إذا كانت نسبة 95 % من المقيمين في السجن بالمغرب، الذين يفوقون 65 ألف نزيل، يقضون عقوبتهم في ظروف لا إنسانية على كل المستويات، إذ لا تتعدى المساحة المخصصة لكل سجين 1,2 متر مقابل 9 أمتار المتعارف عليها دوليا، إلى جانب مشاكل سوء التغذية، غياب التطبيب وانعدام برامج تربوية وترفيهية، مع تسجيل حالات للعنف سواء ما بين المعتقلين أو أثناء تعامل الإدارة مع المشاكسين، الشيء الذي يحول الاعتقال إلى محنة إنسانية في أحيان كثيرة، فإن نسبة 5 % المتبقية تحظى بامتيازات متعددة، إذ ترتفع المساحة المخصصة للنزيل إلى 20 مترا، وقد يستفيد من إقامة خاصة في غرف مخملية بها كل وسائل الراحة و الرفاهية، رعاية صحية فائقة، زيارات عائلية في فضاءات خاصة مع امتياز مغادرة السجن لقضاء ليلة ماجنة في أحضان العشيقة أو لمغادرة أرض الوطن. المندوبية العامة لإدارة السجون ظلت تنكر وجود معاملة تفضيلية على أسس مادية حتى لما أشهر برلمانيون في وجه حفيظ بن هاشم، المندوب السابق، تقريرا صادما صاغوه على إثر زيارة ميدانية للسجون، إلا أن تفجر الفضائح داخل سجون متعددة وإدانة مدراء وموظفين متورطين دفع بالمندوبية العامة إلى التسليم بالظاهرة. «المساء» من خلال هذا الملف ستحاول نقل قرائها إلى بعض هذه المعاملات التفضيلية لسجناء «مرفحين»، ومنهم «مسؤولون» تمكنهم سلطة المال من «شراء» خدمات معينة حتى أصبحوا نزلاء «VIP»، وستحاول كشف تفاصيل الحياة اليومية لبعض هؤلاء المعتقلين مقارنة مع سجناء فقراء ممن يتكدسون في غرف تغيب فيها شروط الكرامة. العفورة، السليماني وإيزو، سعاد الشرايبي، الوزير السابق عليوة، النيني وغيرهم كثير.. مسؤولون تقلدوا مناصب عليا في الدولة، ومن بينهم أمنيون ووزراء سابقون.. أو بارونات مخدرات «ثرواتهم لا تعد ولا تحصى» جعلتهم من علية القوم، وكانت مطية لهم ل«الضغط» حتى داخل السجون، ليقضوا عقوبتهم الحبسية في «جو مريح» لا يختلف كثيرا عن نمط عيشهم اليومي خارج السجن، من خلال توفير كماليات الحياة ولما لا مغادرة أسوار السجن بحرية، والعودة فيما بعد خاصة في الفترات الليلية. «المال سلطة» تقلب موازين القوى وآلية ل «سجناء خاصين جدا» تدفع إلى الاهتمام بهم وإيلائهم مكانة خاصة، على الرغم من أنهم متابعون كغيرهم من السجناء بتهم وبملفات ثقيلة. بعض محققي الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ذهلوا عندما زاروا غرف بعض هؤلاء. هذا ما حصل عندما أجروا زيارة إلى مكان «إقامة»مراد بوزيان بجناح 1 بعكاشة، عقب عملية فرار هوليودية نفذها إمبراطور المخدرات إثر تمكينه من زيارة مستشفى ابن رشد بملف طبي «مطبوخ» في إطار امتيازات لا تعد ولا تحصى، كان يحظى بها سجين حول محبسه إلى سوق حرة للكوكايين، ومنطلق لإغراق أرقى أحياء الدارالبيضاء بالسموم البيضاء. بل إن بعض الامتيازات المخولة لهؤلاء بلغت إلى حد أن معتقلا مدانا بتهمة النصب والتزوير كان يقضي عقوبة حبسية مدتها 5 سنوات بسجن العدير الفلاحي، ربط علاقة غرامية مع موظفة كانت حينها تشتغل بالمصالح الإدارية، إذ كان يستغل وضعه كعون مساعد بمكتب الضبط القضائي ويستغل فترة الظهيرة حيث يغادر الموظفون مكاتبهم، وقد تفجرت الفضيحة مما وضع الموظفة في محل مساءلة إدارية وصدرت مذكرة عن المدير العام لإدارة السجون تمنع بشكل قاطع تشغيل السجناء في المصالح الإدارية. العفورة السليماني و إيزو.. ثلاثي صنع العصر الذهبي لسجن عكاشة استفادوا من خدمة «VIP» في سجن عين السبع تمثل الفترة الممتدة ما بين 2003 و 2008 العصر الذهبي لسجن عكاشة لثلاثة عوامل أساسية: المسؤولان اللذان تعاقبا على كرسي إدارة السجن خلال هذه الفترة، الجو العام الذي خيم على المغرب حيث تفجرت ملفات فساد مالي ارتبطت بالوزير القوي إدريس البصري، ثم طبيعة السجناء الذين آوتهم هذه المؤسسة، وهم من العيار الثقيل غير المألوف. كيف استقبلت عكاشة زوارها؟ وفي أي أجواء قضوا عقوباتهم؟ والمواقف التي قابلتهم في فضاء تنصلوا من زيارته وهم مسؤولون، واجبروا على الإقامة فيه كسجناء ! « رحلة من الزاكي بسلا صوب عكاشة فبراير هو «شهر نحس» بالنسبة لعبد المغيث السليماني الرئيس الأسبق للجماعة الحضرية بالدارالبيضاء وصهر إدريس البصري، إذ يحمل له أوقاتا عصيبة ما خطرت بباله في يوم من الأيام. ففي 17 من فبراير 2004 سيحل بسجن الزاكي «سجناء خاصون» رفقة العامل السابق لعمالة عين السبع ورجل البصري الوفي العفورة وثمانية آخرين أودعوا حي ( الخاصة) وهو حي راق بسجن الزكي ( سلا 1 حاليا) يأوي المتابعين من قبل محكمة العدل الخاصة، ويحظى نزلاؤه بمعاملة تفضيلية مقارنة بنزلاء باقي الأحياء. لم يدم مقام الرجلين القويين طويلا، إذ سيتم ترحيلهما إلى سجن عكاشة بالدارالبيضاء بعد أن تقرر في شتنبر 2004 حل المحكمة الاستثنائية وتوزيع ملفاتها على المحاكم ليكون نصيب ملف العفورة والسليماني من حظ الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء. إجراءات أمنية استثنائية وحالة استنفار شهدها عكاشة رافقت ترحيل الرجلين