عند حدود الساعة الثانية عشرة إلا ربع من ليلة أول أمس الخميس، أصدر القاضي عبد العالي العبودي، رئيس الغرفة الأولى بالمجلس الأعلى، حكما يقضي ببراءة عبد العزيز العفورة، العامل السابق لعمالة عين السبع الحي المحمدي بالدار البيضاء، من جميع التهم المنسوبة إليه، والتي جرت عليه في وقت سابق حكما بعشر سنوات سجنا نافذا. غاص العفورة في مقعده عند سماعه منطوق الحكم، تقول بعض المصادر التي حضرت الجلسة المغلقة بالغرفة الجنائية من الدرجة الثانية بالمجلس الأعلى بالرباط التي مثل فيها العفورة أمام هيئة تتكون من 35 قاضيا يمثلون القضاء الجالس وثلاثة آخرين يمثلون القضاء الواقف. ومنذ تلك الساعة المتأخرة من ليلة الخميس، صار عبد العزيز العفورة بريئا من تهم «استغلال النفوذ والمساهمة والمشاركة في تبديد واختلاس أموال عمومية وتزوير محررات رسمية واستعمالها وتزوير أوراق تجارية وبنكية والارتشاء». كما قضت المحكمة برفع الحجز التام عن ممتلكاته وتحميل صائر الدعوى للخزينة العامة للمملكة. وقد مثل العامل السابق لعمالة عين السبع الحي المحمدي أمام هيئة المحكمة في جلسة مغلقة بعد قبول الطعن في الحكم الابتدائي الجنائي الصادر عن الغرفة الجنائية الأولى بالمجلس الأعلى في 22 يناير2007 والقاضي في حقه بعشر سنوات سجنا نافذا في حقه بعد إدانته بما نسب إليه. مباشرة بعد النطق بالبراءة، حمل المحامي بوشعيب خرباشي خبر الحكم معجلا بإجراءات مغادرة موكله الذي قضى أربع سنوات و23 يوما خلف قضبان سجن الزاكي بسلا. لم يحضر أي من أفراد عائلة العفورة ولا معارفه إلى المحكمة، فقد كان مؤازرا في تلك اللحظات بدفاعه الذي رافقه إلى أن غادر أسوار سجن الزاكي عند حدود الساعة الثانية والنصف من صباح أمس الجمعة على متن السيارة الخاصة للمحامي خرباشي. عاد العفورة إلى زنزانته بجناح يطلق عليه اسم «المصحة»، حيث كان يعيش في غرفة صغيرة طولها متران وعرضها متران ونصف رفقة سبعة سجناء آخرين. دخل العفورة الغرفة في ظلمة الليل.. لملم أشياءه البسيطة بسرعة وهو يحيي جميع زملائه الذين استفاقوا ليودعوه ثم غادر ببريق في عينيه، تقول بعض المصادر، التي تضيف أنه حاول أن يضغط على نفسه حتى لا يتحول ذلك البريق إلى دموع.. خرج العفورة حاملا كتبه بين يديه، تاركا باقي أغراضه لزملائه في الزنزانة، التي قضى بها أربع سنوات. عند حدود الساعة الرابعة والنصف صباحا، وصلت سيارة المحامي بوشعيب خرباشي أمام باب فيلا العفورة بحي لاكولين بالدار البيضاء. كان الكل في انتظاره، زوجته وأبناؤه الثلاثة، خاصة ابنه الصغير الذي لم يره مطلقا منذ أن دخل السجن، وبعض أفراد عائلته وأصدقائه الذين لم يغادروا بيته إلا عند حدود الساعة الخامسة والنصف صباحا. وبدا العفورة هادئا كعادته، حيث ظل يستقبل كل تهاني أصدقائه بابتسامة عريضة، مرددا جملة واحدة: «إن العدالة قالت كلمتها». إلى ذلك، قال بوشعيب خرباشي، محامي العفورة، إن حكم البراءة الذي حصل عليه موكله هو «انتصار للعدالة». وأضاف أن الحكم جاء «إحقاقا للحق». وعن معنويات موكله، قال خرباشي: «إنها، بكل بساطة، معنويات إنسان عاش أزيد من أربع سنوات بالسجن». في صباح اليوم الموالي، بدأ أصدقاء العفورة وعائلته يتقاطرون، في أفواج، على حي لاكولين قاصدين فيلا العفورة، حيث لم تهدأ الحركة بهذا البيت الذي ظل ساكنا لأربع سنوات لا يسوده إلا البكاء والنحيب، كما لم يهدأ هاتف المنزل الذي ظل العفورة يجيب المتصلين عبره مرددا لازمته: «العدالة قالت كلمتها»، دون أن يضيف المزيد. ويذكر أن ملف عبد العزيز العفورة، الذي كان معتقلا احتياطيا بالسجن المحلي بسلا، قد أحيل بعد تمتيعه بالامتياز القضائي (قواعد المسطرة الاستثنائية) على المجلس الأعلى بعد إعلان هذا الأخير في يناير2006 أنه صاحب الاختصاص في النظر في هذه النازلة. وتعود وقائع هذه النازلة إلى شهر فبراير من سنة 2004، تاريخ اعتقال المتهمين ال18، ومن بينهم العامل السابق العفورة، بناء على شكاية تقدم بها المستثمر السويسري جون لوفاط في غشت2003 ضد عبد المغيث السليماني، مفادها «ارتكاب تجاوزات مالية واختلاسات في إنجاز المشروعين السكنيين اولاد زيان والفوارات». وسبق أن أصدرت غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في شهر أبريل من سنة 2006، وهي التي كانت تنظر في قضية عبد المغيث السليماني الرئيس السابق للمجموعة الحضرية للدار البيضاء، أحكاما تراوحت ما بين البراءة وعشر سنوات سجنا نافذا في حق17 متهما بعد متابعتهم من أجل تهم «تبديد واختلاس أموال عمومية وتزوير محررات رسمية واستعمالها وتزوير أوراق تجارية وبنكية والارتشاء واستغلال النفوذ والمساهمة والمشاركة» كل حسب ما نسب إليه، قبل أن تقرر غرفة الجنايات الاستئنافية بالدار البيضاء في فبراير2007 رفع العقوبة الصادرة ابتدائيا في حق السليماني من عشر إلى 16 سنة سجنا نافذا مع الحفاظ على نفس الغرامة الصادرة في حقه والتي تبلغ 50 ألف درهم ومصادرة الأملاك والأموال المحصل عليها من المشروع السكني «أولاد زيان الفوارات» لفائدة الدولة، وتأييد العقوبة الحبسية في حق باقي المتهمين البالغ عددهم 16 متهما بعد إدانتهم بما نسب إليهم.