بعد مرور 6 سنوات تقريبا على الحملة الأولى التي شنتها الدولة على شرائح الهاتف مجهولة الهوية، اندلعت من جديد معركة الحسم في هذا الملف الشائك، فابتداء من فاتح أبريل المقبل لن يصبح بمقدور المغاربة تشغيل أي شريحة هاتفية جديدة قبل الكشف عن هوية صاحبها وإدخال كل المعطيات المتعلقة به في النظام المعلوماتي لشركات الاتصالات. هذا في الوقت الذي مازال الخبراء يحذرون من الكلفة الباهظة لهذه العملية، خاصة على شركات الاتصالات، التي لم توقف بعد عمليات ترويج البطاقات المجهولة. في نونبر من سنة 2008، كان الفريق الدستوري في البرلمان، أنذاك، سباقا إلى إثارة ملف شرائح الهاتف مجهولة الهوية، حيث وجه سؤالا إلى وزير التجارة والصناعة السابق، أحمد رضا الشامي، حول كون شركتي «اتصالات المغرب وميديتل، تروجان لأرقام بدون انخراط على نطاق واسع، الأمر الذي تنتج عنه عدة مشاكل للمواطنين، الذين يجدون أنفسهم ضحية مضايقات، وإزعاج، وأحيانا أمام تحايل مقصود». الوزير أحمد الشامي رد، في ذلك الوقت، بأن المقتضيات القانونية المنظمة لهذا المجال، وخاصة دفاتر تحملات المتعهدين المعنيين، «تلزم كل مشترك أو صاحب بطاقة أداء مسبق، بأن يكون موضوع تعريف مدقق يشمل على وجه الخصوص الاسم واللقب والعنوان، ونسخة مصورة لبطاقة التعريف الوطنية»، واعترف الوزير، كذلك، بانتشار بيع بطاقات الهاتف النقال ذات الأداء المسبق بدون بطاقة تعريف في بعض الأسواق غير المنظمة، وقال إن «الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات يجب أن تذكر المتعهدين المعنيين بالتقيد بالضوابط القانونية». وكشف الوزير، أيضا، عن اجتماعات انعقدت بين الوكالة الوطنية والمتعهدين المعنيين (ميديتل، اتصالات المغرب، وانا)، أدت إلى وضع خطة عمل تم بمقتضاها الالتزام بعدم بيع البطاقات الهاتفية مسبقة الدفع إلا بعد الإدلاء بالهوية، وتطبيق عقوبات في حق البائعين والموزعين المعتمدين الذين لا يحترمون هذا الالتزام، ثم القيام بحملة تحسيسية عن طريق الرسائل الصوتية والنصية تستهدف حاملي بطائق الهاتف المجهولين، تحفزهم على تقديم بطائق هويتهم مقابل تحفيزات في المكالمات. إلا أن الوزير اعترف بأن هذه الإجراءات لم تؤد إلى نتائج ترقى إلى التطلعات، مما أدى بالوكالة إلى المصادقة على تدابير جديدة تتمحور حول «إعادة تنفيذ حملة تحسيسية عن طريق الرسائل النصية القصيرة بمحتويات جد محفزة، وإعداد برنامج للتواصل في هذا المجال». وقال الوزير إن هناك أملا في تقليص عدد حاملي بطائق الهاتف بدون هوية، لكن بخصوص الأشخاص الذين لم يكشفوا عن هوياتهم فإن «مسألة حرمانهم بشكل جزئي أو كلي من الاستفادة من بعض الخدمات بشكل كلي أو جزئي، أمر متوقع». غير أن الوكالة خسرت حربها على شرائح الهاتف المجهولة الهوية، وظل عدد هذه الأخيرة يرتفع يوما بعد يوم إلى أن وصل إلى مستويات قياسية فرضت على الدولة التحرك من جديد لتلافي تداعياتها السلبية على الأمن القومي للبلاد. حرب جديدة على مجهولي الهوية اليوم، وبعد مرور 6 سنوات تقريبا، دخلت الدولة من جديد في معركة من أجل الحسم في ملف الشرائح مجهولة الهوية، فابتداء من فاتح أبريل المقبل لن يصبح بمقدور المغاربة تشغيل أي شريحة هاتفية جديدة قبل الكشف عن هوية صاحبها وإدخال كل المعطيات المتعلقة به في النظام المعلوماتي لشركات الاتصالات. وقد حددت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات قواعد جديدة تتعلق بتحديد هوية المشتركين في شبكة الهاتف، ومنحت شركات الاتصالات أجل سنة، ابتداء من فاتح أبريل من هذه السنة، للقيام بعملية التحديد الكامل والتام لهوية مشتركيهم ولإتمام قاعدة معطياتهم، مؤكدة أنه في حالة عدم احترام الأجل المذكور، سيتم اللجوء إلى تقييد ولوج المشتركين إلى خدمات هاتفهم المحمول. وكشفت الوكالة شروع مراكز نداء في الاتصال بالزبناء الحاليين، الذين لا تتوفّر المعلومات الكاملة حول هوياتهم، ودعوتهم إلى تقديمها من أجل الاستمرار في استعمال شرائحهم الهاتفية، موضحة أن هذا الإجراء يدخل في إطار القواعد التي