ورفاقهما من سلا إلى الدارالبيضاء، استعدادا لاستقبال ضيوف مميزين. عكاشة تتحرك على الدوام كان سجن عكاشة بالدارالبيضاء صورة مصغرة لمجتمعنا المغربي، حيث تتعايش طبقات اجتماعية مختلفة كل حسب مستواه المادي، والارتقاء من طبقة إلى أخرى ممكن الحصول عليه ما إن توفر شرط «المال». لم يكن مدير السجن الذي يسير هذه المؤسسة في حاجة لطلب من مصلحة الترحيل لتمكينه من سجناء ميسورين، بل إن الملفات المفتوحة وقتها من قبل النيابة العامة زجت بمعتقلين من العيار الثقيل وراء القضبان. كان لزاما على المؤسسة أن تتهيأ لاستقبال زوارها الجدد بما يليق، فالامتيازات التي كانت مخولة لنزلاء جناح 1 وهي من فئة «خمسة نجوم» وجب تطويرها بما يتلاءم مع مكانة رئيس أمن القصور الملكية، عامل عين السبع، ورئيس الجماعة الحضرية للعاصمة الاقتصادية. كان ولوج جناح 1 رهينا بالتوصية أو «الجيب العامر»، والمعتقلون الثلاثة يتوفرون على الشرطين مجتمعين، لهذا استفادوا من خدمة استثنائية «VIP «، وهي الخدمة التي اختفت مع تقلد حفيظ بن هاشم مقاليد المندوبية العامة لإدارة السجون حينها. السليماني يرتدي«جبة الزاهد» لم يكن على السليماني ولوج بيت «الباجدة»، وهو غرفة كبيرة بدون إضاءة كافية يحشر فيها الوافدون الجدد على عكاشة. يردمون فيها كالقش، ويدوم مقامهم بها في ظروف يطبعها الاكتظاظ يومين أو أكثر، قبل أن يتم توزيعهم على الأجنحة الأخرى، بناء على معيار السن وطبيعة الجرم. ما كان يحكى لنزلاء غرفة «الباجدة» عما يجري بالأجنحة 2،3،4، و 6 يدفع النزيل إن كانت له إمكانيات مادية لطلب خدمة جناح 1 وهي خدمة استثنائية مكلفة، لكن بامتيازات متعددة أقلها العيش إلى جانب معتقلين من حوالي 20 جنسية أجنبية. السليماني أودع مباشرة غرفة بهذا الجناح، العرف الذي كان يحكم سجن سلا 1 حينها هو نفسه السائد بعكاشة أيضا: «كل شيء يشترى حتى الاحترام». تم انتقاء طاقم خدمة من المعتقلين المقيمين بأجنحة المغبونين ب«حذر» لخدمة السليماني وهو الطاقم الذي يفد كل صباح على الغرفة للقيام بأعمال السخرة التي تشمل إعداد الوجبات، ترتيب الغرفة، وغسل وكي الملابس، بالمقابل كان السليماني يجود عليهم ببقايا الأطعمة ومبالغ نقدية عند كل زيارة عائلية. طيلة فترة السنتين اللتين قضاهما السليماني معتقلا احتياطيا قيل إنه كان « انطوائيا»، وقد تقرب الرجل إلى الله، من خلال تحيزه لسبحة لم تكن تفارق يديه ومصحف يمسك به بقوة. كان الرجل يقضي سواد يومه بالغرفة لتلاوة القرآن الكريم والغوص في ترديد الأذكار. وكان الرجل لا يغادر الجناح إلا صوب مكتب المحاماة لمقابلة هيئة دفاعه أو في اتجاه صالون « الزيارة سبيسيال» وهو عبارة عن قاعة فسيحة زينت بصور رسوم متحركة، وأثثت بطاولات بلاستيكية، فيما جانب منها مفروش كصالون مغربي هي في الأصل غرفة مخصصة لزيارة الأطفال حتى لا يتأثروا بفضاء (Parloir المكان الذي يقابل فيه سجناء باقي الأجنة ذويهم ويتميز بالاكتظاظ والصخب وصعوبة التواصل) إلا أن بعض المسؤولين ممن تعاقبوا على التسيير حينها حولوا فضاء الأطفال إلى مجال لزيارة الخواص وبتكلفة تصل إلى 2000 درهم نظير كل زيارة. في أبريل 2006 سيدان صهر إدريس البصري بعشر سنوات سجنا نافذا، وهو الحكم الذي حول مسار حياة الرجل، فقد دخل في صراعات محمومة مع أطراف معتقلة ومتورطة في الملف نفسه حملته مسؤولية إدانتها، الشيء الذي أثر عليه نفسانيا. كان السليماني يشاهد وهو يتأبط ملف القضية المكون من أزيد من 1000 وثيقة، كما يحمل تقارير خبرات على أشغال أنجزتها الجماعة الحضرية، ويعكف على إعداد دفاع استئنافه، ونظرا لتثبيت أجهزة التشويش على التغطية على سطح جناح 1 لمنع استعمال الهاتف المحمول، فقد كان السليماني يستغل امتياز حرية التنقل بين الأجنحة المخول لنزلاء جناح 1 ويتوجه صوب غرفة انفرادية بحي المصحة، حيث كان يقيم بارون المخدرات الملقب بالطوغو، برفقته كان السليماني يقضي جل وقته حيث يجري مكالمات هاتفية مطولة بعيدا عن مسامع الأشخاص الذين يرصدون تحركاته بالجناح. كما كان يستعرض ألبوم صور يوثق لمواقف جمعت الرجل بشخصيات نافذة أبرزها الرئيس الفرنسي الأسبق «جاك شيراك». ظل الرجل يدفع ببراءته ويعتبر ملفه محاولة للنيل من سمعة صهره إدريس البصري، لكن أزمة الرجل ستأخذ بعدا دراميا في فبراير الأسود 2007 حيث أدين السليماني استئنافيا ب 16 سنة سجنا نافذا ومصادرة أملاكه وأملاك زوجته وأبنائه. دخل الرجل في أزمة نفسية أثرت عليه صحيا فباتت زيارته لمصحة السجن تتكاثر وأضحى له ملف طبي مكنه من مغادرة أسوار السجن مرات عدة لإجراء تحاليل مخبرية أو صور إشعاعية، ولم يكن كما باقي السجناء ال 8000 يصفد أو يلزم بارتداء لباس السجن، بل كانت ترصد له سيارة خاصة لزيارة المستشفى. أيام الرجل بسجن عين السبع لم تكن كلها راحة وسعادة بل وجد نفسه في موقف حرج عندما توجه السجين الطوغو، وهو يحمل جنسية مزدوجة مغربية فرنسية، بشكاية إلى السفير الفرنسي بالرباط يتهم من خلالها أحد أطراف دفاع السليماني بكونه