، الذي قدم لها وعودا بإعادة النظر في حكاية الترقية بالمباراة كشرط أساسي، بدلا من الترقية عن طريق الشهادة، كما كان معمولا بها من قبل. غير أن المعركة ستنتقل بعد ذلك إلى شوارع الرباط. كما سيتم تنويع أساليبها، التي لم تجد السلطات من حل للتعاطي معها غير الضرب والتنكيل، بل والاعتقال الذي شمل أعدادا من المضربين الذين تم تلفيق تهم جاهزة لهم من مثل التظاهر غير المرخص له، وقطع الطريق. وهي التهم التي أصدرت بشأنها المحكمة الابتدائية أخيرا أحكاما بالغرامة في حق 17 منهم، رغم أنهم كانوا يمارسون حقا يكفله دستور المملكة اسمه الحق في الإضراب، في انتظار أحكام جديدة ستشمل 42 آخرين. ستمتد المعركة لأكثر من ثلاثة أشهر. وسيضطر المضربون لترك أقسامهم فارغة بدون مدرسين على امتداد هذه المدة، قبل أن تضطر النقابات التعليمية للدخول على الخط وهي ترى كيف أن المعركة أكبر من مجرد اعتصام عابر. لذلك جعلت من قضية أصحاب الشهادات واحدا من الملفات الحارقة التي يجب الحسم فيها في أول حوار تحضره النقابات الخمس الأكثر تمثيلية مع وزيري القطاع بلمختار والكروج. وعلى الرغم من أن وزارة التربية والتعليم قالت إن إعادة النظر في مرسوم الترقية وتغييره من الترقية عن طريق الامتحان إلى الترقية عن طريق الشهادة، يوجد بيد رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وليس بيدها، إلا أن النقابات ظلت مصرة على إيجاد حل مرض للطرفين يخرجان منه بلا غالب ولا مغلوب. وحينما حل موعد 25 من مارس الأخير، حيث عادت النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية للإجتماع مع وزيري القطاع حول الملف المطلبي لنساء ورجال التعليم، كان ملف أصحاب الشهادات الجامعية فوق طاولة الحوار لدرجة أن بعض ممثلي النقابات اعتبروه أكثر راهنية من غيره. لذلك نجحوا في نزع الفتيل حينما قال بلمختار إنه لن يقدم على قرار الاقتطاع من أجور المضربين شريطة العودة لمقرات عملهم. أما الشوط الثاني من مباراة الترقية، والذي سيتم فتحه في غضون شهر أبريل الجاري، فسيوفر لكل الأساتذة الترقية بالنظر إلى أن وزارة التعليم تتوفر على المناصب المالية الكافية للجميع. والنتيجة هي أن المضربين قرروا توقيف معركتهم والعودة إلى حجرات الدرس، بعد أن التزموا أنهم مستعدون لتعويض كل المدة التي كان فيها تلامذتهم بدون مدرسين، لدرجة يمكن اسثتمار بعض أيام العطل للتعويض. غير أنه في غفلة من الأساتذة ومن النقابات التعليمية، ستقرر وزارة التربية والتعليم الدخول في إجراءات اقتطاع أجور المضربين والانقطاع عن العمل بشكل تدريجي انطلق من شهر مارس بدفعة وصل فيها العدد إلى 116 أستاذا، قبل أن يكتمل اليوم ليفوق 400 أستاذا تم احتجاز حوالتهم الشهرية. حدث هذا رغم أن وزارة رشيد بلمختار قالت إنها التزمت بإيقاف كل الإجراءات الإدارية ضد المضربين، على أن يلتحق المعنيون بمقرات عملهم قبل استيفاء 60 يوما من تاريخ الانقطاع عن العمل، وعلى أبعد تقدير قبل يوم الأربعاء 12 مارس الجاري، على اعتبار أن وزارة المالية قد تتخذ إجراءاتها الانفرادية وفق قانون الوظيفة العمومية. وزادت الوزارة الوصية في بلاغ لها عقب اللقاء مع النقابات، على أنها تؤكد على تنظيم مباراة ثانية أخرى في أبريل الجاري، حيث ستفتح في وجه الجميع، بمن فيهم أولئك الذين لم يضعوا ملفاتهم بعد، شريطة تقديم ملفاتهم وتسوية وضعيتهم الإدارية. بلاغ الوزارة ومعه بلاغات النقابات التعليمية التي جالست الوزير، كان يقول إن ملف حاملي الشهادات الجامعية سيطوى بعد أن تم التراجع عن سلسة الانقطاعات عن العمل التي تم تفعيل بعضها، وبعد أن وعدت وزارة بلمختار أنها ستنظر في موضوع الاقتطاعات التي شملت المضربين. أما اليوم، فالأمر تجاوز الاقتطاعات ووصل حدث توقيف الأجرة وتفعيل إجراءات الانقطاع عن العمل. لذلك فلا تعليق للمتضررين وللنقابات التعليمية التي أخذت وعدا بإنهاء هذا المشكل الذي امتد فيه الإضراب لأكثر من مائة يوم، غير أن ما حدث هو انقلاب على ما تم الاتفاق عليه بين النقابات الخمس ووزيري القطاع بلمختار والكروج في لقاء 25 مارس الأخير. كان لا بد أن يثير هذا الملف انتباه المنظمات الحقوقية التي أعادت تحريك «الهيئة الوطنية لدعم الأستاذات والأساتذة حاملي شهادات الإجازة والماستر المقصيين من الترقية» والتي ضمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ومنظمة ترانسبارانسي المغرب، والأمانة الوطنية للاتحاد المغربي للشغل، وغيرها من المؤسسات التي سبق تأسيسها في مستهل هذه المعركة، وهي التي نادت بضرورة ترقية الأساتذة حاملي الشواهد الجامعية، إسوة بأفواج ما قبل سنة 2012 الذين أدمجوا في سلالم تتلاءم وشهاداتهم، والخريجين الجدد، الذين قامت الوزارة بتعيينهم في السلم 10 مباشرة، في الوقت الذي امتنعت فيه الوزارة المعنية عن فتح قنوات الحوار مع هذه الفئة، وربطت ترقيتهم بضرورة اجتياز المباراة، في ضرب صارخ لمبادئ المساواة وتكافؤ الفرص. مكرسة بذلك تمييزا غير مقبول بين مواطنين يتمتعون بالشروط نفسها، فضلا عن مواجهة احتجاجاتهم السلمية بالقمع والمتابعات القضائية. واليوم وصل بها الأمر إلى الاقتطاع من أجورهم، وتهديدهم بالطرد من العمل. هو واحد من الملفات الحارقة التي لم تنجح وزارة رشيد بلمختار في التعاطي معها إيجابا، ما يعني أن المتضررين سيعودون مرة أخرى إلى شوارع الرباط للاحتجاج بأساليب جديدة ردا على «طردهم» من قطاع التربية والتعليم.