تصلح المقولة الشعبية «باينة الشقة على حواشيها» تلخيصا للطريقة التي ودع بها بنكيران سنة 2013 في البرلمان، مع أن أحسن شيء يمكن أن تقوم به هذه الحكومة هو أن تجري اتفاقا مع المركز السينمائي المغربي لنقل وقائع جلسات البرلمان ليس على شاشة التلفزيون فحسب، بل حتى على الشاشة الكبرى، في القاعات السينمائية؛ فلدى المغاربة، في كل الأحوال، نقص على مستوى الفرجة، والبرلمان يقدم أطباقا كوميدية تكفي لأن تضحك أجيالا عديدة، لكنه في الأخير ضحك كالبكاء، مبعثه أن بنكيران ركن مشاكل المغاربة جانبا واكتفى بالتخصص في «قليان السم» لحزب الاستقلال، مطبقا شعار المغاربة القديم «اللي بدلك بالفول بدلو بقشورو». وبعد أن اعتقد الجميع بأن بنكيران تعافى من «مسمار الكيف» الذي وضعه شباط في حذاء الأغلبية، فوجئوا بعودته ليلة رأس السنة لينتقم من الاستقلاليين بأسلوبه الخاص. ومع أن «اللي ما هو موجود في القلب، العين تنساه»، فقد أثبت واقع الحال أن بنكيران استطاع استبدال شباط دون أن يستطيع اقتلاعه من قلبه. والذنب الوحيد الذي اقترفه المغاربة كي يجدوا أنفسهم مضطرين إلى متابعة تصفية بنكيران لحساباته السياسية في قبة البرلمان بطريقة السقي بالتقطير هو أنه قدر لهم أن يكونوا رهائن عزلا لهذه الحكومة، مع أن أحسن نصيحة يمكن للمرء أن يسديها إلى كل من شباط وبنكيران هي «ما تعايرني ما نعايرك الهم طايلني وطايلك»؛ فقد تصرف رئيس الحكومة، خلال مروره أمام مجلس المستشارين، كما لو كان في «سربة الباردية»؛ وحين حلَّ في البرلمان، ليلة رأس السنة، لم يكن ينقصه سوى بذلة النيابة العامة ذات اللونين الأسود والأخضر. وهكذا ورغم أن المثل الشعبي يقول «لا عاش العار ولا بناو ليه الدار»، فإن بنكيران أصر على أنه الوحيد الذي يتوفر في هذه البلاد على معلومات وأرقام تثبت حجم الأموال المهربة إلى الخارج مع هويات أصحابها؛ وحين طالبته المعارضة بالكشف عن تلك الأسماء رفض بشدة، مفضلا رمي الجمرات على المبني للمجهول لأنه «ما يحس بالجمرة غير اللي كواتو»، فبنكيران، الذي يصيح اليوم بأعلى صوته بأنه يتوفر على لائحة بأسماء من يملكون أموالا وعقارات في الخارج، هو نفسه الذي أعد لهؤلاء قانونا يعفيهم من المتابعة ويحمي هوياتهم من الانكشاف، ولعل هذا ما يعبر عنه ب»في وجهك مرايا وفي ظهرك مقص». لكن السؤال الذي يبقى حارقا أكثر من الجمرات، هو: فيمَ سينفع المغاربة أن يكون رئيس حكومتهم يتوفر على كل الدلائل الخاصة بتهريب الأموال إلى الخارج، إذا كان يكتفي بالتلويح بها في البرلمان لمجرد تصفية حساباته السياسية مع المعارضة، قبل أن يعيدها إلى دولابه الحديدي في انتظار تفعيل القانون الجديد للعفو عن المهربين؟ حتى إن المرء ليتساءل: «واش تلف على بنكيران عنوان وزارة العدل» أم إن «التشيار بها مرة مرة» فيه «البركة» وأحسن بكثير من وضعها أمام مكتب وزير العدل تجنبا للحرائق التي يعلم بنكيران أكثر من غيره بأن «اللي شلاغمو من الحلفة ما يسوط على العافية»؟ ومادامت الحكومة قد أعدت قانونا يروم العفو عن المهربين والممتلكين لأموال وعقارات في الخارج والتزمت بحماية هوياتهم من النشر والتداول، فإن رفض بنكيران الكشف عن أسمائهم في البرلمان يصبح أمرا مفهوما؛ لكن ما ليس بمفهوم على الإطلاق هو «الطم» الكبير الذي يحوم حول ما إذا كان من بين وزراء بنكيران من يمتلك حسابات بنكية وعقارات خارج أرض الوطن؛ ومع أن في البلاد قانونا للتصريح بالممتلكات فإن الشعب المغربي، الذي صوت بأغلبية لصالح «البيجيدي»، لا يعرف حتى الآن حجم ثروة هؤلاء الوزراء الذين يتكلمون اليوم باسمه، ويقولون له في كل مناسبة «احنا جابتنا النية والمعقول»، مع أن المعقول الوحيد الذي يظهر حاليا في مسرحية «شد ليا نقطع ليك» بين بنكيران وحزب الاستقلال هو «إلى شفتي الحنش منفوخ، عرف باللي صارط خوه».