تسلم منه مبلغ 30 مليون سنتيم لتسوية قضيته استئنافيا بيد أنه أخل بالتزامه وسرد اسم السليماني في الشكاية كطرف في القضية، الشيء الذي حد من حركة السليماني ومنعه من متنفس المصحة. سنة 2009 ومع انتفاء خدمة VIP بعد تعيين حفيظ بن هاشم مندوبا عاما سينزل قرار العفو الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بردا وسلاما على السليماني الذي غادر أسوار المؤسسة وقد أدرك حقيقة أن تجربة السجن مريرة وإن كانت في قفص من ذهب. الأمني الأول في عكاشة أودع الأمني عبد العزيز إيزو بغرفة انفرادية تتسع لأربعين نزيلا بالطابق الأرضي للجناح 1، أخليت من جميع المعتقلين وأعدت خصيصا لاستقبال الرجل في ظل توصية من قاضي التحقيق بعزله ومنعه من التواصل مع باقي معتقلي ملف «الشريف بين الويدان» الذي جر مسؤولي أمن، درك، قوات مساعدة، بحرية ملكية، وسلطة محلية وراء القضبان. كانت حراسة أمنية لصيقة مفروضة على الرجل ترافقه أينما حل وارتحل حتى الفسحة اليومية لم يكن الرجل يجريها إلا بعد إخلاء الساحة من نزلائها، حيث كان يشاهد وهو يمارس حركات رياضية خفيفة للتخلص من» تعب الخمول» الذي يطبع مقامه طيلة اليوم بالغرفة، خاصة أنه ممنوع من التواصل إلا مع «خادم» وضع رهن إشارته بعد أن تم انتقاؤه بعناية بالغة. حالة طوارئ تفرض في الممرات ساعة خروج ايزو من غرفته صوب قاعة المحاماة أو قاعة الزيارة، كان الرجل يبدو واثق الخطى وهو يرتدي لباسا رياضيا أنيقا ونظارة طبية تخفي من ورائها رجلا كاتما للأسرار، تقلد أرقى المناصب الأمنية وكان يحسب له ألف حساب. وجد ايزو في القراءة متنفسا لكسر طوق الحراسة المضروب عليه، حيث طلب من ذويه تمكينه من قصص بلغة موليير يقبل على قراءتها بشغف. لم تكن تتسرب أخبار كثيرة عن رجل يتطلع إليه باقي نزلاء جناح 1 بهيبة ووقار على اعتبار أنه «أسمى نزلاء الجناح». وحده السجين / الخادم المتحدر من ورزازات والذي كان بمثابة عين وأذن الإدارة، ومسرب معلومات عن أحاديث مقتضبة تجمعه بالرجل والذي كان يعطف على خادمه بسخاء. كان ايزو يعشق الطويجنات السوسية التي يعدها له خادمه بإتقان، فقد أيقن الأمني الأول بالمملكة أن مقامه سيطول بعكاشة لهذا سلم بالأمر وانخرط في حياة الاعتقال وإن كان له عالم خاص فرضته مهنته السابقة واللغط الإعلامي الذي رافق اعتقاله وطنيا ودوليا. العفورة.. رجل البصري في السجن بعد حل محكمة العدل الخاصة، وإحالة ملف العفورة والسليماني على محكمة الجنايات بالدارالبيضاء، استفاد العفورة من الامتياز القضائي بناء على الفصل 265 من قانون المسطرة الجنائية، وأحيل ملفه على المجلس الأعلى للقضاء، حيث أودع سجن الزاكي بسلا. أفردت له غرفة خاصة وتم تمكينه من خدم وحشم، ومن امتيازات عدة على مستوى الإقامة، الزيارة والتطبيب. في يناير 2007 ستتم إدانة العفورة ب 10 سنوات سجنا. حكم نزل كالصاعقة على رجل راكم إلى جانب إدريس البصري خبرة طبخ الملفات وإعداد قرائن البراءة قبل ارتكاب الجرم، كانت للعفورة قدرة على امتصاص الأزمات، لم يفقد سطوته وهو داخل السجن، بل كانت هبة السلطة تلازمه فهو وعلى عكس الباقين لم يكن ملزما بدفع مبالغ مالية نظير حياة كريمة وراء أسوار السجن، وهو الذي كان يرأس إبان توليه مقاليد عمالة عين السبع، اللجنة الإقليمية لمراقبة السجون، لم يكن العفورة يتواصل مع عموم السجناء حتى أحاديثه مع الموظفين كانت مقتضبة. كان الرجل حريصا على الاختلاء بنفسه لإجراء مكالمات هاتفية بعيدا عن المتلصصين والمتجسسين ويدفع دوما ببراءته، إلى أن قضى 30 قاضيا بالمجلس الأعلى مجتمعين بالبراءة في حق العفورة خلال مارس 2008 لعدم وجود أصول وثائق الإدانة. مراد بوزيان.. «إمبراطور الكوكايين» بعكاشة إقامة مخملية وملف طبي مطبوخ وفرار هوليودي يتكون سجن عكاشة من تسعة أحياء إلى جانب حي المصحة، حي المسجد المخصص حينها للمسنين. حي 1 هو الأنظف والأرقى لا يلجه إلا علية القوم من قبيل عبد المغيث السليماني صهر إدريس البصري، المهندس قانير، ايزو رئيس أمن القصور الملكية، المغني المغربي اليهودي الديانة بنحاس، كثيرة هي الوجوه اللامعة التي مرت من هذا الحي المقابل لحي السينما. فعلى عكس باقي الأحياء لا يعرف الجناح 1 اكتظاظا أو عنفا، بل يخيم سكون على المكان ويعيش نزلاؤه في رغد، إذ يسمح لهم بالاحتفاظ بالهواتف النقالة، أواني الطبخ الكهربائية، مكيفات الهواء، الثلاجات، أجهزة DVD و TNT ولا يخضعون قط للتفتيش فزنازينهم محصنة من كل رقابة. الإدارة تشهر ورقة وجوب التصنيف كمبرر لهذه الامتيازات، لكن المتعارف عليه أن ولوج جناح 1 رهين بالقدرة المادية على أداء «نوار» إلى جانب مكوس أسبوعية. سجين استثنائي بصلاحيات واسعة هو ابن عميد شرطة سابق عرف منذ شبابه بانحرافه وسلوكه العدواني إذ كان قادرا على إشهار سلاحه الناري في وجه كل من يعترض سبيله. يوم 15 شتنبر 2005 توصل مدير سجن عكاشة بفاكس من المصالح المركزية يعلن عن عملية ترحيل سجين خطير يدعى مراد بوزيان إلى سجن عكاشة وجب وضعه تحت مراقبة لصيقة. في