الناس، أو بعض الناس، احتفلوا يوم أمس الجمعة بعيد الحب، وعيد الحب هو تقليد يقضي بأن يتبادل العشاق، عزابا ومتزوجين، الهدايا والعبارات الرومانسية، لأن يوم 14 فبراير يرمز إلى شخصية عاشقة تدعى «سان فالنتاين». سان فالنتيان شخصية تضاربت حولها الأقاويل؛ فهناك من يقول إنه اسم عيد وثني روماني، وآخرون يقولون إنه اسم قديس مسيحي، وفئة أخرى تقول إنه اسم إله يوناني مغمور. لكن كيفما كانت الأحوال، فإن المغاربة يساهمون بدورهم في إخراج هذا الإله من وحشته، رغم أنه كان من الأجدى للمغاربة أن يحتفلوا بآلهة أخرى، مثل إله الفقر وإله الفساد وإله الرشوة وإله البرد وإله الهجرة السرية وإله «مشات على عينْكم ضْبابة». المغاربة الذين يحتفلون بعيد الحب يفعلون ذلك بوسائل يحاولون من خلالها أن يثبتوا أنهم تحضروا قبل الأوان أو أنهم، على الأقل، أكثر تحضرا من غيرهم، لذلك يشترون الوردة الحمراء الواحدة بأزيد من خمسين درهما، لأن ثمن الوردة في 13 فبراير ليس هو ثمنها في 14 فبراير؛ وهم، أيضا، يشترون الشّوكولاته لبعضهم البعض أو يقيمون حفلات رومانسية في أماكن مغلقة، وآخرون لا يجدون أماكن مغلقة فينتهي بهم الاحتفال في «السّطافيط»، وآخرون يكتفون بالبحث عن ملابس حمراء فاقعة ويخرجون بها إلى الشارع حتى ينتبه الناس إلى أنهم «عايْقين». جميل أن يحتفل الناس بالحب، لكن الحب الحقيقي مثل الهواء ولا يحتاج إلى يوم خاص، بل يجب أن يكون مستمرا في كل حين ولحظة؛ لكن المشكلة أنه كلما غاب أو اندثر شيء ما، فإن الناس يُكْرمون مثواه بأن يخصصوا له يوما في السنة، وذلك أضعف الإيمان. لكن قضية الاحتفال بعيد الحب يوم 14 فبراير لها وجه آخر مختلف تماما، وجه لو أدركه هؤلاء المحتفلون لوصل الاحمرار أيضا إلى وجوههم خجلا، لأن أسوأ شيء ليس هو التقليد الاعتباطي فقط، بل هو التقليد المرتبط بالسذاجة والجهل. 14 فبراير الذي يحتفل فيه بعض المغاربة بعيد الحب هو اليوم نفسه الذي شهد واحدة من أكبر النكبات التاريخية حين أعلنت الملكة إيزابيلا الكاثوليكية تحويل حياة ملايين الأندلسيين إلى جحيم حقيقي. وعندما نتحدث عن الأندلسيين، فإننا نتحدث عن المغاربة، وحين نتحدث عن المغاربة، فإننا نتحدث عن جهل مخجل تعيشه هذه الأجيال التي لا تعرف تاريخها ولا تاريخ أجدادها، بل لا تكاد تعرف حتى نفسها. الأندلس ليست مجرد طرب أندلسي وبقايا زخارف وأسوار أو أسماء سادت ثم بادت، بل هي مرحلة رهيبة ابتدأت مباشرة بعد سقوط غرناطة رسميا سنة 1492، وبعدها صار الأندلسيون لا يستطيعون حتى الطبخ بزيت الزيتون لأنه يشي بأنهم لايزالون مسلمين، وكانوا ملزمين بالخضوع للتنصير الإجباري وعدم الاغتسال يوم الجمعة وتغيير أسمائهم وترك أبواب منازلهم مغلقة حتى تلجها لجان محاكم التفتيش في أي وقت من الليل والنهار للبحث عن دليل ما يقود أصحابه من الأندلسيين نحو المحارق في الساحات العامة أو التعذيب الرهيب؛ وفي أحسن الأحوال الطرد من بلادهم نحو الأصقاع المجهولة. والملكة الإسبانية إيزابيلا، التي أصدرت يوم 14 فبراير قرارا بتجريد الأندلسيين من كل حقوقهم ونقضت كل العهود السابقة، هي امرأة متعصبة وكانت تعتبر التنكيل بالأندلسيين أمرا ربانيا ورسالة مسيحية خالصة، لذلك لم تدخر جهدا للنجاح في ذلك، لذلك تفوقت في حقدها بشكل رهيب، وصار يوم 14 فبراير رمزا لانتصار الحقد على الحب. لو عرف المغاربة تاريخهم جيدا فسيدركون أنه حتى لو احتفلت أمم الأرض قاطبة بهذا اليوم عيدا للحب، فإن المغاربة وحدهم لن يحق لهم ذلك، والسبب بسيط، وهو أنه يوجد اليوم في المغرب قرابة 6 ملايين من ذوي الأصول الأندلسية المباشرة، أي من الذين عانى أجدادهم الأهوال بعد صدور قرار 14 فبراير، وهم موجودون في كل مدن ومناطق المغرب. كما أن المغاربة كان لهم ارتباط وثيق بالأندلس، لأنهم هم الذين فتحوا شبه الجزيرة الإيبيرية، وكان الجيش الفاتح في أغلبه من الأمازيغ المغاربة، وأولئك الأمازيغ استوطنوا الأندلس وشكلوا جزءا من شعبها الكبير لحوالي ثمانية قرون، لذلك فإن يوم 14 فبراير ليس ذكرى خاصة بذوي الأصول الأندلسية فقط، بل ذكرى أليمة للمغاربة جميعا. لكن، ماذا رأيتم في الأيام الماضية؟ هل شاهدتم ندوة في التلفزيون حول الموضوع؟ هل استمعتم إلى برنامج إذاعي حول تلك النكبة؟ هل عاينتم كتبا جديدة تؤرخ لما جرى؟ هل قرأتم مقالات في الصحف عن ذلك الماضي الأسود؟ هل تم تنظيم وقفات رمزية في مدن مغربية؟ هل وجه رئيس الحكومة تحية لعذابات وأرواح أجداد المغاربة في الأندلس؟ .. لا شيء.. لا شيء على الإطلاق. فنحن أمة مريضة.. مريضة جدا، ومن فرط مرضنا حولنا يوم الحقد إلى عيد للحب.