ترمي إلى تحقيق المطابقة مع القوانين الجاري بها العمل، المتعلقة بتحديد هوية المشتركين في شبكة الهاتف المحمول، واحترام المقتضيات المنصوص عليها في القانون المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. وأكد المصدر أنه بمقتضى هذه القواعد «يتعين على المتعهدين السهر على تحديد هوية كل حامل لبطاقة الهاتف المتنقل من الجيل الثاني والجيل الثالث، فبالإضافة إلى الصبغة القانونية لهذا الإجراء، فإنه يُمكن من إضفاء الطابع الرسمي على العلاقة التعاقدية التي تربط مشتركي الهاتف المتنقل بمتعهديهم، وضمان حقوق والتزامات كلا الطرفين». وبمقتضى هذا القرار أصبح لزاما، عند القيام بكل اشتراك جديد في خدمة الهاتف من الجيل الثاني والجيل الثالث، التحديد المسبق للهوية الكاملة للزبون. أما بالنسبة للمشتركين المتوفرين على البطاقات المشغلة قبل فاتح أبريل 2014، فسيتم وضع رقم اتصال رهن إشارتهم من طرف متعهديهم، لتمكينهم من التأكد من وضعيتهم والإجراءات العملية لتحديد هويتهم. ودعت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات متعهدي الشبكات العامة للاتصالات الثلاث إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية، لتسهيل تحديد هوية المشتركين، خصوصا من خلال حملات للتوعية والتحسيس. من سيتحمل الكلفة الباهظة للعملية؟ غير أن الخبراء يحذرون من أن عملية محاربة شرائح الهاتف مجهولة الهوية لها كلفتها الاقتصادية، خاصة على شركات الاتصالات، وذلك بالنظر إلى النسبة التي تمثلها هذه الشرائح من مجموع زبناء الهاتف المحمول في المغرب. وبالعودة إلى تجربة الجزائر في هذا المجال، نجد أن هذا البلد عندما أطلق حملته الشهيرة على البطاقات مجهولة الهوية في سنة 2008، اكتشف أن عدد هذه البطاقات يقدر ب4 ملايين من بين 31 مليون زبون يملكون هواتف نقالة. وإذا ما قمنا بإسقاط هذه الأرقام على المغرب سنكتشف معطيات مثيرة للغاية. وتؤكد وكالة تقنين الاتصالات بالمغرب أن عدد المشتركين في الهاتف المتنقل قدر ب 41.324.195 مشترك في نهاية شتنبر 2013، محققا بذلك نسبة نفاد تصل إلى125.79 في المائة. (121.73 في المائة مع نهاية يونيو 2013). ومن خلال تصنيف زبائن حظيرة الهاتف المحمول بين الاشتراك بالأداء اللاحق، والدفع بالأداء المسبق، يتبين أن كلا الاشتراكين حققا نموا خلال الفصل الثالث من سنة 2013. حيث بلغ عدد زبائن الهاتف المحمول بالاشتراك بالأداء اللاحق2,04 مليون مشترك، محققا بدلك نسبة نمو تقدر ب14.4 في المائة. أما حظيرة المشتركين بالأداء المسبق، فحققت خلال نفس الفترة نموا سنويا يقدر ب7.62 في المائة، ويصل عدد المشتركين بهذه الحظيرة 39.28 مليون مشترك مع نهاية شتنبر 2013. إذن فمن بين 31 مليون زبون في الجزائر تم اكتشاف 4 ملايين بطاقة مجهولة، أما في المغرب فعدد زبناء الهاتف المحمول مسبق الدفع يتجاوز 39 مليون زبون، وبالتالي، فإن عدد شرائح الهاتف مجهولة الهوية لن يقل في أحسن الأحوال عن 5 ملايين بطاقة، وهو رقم مهول، ويمكن أن يتسبب في خسائر فادحة لشركات الاتصالات التي ستفقد نسبة مهمة من زبنائها. وهنا يطرح الخبراء إشكالا مستعصيا يتعلق بمن سيتحمل هذه الخسائر، هل هي شركات الاتصالات، التي بدأ معظمها يعاني حاليا بفعل المنافسة وبسبب الانخفاض الكبير في تسعيرات الخدمات الهاتفية، أم هي الدولة، خاصة أن هناك هاجسا أمنيا خفيا وراء هذه العملية في مجملها؟ كما أن هناك إشكالا آخر يطرح على هذا المستوى، فشركات الاتصالات مازالت إلى الآن تسوق البطاقات مجهولة الهوية في شوارع ومحلات المدن المغربية، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول نية السلطات القضاء على هذه الظاهرة. الهاجس الأمني حاضر في العملية في يوم ثاني غشت المنصرم، صادق مجلس الحكومة على مشروع قانون رقم 12-93 والقاضي بتغيير القانون 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات، وهو القانون الذي ينقل بعض الصلاحيات من الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات إلى الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني. تدارس المجلس الحكومي وصادق على مشروع قانون رقم 12-93 بتغيير القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات، تقدم به وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة. وحسب بلاغ لوزارة الاتصال، فإن هذا المرسوم يندرج في إطار الإعداد لمشروع يتماشى مع قرار السلطات العمومية بإسناد المهام موضوع 6 و12 و13 من الفقرة الثالثة من المادة ال29 من القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات إلى المديرية العامة لأمن نظم المعلومات التابعة للوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بإدارة الدفاع الوطني. ويهدف مشروع هذا القانون إلى نسخ المقاطع سالفة الذكر التي تتولى بموجبها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، من جهة، «اقتراح على الحكومة النصوص التنظيمية المطبقة على التشفير ومراقبته وكذا معايير نظام اعتماد مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية واتخاذ التدابير اللازمة لتفعيله»، ومن جهة أخرى، «القيام لحساب الدولة باعتماد مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية ومراقبة نشاطهم». كان من الممكن أن يمر هذا القرار بدون إثارة للانتباه، غير أن التدابير التي جاءت بعد ذلك غيرت قواعد اللعبة، فشهور قليلة بعد مصادقة مجلس الحكومة على القانون الجديد، شنت وزارة الدفاع حملة شرسة على شبكات التهريب الدولي للمكالمات، والتي كان من نتائجها سقوط كريم زاز، المدير السابق لشركة «وانا»، والذي كان يرأس عصابة متخصصة في هذا المجال. كما أعادت الوزارة إلى الواجهة ملف البطاقات الهاتفية مجهولة الهوية، وهو ما أكد بالملموس أن هناك هاجسا أمنيا أصبح يحرك الجهات الساهرة على تنظيم قطاع الاتصالات بالمغرب، في انتظار إطلاق تقنية الجيل الرابع خلال السنة المقبلة. الجزائر والسعودية .. تجارب ناجحة قبل حوالي 6 سنوات، قررت سلطة الضبط للبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية في الجزائر منع بيع شرائح الهواتف المحمولة عبر نقاط البيع غير المرخصة، حيث أصبح تسويقها يتم وفق عقود تسلم للزبائن في نقاط البيع المعتمدة والرسمية لدى شركات الاتصالات. وقد كشفت سلطة الضبط، أنذاك، أن عدد الشرائح مجهولة الهوية يقدر بأربعة ملايين شريحة، لم يتقدم أصحابها لتسوية وضعيتهم والكشف عن هويتهم. وهو ما حتم اتخاذ قرار توقيف تشغيل الشرائح التي لم تسو وضعيتها، بعد إعطاء مهلة لشركات الاتصالات من أجل إحصاء وجرد الشرائح مجهولة الهوية التي تم بيعها قبل بداية حملة تحديد هوية الشرائح يوم 27 فبراير 2008، وكذا القيام بجرد الشرائح التي لاتزال مجهولة الهوية والتي اقتناها الزبائن بعد حملة تحديد الهوية. وبناء على قرار سلطة الضبط تعين على شركات الاتصالات العاملة في الجزائر الالتزام بوقف تشغيل كل الشرائح التي تم بيعها أو الموجودة على مستوى المخازن والتي لم تشغل بعد في أجل أقصاه شهران. ومنذ ذلك الحين اقتصر تشغيل شرائح الهاتف النقال فقط على تلك التي قام مالكوها بتحديد هوياتهم، وذلك طبقا للمادة 23.3 من دفتر التحملات، الذي يلزم كل زبون مشترك ومالك لشريحة هاتف نقال بتحديد هويته. وعلى غرار ما وقع في الجزائر، لجأت السعودية إلى إجراء مماثل من أجل التخلص من شرائح الهاتف المجهولة الهوية، حيث كشف تقرير لهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية أنه تم إلغاء 1.4 مليون شريحة اتصال مسبقة الدفع خلال سنة 2012 لوحدها، نتيجة قيام الشركات المرخص لها بإلغاء الشرائح التي لم يقم المشتركون فيها بتحديث بياناتهم في شركات وهيئة الاتصالات. وأوضح التقرير أن عدد الشرائح المشتركين في شرائح الاتصال مسبقة الدفع بلغ 45.7 مليون شريحة مسبقة الدفع لعام 2012، بعد أن كان سابقا 47.1 مليون شريحة للعام الذي سبقه. وكان من نتائج هذا الإجراء أن نسبة انتشار الشرائح (مسبقة الدفع - المفوترة) مقارنة بالسكان تقلصت إلى 181.5 في المائة بعد أن كانت سابقا في حدود 188 في المائة.