اليوم الموالي استقدم بوزيان تحت مراقبة أمنية مشددة أودع جناح 1 وأفردت له غرفة انتقى بنفسه مرافقيه بها، جرى التعامل باستخفاف مع مذكرة المديرية العامة وخول مراد امتيازات عديدة بداية بالهواتف الرقمية، وسائل الرفاهية، استقبال خليلاته وتسخيرهن لنقل التعليمات لأعضاء شبكة نشيطة تروج المخدرات بأحياء العاصمة الاقتصادية، وفوق هذا وذاك تحويله جناح 1 إلى سوق حرة للكوكايين. وجد مراد ضالته داخل مركب عين السبع وسخر إمكانياته المالية لشراء ذمم الموظفين، إذ وظف أحد نواب رئيس المعقل لنقل شحنات من الكوكايين مقابل عمولات مالية مهمة جرى الكشف عن قيمتها خلال تحقيقات الفرقة الوطنية، كان بوزيان يتجول كسلطان داخل أجنحة سجن عكاشة ترصد الكاميرات تحركاته وأدق تفاصيل سكناته، لكن لا أحد يقوى على البوح، فهذا السجين كان له رب يحميه ويبطش بكل من يعاديه ! ملف طبي مطبوخ لتيسير الهروب سخاء بوزيان مع بعض سجانيه مكنه من ملف طبي مطبوخ كان غطاء لعملية هروب هوليودية، فرغم أنه لم يكن يعاني من أي مرض تحول فجأة إلى مريض بداء السكري مزمن أنجز له ملف طبي مطبوخ 100% وحتى يتم إضفاء نوع من المصداقية على الملف، لقن مراد أعراض مرض السكر ي المزمن، إذ بدأ يشتكي من آلام حادة في الرأس وتقيئ، وذلك لتبرير ضرورة استفادته من استشفاء خارج أسوار السجن. زار بوزيان المستشفى 7 مرات في أقل من شهرين، فيما باقي المعتقلين يلزمون بالانتظار لأكثر من 6 أشهر للاستفادة من موعد طبي خارجي. الأكثر من هذا أن زيارة بوزيان للمستشفى كانت تتم دون إشعار وكيل الملك. التحقيقات ستكشف كيف أن الملف الطبي الخاص بهذا السجين والذي كان يفترض أن يحمل توقيعات كل من طبيب السجن، الممرض الرئيسي، رئيس مكتب الضبط القضائي، ومدير السجن كان خاليا من توقيعات هؤلاء، ما يكشف تواطؤا واضح المعالم يسر لمراد الفرار. المستشفى معبر حول الحرية يوم الاثنين 02 ماي 2006 اقتيد مراد بوزيان تحت حراسة اثنين من موظفي فرقة التدخل السريع بعكاشة، على متن سيارة السجن نحو المستشفى لإجراء تحاليل. في حدود الواحدة وثلاثين دقيقة غادر السجين ومرافقيه المستشفى، إذ اقترح عليهم تناول وجبة سمك طري وشرب فنجان قهوة، وهو ما قبله الموظفان على الفور، خاصة وقد مكن كل واحد منهما مبلغ 500 درهم، نزعت عنه الأصفاد واستغل انهماك الموظفين في الأكل، ليتضرع بإجراء مكالمة هاتفية بواسطة هاتفه النقال، فجأة ظهرت سيارة كونجو تسير بسرعة جنونية، قفز نحوها بوزيان وفر هاربا نحو وجهة مجهولة، أما الموظفان فقد عقدت الدهشة لسانهما وسارعا إلى إخبار إدارة السجن التي أشعرت النيابة العامة لتدخل الفرقة الوطنية على الخط. كشف المستور زار محققو الفرقة الوطنية جناح 1 ووقفوا على الامتيازات التي كان يحظى بها بوزيان، سواء من خلال شهادات رفاقه بالغرفة، أو الموظفين المعتقلين، أو أولئك الذين ذكرت أسماؤهم في التحقيقات. وخلص المحقوقون إلى أن بوزيان كان سجينا فوق العادة، استفاد من تواطؤ موظفين ومسؤولين إداريين، تأكد ذلك جليا عند مراجعة الملف الجنائي لهذا السجين، حيث اختفى الفاكس، الموفد إلى إدارة السجن يوم 15 شتنبر. استعانة الفرقة الوطنية بتقنية التتبع عن بعد المعروفة اختصارا ب GPS لرصد تحركان بوزيان، بعد أن احتفظ بالرقم الهاتفي الذي كان يستعمله داخل السجن، وألقي عليه القبض داخل مطعم فاخر على طريق زعير بالرباط. داخل مقر الفرقة الوطنية بالدارالبيضاء أدلى بوزيان بمعلومات قيمة حول الموظفين الذين يسروا له الهروب وحجم المبالغ المالية التي كان يدفعها، إذ جر 6 موظفين إلى القضاء، كما أطاح برئيس مصلحة الشؤون الثقافية والرياضية الذي تم تقديمه ككبش فداء؟ عليوة.. وزير وراء القضبان عندما يجمع السجن من فرقتهم السياسة ! بعد سبعة أشهر من التحقيقات المارطونية قضاها خالد عليوة الناطق الرسمي باسم أول حكومة تناوب، وزير التضامن والتشغيل والتكوين المهني (1998/2000) ثم وزير للتعليم العالي ( 2002/2004) والمدير العام السابق لبنك القرض العقاري والسياحي، متنقلا بين إقامته ومقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمعاريف. تقرر يوم 29 يونيو 2012 إيداع عضو المكتب السياسي السابق للاتحاد الاشتراكي بسجن عكاشة. ولج الرجل الذي كانت الأعناق تشرئب لمتابعة تصريحاته عقب كل مجلس حكومي على عهد اليوسفي، مكتب تنفيذ العقوبة وهو مطأطأ الرأس مصفد اليدين، وقد نزعت منه ربطة العنق والحزام الجلدي للسروال، بصوت متلعثم أجاب عن أسئلة موظف الاستقبال: سميتك؟ سميت امك؟ سميت باك؟ متزوج؟ عندما سئل عليوة عن مهنته لم يكن يدري بماذا سيجيب، ترى هل صفة وزير سابق قد تمكنه من وضع اعتباري؟ اقتيد الشاب خالد كما كان يحلو لعلي المرابط أن يسميه إلى الغرفة 8 بجناح 5 – بعد تعيين حفيظ بن هاشم، وفي محاولة لحجب الشمس بالغربال أعيد ترقيم أجنحة عكاشة وأمسى جناح 1 الشهير يحمل الرقم 5 – رمى الرجل بجسده المنهك على سرير وهو لا يكاد يصدق أنه وراء القضبان، استعرض شريط ذكريات طويل فيما الدموع تنهمر من عينيه، وهو يكفكفها على صوت تطمينات من رفاق الغرفة حاولت أن تخفف عليه وقع الصدمة، بلغة الخطابة التي يتقنها تساءل عن سر اعتقاله رغم كل الضمانات القانونية التي يتوفر عليها، واعتبر نفسه ضحية «بروبكاندا» إخوان العدالة و التنمية الذين جعلوا من محاربة الفساد أحد محاور برنامجهم الانتخابي. مع توالي الأيام تأقلم عليوة مع وضعه الجديد كان دائما حليق الوجه، أنيق الهندام يأخذ حماما ساخنا كل يوم، علما أن باقي السجناء لا يسمح لهم بأخذ الحمام إلا مرة واحدة في الأسبوع وبماء بارد، كان لعليوة طاقم خدمة، وباستثناء يومي السبت و الأحد لم يكن الوزير السابق يبرح قاعة الزيارة «سبيسيال»، حيث تفد شخصيات من مختلف أطياف المشهد السياسي لزيارته أعضاء مكاتب سياسية برلمانيون ورجال أعمال. كان عليوة ينخرط في أحاديث سياسية مع معتقلي جناح 5 وقد تعززت ثقة الرجل بنفسه بعد تشكيل لجنة تضامن لإطلاق سراحه وخروج المرشحين الخمسة لمنصب الأمين العام لحزب الوردة بتصريح مندد باعتقاله، كل هذا رفع من معنويات رجل صادفته وهو بالسجن فاجعة وفاة والدته زبيدة عليوة، حيث استفاد من رخصة لمدة أربعة أيام لحضور مراسيم الدفن. حرص عليوة أن يكون سجينا مثاليا، ففي الساعات الأولى من اليوم الأخير في الرخصة طرق أبواب سجن عكاشة وطلب دخوله مخيرا هذه المرة، أسبوعان بعد ذلك سيوافق قاضي التحقيق على تمكينه من سراح مؤقت عانق على إثره الحرية دون أن ينسى تجربة السجن. مهند علي مومن.. وصل به الأمر إلى حد ربط علاقة بابنة أحد موظفي السجن سنة 2008 استشرى الفساد بشكل غير مسبوق داخل سجن علي مومن، إلى درجة أن أباطرة المخدرات كانوا يغادرون السجن لقضاء ليالي ملاح بكباريهات عين الدياب بالدارالبيضاء، فيما آخرون يسمح لهم بالانتقال إلى سطات والتبضع من مركز تجاري، سائق سيارة أجرة من الحجم الكبير تؤمن الربط ما بين مركز المدينة وسجن عين علي مومن تحدث ل»المساء» عن رحلات مكوكية كان يقوم بها لجلب بائعات هوى وخمور لمعتقل شيد لنفسه إقامة خارج السجن، كان يستغلها لتنظيم سهرات ماجنة بل بلغت به الجرأة إلى حد جلب «الشياخ» لكن قصة مهند عين علي مومن، وهو معتقل في عقده الثالث أدين من قبل غرفة الجنايات بالدارالبيضاء بثلاثين سنة سجنا نافذة بتهمة القتل العمد، وهو لم يبلغ بعد سنه العشرين، تدرج في سلم الرقي الاجتماعي داخل السجن إلى أن أمسى مشرفا على مقهى خاص بالزوار خارج المؤسسة، كان يستغل صفته ك»بلانطو « من أجل تمرير شحنات من المخدرات، إذ تدر عليه هذه العملية مبالغ مالية طائلة ينفقها في شراء أرقى الملابس وأغلى أنواع العطور، إلى جانب حلي ذهبية للتزيين، خاصة أنه كان وسيما وذا بنية جسمانية «فاتنة» حول غرفا بالمستشفى الجهوي الحسن الثاني بسطات إلى مجال لتفريغ نزواته الجنسية، حيث كانت زيارات المستشفى من أجل التطبيب غطاء لممارسات جنسية يتواطأ فيها بعض الممرضين مع موظفين مكلفين بالخفر. مهند كان يقضي اليوم بأسره خارج السجن، بعد انتهاء الدوام كان يتجول وسط أزقة الحي الإداري، حيث تقطن أسر الموظفين. فلم يتردد في نسج علاقة مع بنت موظف كان يشغل منصب رئيس فرقة حراسة، كان يبيت بين أحضانها بل عمد إلى تصوير الممارسة الجنسية بينهما بواسطة هاتفه النقال، وعمد إلى ترويج تلك الأشرطة الساخنة وسط المعتقلين لإبراز فحولته ومغامراته غير المسبوقة، بعد أن أمسى موضوع الأشرطة حديث الجميع اضطر الموظف والد الفتاة إلى الانتقال من الحي الإداري إلى مدينة سطات، في الوقت الذي اضطرت فيه الإدارة إلى إلزام مهند بالعودة إلى الإقامة بغرفته بالطابق العلوي بحي المصحة، حيث أغرق المؤسسة بشتى صنوف التخدير لتجد الإدارة العامة للسجون نفسها ملزمة على ضوء تقرير لجنة تفتيش مركزية ترحيله إلى السجن المركزي بالقنيطرة لاستكمال مدة عقوبته. النيني..بارون المخدرات الذي حول سجن القنيطرة إلى «باحة استراحة» « فضيحة هروب النيني من معتقله بالسجن المركزي للقنيطرة أماطت اللثام عن معاملة استثنائية كان يحظى بها أباطرة المخدرات، امتيازات تستعصي على التصديق مكنت الرجل من مغادرة المغرب دون أن يعلم بذلك مسؤولو إدارة السجون إلا بعد انصرام 7 أيام، القضية أطاحت بمدير السجن، وجرت ثمانية موظفين إلى قفص الاتهام، إذ صدرت في حقهم أحكام حبسية تراوحت ما بين الشهرين والسنتين. من يكون النيني؟ وكيف كان يقضي عقوبته؟ وما حجم التواطؤ الذي يسر له الفرار؟» النيني «le Gosse » هو الوزاني بالنسبة للسلطات المغربية، ومحمد الطيب أحمد بالنسبة للسلطات الإسبانية، احترف التهريب منذ ريعان شبابه، حيث اشتغل حمالا وهو في الرابعة عشرة من عمره، يقود الدراجات المائية محملة بأكياس الشيرا.. يقطع بها مسافة 14 كيلومترا الفاصلة بين الضفتين. سنتان بعد ذلك أصبح يقود قوارب الزودياك المتطورة، الشيء الذي مكنه من مراكمة ثروة مالية هائلة، بعضها على شكل سيولة نقدية والبعض الآخر على شكل أملاك عقارية ومشاريع سياحية سواء بالمغرب، إسبانيا أو جبل طارق، مع أن سنه لم يكن يتجاوز 33 سنة إلا أن ثروته تفوق 30 مليون يورو، بدليل ما صرح به للصحافة الإسبانية من أن لديه من الملايين أكثر مما لديه من السنين !. في إسبانيا كان النيني يلقب ب «Le Gosse» اسم متداول على نطاق واسع وسط المدمنين الذين يجزمون بأنه من أصل كل 10 سجائر حشيش تدخن، هناك سيجارة منبع حشيشها النيني. كان يشبه بابلو إسكوبار، فالنيني وإن كان يقل عنه ثروة فإنه يضاهيه من حيث الشهرة والنفوذ. فر من إسبانيا واعتقل في المغرب نجح النيني في الهروب من سجن مدريد الشهير بفكتوريا في يوم 05 أكتوبر 2002 بعدها فر إلى المغرب خلال مارس 2003 أملا في النجاة من متابعة قضائية بجناية القتل، إلا أن تفجر قضية الرماش التي أطاحت بالعديد من أباطرة المخدرات، وجرت مسؤولين أمنيين ودركيين وقضائيين ورجال السلطة إلى دائرة المساءلة ستجعل النيني في دائرة الأضواء أيضا، إذ اعتقل في غشت 2003 وأدين بثماني سنوات سنجنا نافذا. منطق لوزيعة الذي كان يحكم مصلحة الترحيل بالإدارة العامة للسجون سابقا وثروة النيني، وسعي أطراف للاستفادة من أعطياته ستقود الرجل إلى سجن القنيطرة المركزي، باعتباره أكثر سجون المغرب أمنا، مادام يأوي وراء أسواره معتقلين مدانين بعقوبات حبسية طويلة الأمد. إقامة مخملية في السجة استقبل الوزاني بحفاوة كبيرة لم يحظ بها حتى معتقلو الحملة التطهيرية على عهد إدريس البصري. الوافد الجديد شد الأنظار بوسامته وهندامه وأعطياته الكريمة، التي دفعت بعض مسؤولي السجن حينها إلى الضرب بعرض الحائط بكل القوانين. خصصت للنيني ثلاثة غرف بحي «د» المخصص أصلا كحي تأديب أعيد تشييد الزنازين الثلاث لتتحول إلى إقامة مخملية تشمل حماما ومطبخا مجهزا، وغرفة نوم.. كل وسائل الرفاهية تم توفيرها، جهاز تلفاز مسطح، DVD، مكيف هواء، ربط عالي الجودة بالشبكة العنكبوتية، سيارة مع السائق لتأمين طلباته اليومية من أغذية وخمور، وحراس شخصيون يلازمونه حيث ما حل وارتحل، وفوق كل هذا ظروف ملائمة لإدارة مشاريعه التجارية وصفقات تهريب المخدرات نحو إسبانيا. سهرات ماجنة بالمهدية إيداع النيني حي «د» كان بهدف إبعاده عن عموم المعتقلين حتى لا تتسرب تفاصيل الامتيازات التي كان يحظى بها إلى العموم، لكن سمعة الرجل ملأت الآفاق، فالنيني متقد الذكاء، أدرك جيدا من أين تؤكل الكتف واستطاع شراء صمت السجناء من خلال كيلوغرامات من مخدر الشيرا توزع على الجميع ك»بركة» من «Le Gosse» كفيلة بتكميم الأفواه . أما الموظفون الذين كان لا يبخل عليهم بإكراميات سخية لم يكونوا ليحركوا ساكنا، إدراكا منهم أن الامتيازات المخولة للنيني تتم بتواطؤات تفوقهم، حتى أن بعض المفتشين الذين كانوا يزورون المركزي لا يلجون حي «د» ويحرصون على تحية النيني بإجلال وإكبار يخفي أمورا مشينة. النيني لم (يشتر السجن فقط) كما يقول المعتقلون، بل إن ظهوره العلني على متن سيارات فاخرة بالقنيطرة خلال كل عطلة نهاية الأسبوع وسهراته الماجنة في المنتجع البحري المهدية، بعيدا عن القنيطرة ب 10 كيلومترات يطرح أكثر من علامة استفهام؟ النيني كان ينتقل كذلك إلى تطوان لمتابعة مشاريعه هناك، فيما سجلات إحصاء السجناء تشير إلى تواجده بحي «د»، كما كان ينظم سهرات ماجنة تحضرها حسناوات وكبار أباطرة المخدرات. امتيازات تقود إلى الفرار أدرك النيني أن لا شيء يفصله عن عالم الحرية، فهو يغيب عن محبسه لأيام مكتفيا بمكالمة هاتفية للاعتذار عن عدم الحضور، وهو قمة الاستهتار و»التسيب». لهذا حرص النيني على استغلال حياة VIP المخولة له داخل سجن القنيطرة، وسوى قضية المتابعة التي كانت تلاحقه بإسبانيا من خلال تسوية حبية مع أسرة الضحية. يوم 07 دجنبر غادر النيني السجن ولم يعد، تكتمت إدارة المؤسسة عن الأمر أملا في عودته، لكن مكالمة هاتفية مجهولة تلقتها الإدارة العامة للسجون يوم 14 دجنبر ستكشف عملية الهروب. كنوع من النكاية في مسؤولي قطاع السجون بالمغرب، حينها ظهر النيني على متن أحد يخوته بإسبانيا وكاميرات البابارازيت والإعلام الاسباني تطارده، ففضيحة السجون المغربية شغلت الإعلام الإيبيري لشهور. امتيازات تقود مسؤولين إلى السجن بناء على تعليمات الوكيل العام للملك بالقنيطرة أجرت الفرقة الوطنية تحقيقا في عملية الهروب والامتيازات التي كان يحظى بها النيني، تم الاستماع إلى سجناء وموظفين أدلوا بتفاصيل المعاملات التفضيلية والتي أذهلت المحققين، أزيد من 12 موظفا إلى جانب مدير السجن خضعوا للتحقيق ليصدر القضاء في النهاية أحكاما بالسجن في حق 8 موظفين توزعت ما بين شهرين وسنتين. المدير المركزي أقيل من مهامه وأوقف عن العمل وأنكر معرفته بتفاصيل الامتيازات، وهو يتمتع حاليا بتقاعد جد مريح، أما النيني فأعيد اعتقاله يوم 18 أبريل 2003 بعد أربعة أشهر من هروبه. سعاد الشرايبي.. المصممة الشهيرة ترفض جناح أبوظبي سعاد الشرايبي مصممة الأزياء الشهيرة وإحدى نجمات عالم الموضة اتهمت بسرقة مجوهرات زوجة سفير المملكة المغربية بروسيا. استأثرت قضيتها باهتمام إعلامي كبير، أودعت بزنزانة جماعية لإطلاعها على واقع سجن النساء المتعفن، وإرغامها على طلب خدمة الخمسة نجوم التي توفرها غرف بجناح ابوظبي، حيث عدد النزيلات محدود وأوقات الفسحة من 9 صباحا إلى 12 زوالا، ثم من 3 زوالا إلى 5 والنصف مساء، مع إمكانية الحصول على خدمات موظفات يتحولن إلى «طاكسيات» يجلبن كل حاجيات السجينة يوما بيوم، وذلك بمقابل مادي تختلف قيمته حسب نوعية الخدمة، هنا تنمو تجارة الهواتف النقالة. سعاد الشرايبي رفضت كل محاولات نقلها إلى جناح أبو ظبي، وفضلت المكوث في غرفة جماعية، حيث تتقاسم المعاناة اليومية والمؤونة، محنة السجن والأمل في الإفراج مع عموم السجينات. إقامة 5 نجوم لمعتقلي السلفية الجهادية نجح معتقلون مدانون بقانون مكافحة الإرهاب في انتزاع حقوق وامتيازات متعددة من إدارة سجن سيدي موسى، التي خصصت لهم جناحا خاصا حولوا بعض غرفه إلى مطابخ وحمامات، والبعض الآخر إلى إقامات مخملية بها كل وسائل الرفاهية. زنازين هذا الجناح لا تخضع للتفتيش قط، وتظل مفتوحة طيلة اليوم ويستفيد نزلاؤها من الساحة الشرفية على امتداد الأسبوع، يستغلونها لممارسة مختلف أنواع الرياضة. كما كانوا يحصلون على حصص من الدقيق، زيت المائدة، البيض، وسنيدة يصنعون بها حلويات، اسفنج، ومسمن يبيعونه لباقي نزلاء الأحياء. من داخل جناح 5 بإمكانك اقتناء كل الممنوعات، هواتف نقالة، شرائح الهاتف، بطاقة التعبئة، مواقد كهربائية، وسكاكين بل حتى أقراص الهلوسة والمعسل إذ أقدمت مندوبية السجون سنة 2008 على ترحيل سجين سلفي نحو سجن العدير بعد أن تبين أنه كان يستغل وصفات طبية لاقتناء أقراص هلوسة يعيد بيعها للمعتقلين. عبد الحنين بن علو..«مدير المطارات» في زنزانة نتنة لم يكن عبد الحنين بن علو ذو ال59 سنة يعتقد أنه بعد مشوار دراسي موفق بمعهد بوليتيكنيك تولوز ما بين 1976 و1978، ودراسة جامعية بجامعة كاليفورنيا سانتا باربارا بالولايات المتحدةالأمريكية ما بين 1978 و1982، أهلته لتقلد مناصب هامة، بدءا بعضو ديوان وزير الطاقة والمعادن ووصولا إلى الإشراف على المكتب الوطني للمطارات، حيث حكم الجو المغربي لسنين، ناسجا علاقات متشعبة وطنيا ودوليا، خاصة أن الرجل له دراسات وأبحاث هامة نشرت في كبريات المجلات العالمية المهتمة بالطاقات المتجددة.. بعد هذه الحياة العلمية والعملية الناجحة سيجد نفسه يوم 09 فبراير 2012 نزيلا بسجن عكاشة. اقتيد الرجل رفقة ثلاثة من مساعديه على رأسهم مدير ديوانه برق الليل. بعد استنطاق مطول أشرف عليه الوكيل العام العلوي البلغيثي، والذي أحال أبحاث الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على قاضي التحقيق الغرفة 4 لاستئنافية الدارالبيضاء. بعد التحقيق الأولي تقرر اعتقال بن علو وثلاثة من كبار موظفي المكتب الوطني للمطارات، في إطار قضية جرت 16 شخصا إلى دائرة التحقيق على ضوء تقرير للمجلس الأعلى للحسابات رصد اختلالات في تسيير بن علو للمكتب، وهي الاختلالات التي زكتها لجنة عليا للتفتيش من وزارة المالية. كان عبد الحنين يغالب دموعه وهو يرد على أسئلة موظف الاستقبال بمكتب الضبط القضائي بسجن عكاشة، أخذت له صورة ضمت إلى ملفه الجنائي، كما لم يمانع في نزع حزامه الجلدي وربطة العنق وهو في طريقه إلى الزنزانة. كانت عينا الرجل تحلقان في فضاء كان في حكم المجهول بالنسبة إليه، لكنه أمسى عالمه الجديد. أودع الرجل في زنزانة مساحتها 6 أمتار مربعة كان بها معتقلان، لم تصدر عن الرجل أي كلمة مكتفيا بإلقاء التحية. بعد يوم متعب ظل بن علو منطويا على نفسه وهو الذي كان يعتقد أنه فوق كل مساءلة قانونية بفضل العلاقات العائلية والمصاهرات والمظلات، رغم سرد اسمه في أكثر من ملف فساد، لكن الجو العام الذي كان يخيم على المغرب حينها بفعل تيارات الربيع العربي وحرص حكومة بن كيران على الوفاء بتعهداتها الانتخابية في مجال محاربة الفساد سيجر شخصيات وازنة إلى دائرة القضاء. سجن عكاشة كان على موعد مع أسماء لمعت في مجال السياسة والاقتصاد والفن كتوفيق الإبراهيمي مدير المكتب الوطني للصيد وشركة كومناف وميناء طنجة المتوسطي، خالد عليوة الوزير السابق وعضو الديوان السياسي بحزب الاتحاد الاشتراكي والمدير السابق للقرض العقاري والسياحي. كان بن علو يحرص على التجول منفردا في ساحة الفسحة، خاصة في فترة المساء، فالرجل كان يميل إلى الانزواء في زنزانته ولا يحبذ الاختلاط مع باقي المعتقلين. مع توالي الأيام وبعد أن أيقن أن مقامه بعكاشة سيطول، حرص الرجل على الاندماج مع الجو العام. خلال زيارة لجنة تقصي الحقائق التي شكلها البرلمان لمعاينة أوضاع سجن عكاشة عرج أعضاء اللجنة على زنزانة بن علو، فاكتشفوا أن الرجل يقيم في زنزانة نتنة هي أقرب إلى الكاشو، جراء الرطوبة وغياب التهوية، بل إن مرحاض الزنزانة كان بدون باب، حيث كان بن علو يقضي حاجته الطبيعية أمام أعين رفيقيه بالغرفة، بعد انصراف أعضاء اللجنة بدا بن علو متأثرا باللقاء مع البرلمانيين. وعلى عكس خالد عليوة الذي قضى فترة الاعتقال في استقبال رفاق دربه من سياسيين وجمعويين تنكر زملاء بن علو لرفيق دربهم، إذ كان لا يستقبل في البداية إلا طاقم المحامين المكلفين بالدفاع عنه، إلى جانب أفراد أسرته، خلص الرجل إلى أن العبادة وتلاوة القرآن والذكر هي خير سبيل لتكسير جو الرتابة الذي يميز السجن، لهذا كان بن علو يقضي جل وقته في تلاوة القرآن ومطالعة كتب تهتم بمجال تخصصه أي الطاقة الشمسية. بعد صدور حكم يقضي بإدانة بن علو بخمس سنوات سجنا نافذا سيصاب الرجل بوعكة صحية حتمت خروجه للاستشفاء، وأصبح الرجل يتحدث عن مؤامرة استهدفت شخصه وزجت به وراء القضبان، بعد الإفراج المؤقت عن خالد عليوة ستتأكد فرضية المؤامرة لدى بن علو، الذي بات يتساءل وسط المعتقلين إذا كان القضاء قد منح خالد عليوة السراح المؤقت لتوفره على سكن قار ف«لماذا لم يمكني من السراح رغم كل الضمانات التي أتوفر عليها؟». التمييز بين السجناء هي الميزة المتعارف عليها داخل السجن رشيد الشريعي *: - الأخبار الواردة من السجون تؤكد وجود تمييز على أسس مادية في تصنيف المعتقلين هل لهذا التمييز ما يبرره؟ طبعا وفق تجربة السجن التي عشتها؟ في البداية لابد من الإشادة بالقرارات الجريئة التي اتخذت من قبل المندوب السامي لإدارة السجون المعين أخيرا محمد صالح التامك، في الواقع ما يجري داخل المؤسسات السجنية هي مأساة حقيقية بامتياز، إذ أن عامل التمييز هو الحاصل بين السجناء، وباعتباري معتقل رأي سابق سنة 2003 جربت معنى المعاناة التي يعيشها السجناء بكل أصنافهم، حيث من يدفع يتمتع بعناية تفوق العادة، وباعتباري مررت بثلاثة معتقلات بدءا من سجن آسفي، مرورا بسجن ابن أحمد إلى السجن الفلاحي العدير. لاحظت بالملموس أن التمييز بين السجناء هي الميزة المتعارف عليها داخل السجن، بدليل عندما تفجرت عبر العديد من الجرائد قضية سجين كان يقضي طيلة يومه في شاطئ سيدي بوسلهام ثم يعود في المساء إلى غرفته. هناك بعض السجناء من يتمتع بامتيازات أخرى خارقة للعادة، بدءا من توفير غرفة خاصة له، إضافة إلى توفير سجين من» الدرجة الثالثة» يقوم بخدمته وتوفير شروط الراحة له، ناهيك عن أنه يتوفر على كافة التجهيزات من تلفاز وفيديو وهواتف محمولة مزودة بأحدث التكنولوجيات المتطورة، في حين تظل أبواب الزنازين مشرعة عليهم والزيارات تكون طيلة الأسبوع وفي بعض الأحيان خارج أوقات العمل (السبت والأحد) مقابل تقديم إتاوات لبعض مسؤولي هذه المؤسسات، تدفع لهم شهريا مقابل الاستفادة من هذه الامتيازات. وفي هذا الإطار عاينت وأنا معتقل بأحد السجون السالفة الذكر، أن أحد السجناء كان كلما أصيب أحد أفراده بوعكة صحية يطلب من العائلة تسليمه الوصفة الطبية، ثم بعد ذلك يتدخل عند طبيب المؤسسة، فيقوم هذا الأخير بتوفير الدواء ليتم تسليمه إلى العائلة، ناهيك عن تقديم تسهيلات لدخول المخدرات بكل أصنافها. - قانون 23-98 المنظم للحياة داخل السجون ينص على أن جميع النزلاء سواسية داخل الإدارة، وأن لا مجال للتفضيل بينهم، لماذا لا يتم تفعيل هذا القانون؟ المشكل ليس في القانون المنظم للسجون بالرغم من عدم شمله العديد من الحقوق التي وجب أن يتمتع بها السجناء، فهناك غياب إرادة حقيقية في تحسين وضعية السجناء والموظفين، فبدون تحسين وضعية الموظفين لا يمكن أن نتحدث عن تحسين وضعية السجناء، فحماة تطبيق القانون المنظم للسجون هم من يقترفون العديد من الخروقات في حق المؤسسات السجنية، فهناك لوبي يحتكر المسؤوليات المركزية ويتحكم في التعيينات على مستوى تعيين بعض المدراء الفاسدين في مؤسسات، يراعي فيها احتضان هذه المؤسسات أصحاب الجاه. - التقرير الذي صاغه 12 برلمانيا من لجنة تقصي الحقائق التي زارت سجن عكاشة أشار صراحة إلى البون الشاسع ما بين أوضاع نزلاء جناح 5 وباقي الأجنحة، لكن قوبل بإنكار من قبل المندوب العام السابق، كيف تقيمون هذا الموقف؟ منذ قدوم المندوب السابق عرفت السجون وضعية تردي، إذ فاحت رائحة الانتهاكات داخل المؤسسات السجنية من تعذيب وإهدار لحقوق السجناء، من تطبيب وسوء المعاملة والتمييز بينهم وسوء التغذية، إلى غير ذلك من الحقوق التي يضمنها قانون23/98 وأيضا المواثيق الدولية. ما يصلنا في المركز المغربي لحقوق الإنسان من تجاوزات في حق السجناء لا مثيل له في العديد من المؤسسات السجنية –الصويرة–قلعة السراغنة – سوق أربعاء الغرب –القنيطرة – مول البركي-طنجة- تطوان – تازة-أوطيطة – فاس –عكاشة –العدير –سيدي موسى.........إلخ، إن إصلاح المؤسسات السجنية لا يمكن أن يقتصر على المؤسسة لوحدها، فبدون إشراك الجمعيات الحقوقية التي همها الوحيد هو المساهمة في الإصلاح، تبقى كل الخطابات حول الإصلاح دون جدوى، عندما يتحدث تقرير عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن تجاوزات داخل المؤسسات السجنية، إضافة إلى تقرير صادر عن برلمانيين في إطار لجنة التقصي كان من المفروض على المندوب السامي لإدارة السجون أن يقدم استقالته، تعبيرا منه عن عدم قدرته على محاربة الفساد المستشري داخل هذه المؤسسة التي يرأسها. * رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان