«أبريد»، أي الطريق باللهجة الأمازيغية، مطلب طالما ردده سكان المناطق النائية بجهة تادلة أزيلال منذ سنوات، خاصة سكان آيت عبدي، وآيت عباس، وآيت امحمد، وتنكارف وغيرها من الدواوير. لم يتوقفوا عن كتابة الشكايات وتنظيم الاحتجاجات، تلقوا الوعود تلو الوعود، لكن لم يتبدل حالهم ولم يتغير، وحدها أسماء المسؤولين هي التي تعرف التغيير. مازال سكان جماعة أحنصال، بإقليم أزيلال، يتذكرون وعد عامل الإقليم السابق لهم بتعبيد الطريق بعدما زارهم رفقة والي جهة تادلة أزيلال، وعرض عليهم وقتها مشروع فك العزلة عن المنطقة عبر تعبيد الطرق، وقدرت حينها تكلفة البرنامج ب26 مليار سنتيم. وعود لم يتحقق منها شيء، ومازال سكان الجماعة يعانون أوضاعا مأساوية يفقدون معها بحلول كل موسم ثلوج أطفالا ونساء. يقول محماد.ع، من سكان جماعة أحنصال: «لم نعد نثق بوعود المسؤولين، فدائما تتكرر مأساتنا، وكأننا لسنا بشرا، فما نطلبه هو الطريق، لا نريد إحسانا ولا صدقات من أحد، خلقنا الله للعمل ونحن مستعدون لتأمين قوتنا اليومي، لكن ما لا نقبله أن تموت نساؤنا وأطفالنا بسبب عدم تعبيد الطريق وتوفير المواصلات العمومية كباقي المناطق الأخرى في المغرب». فمحماد، الذي أكد ل«المساء» في تصريح عبر الهاتف أنه أحسن حالا من وضعية سكان آيت عبدي وتفراوت وامضير، الذين يقطعون مسافة 14 ساعة للوصول إلى جماعة أحنصال، يوضح أن ما تكتبه الصحافة عن المنطقة لا يرقى إلى مستوى الواقع لأن «من رأى ليس كمن سمع»، حسب المتحدث نفسه. صراع ومصالح اللقاء، الذي عقد بعمالة أزيلال الأسبوع الماضي وخصص لمدارسة شق الطريق لآيت عبدي بأزيلال، كشف عن وجه آخر للصعوبات التي تعترض فك العزلة عن جل القرى والدواوير البعيدة بجبال أزيلال. فخلال الاجتماع الذي تم خلاله الوقوف على أشغال مكتب الدراسات المكلف بإنجاز الدراسة لطريق آيت عبدي، أكد مصدر حضر اللقاء، أن 40 كلم هي التي كانت مبرمجة وهي التي كلف بها مكتب خاص للدراسات بمراكش، لكن بفعل صراعات المصالح أصبح الحديث عن 107 كلم، يضاف إلى ذلك أن الدراسة تأخرت بسبب موسم الثلوج الذي كانت مدته طويلة خلال هذه السنة، الحديث عن الطريق إلى آيت عبدي أصبح بين خيارين، الخيار الأول يصل من جماعة زاوية أحنصال إلى تافراوت، والمسار الثاني يصل إلى تاكورت انطلاقا من جماعة زاوية أحنصال. وهذا يتطلب قرارا من سلطات الجهة ومن السلطات المركزية لأنه سيكون متراوحا بين الخيار الأول البالغ 40 كلم والثاني البالغ 107 كلم، لكن الدواوير المنتشرة بآيت عبدي تطرح إشكالا ثانيا يتعلق بالربط بين هذه الدواوير المنتشرة وسط الجبال، لكن ما لا يعرفه الكثير هو أن الجماعة القروية التي تقع آيت عبدي تحت نفوذها الترابي لم تصل إليها الطريق المعبدة بعد من أزيلال عن طريق جماعة آيت محمد. مصدر جمعوي بأزيلال رفض ذكر اسمه أكد ل«المساء» أن «المبالغ المالية المخصصة لربط الطريق فقط بآيت عبدي والتي ستكلف 26 مليار سنتيم دون الحديث عن ربط هذه الدواوير بالكهرباء والماء الصالح للشرب والهاتف والخدمات الأخرى، هي مبالغ جد ضخمة تكفي لبناء قرية نموذجية بأي منطقة بأزيلال ومنح ملايين السنتيمات ستوفرها هذه العملية ل500 أسرة، تمثل مجموع سكان آيت عبدي قصد ممارسة أنشطة فلاحية وزراعية أخرى، لكن ذلك يتطلب دراسة اجتماعية وتوعية السكان بأهمية هذه العملية». ثلوج وحصار تعبيد الطريق هو مفتاح الخير على سكان المناطق النائية، فمن خلالها يمكن نقل الحامل إلى أقرب مستوصف عوض حملها على نعش الموتى، وعبره ستنتهي المضاربات في المواد الغذائية ضد ساكنة تعاني الفقر والتهميش. ومن حسنات الطريق المعبد أيضا تيسير عمل المكلفين بإزاحة الثلوج، يقول أحد العمال المشرفين على عملية إزاحة الثلوج ل«المساء»: «إن ظروف العمل جد صعبة لأن الآليات لا يمكن تشغيلها في نفس الآن، حيث تكون العملية الأولى باستعمال آلية إزاحة الثلوج وبعدها آلية حمل الثلوج ثم بعدها آلية التسوية في نفس المكان، تضاف إلى ذلك نقط التدخل الكثيرة بالإقليم التي تصل إلى مئات إلى الكيلومترات خاصة هذه السنة التي كانت استثنائية بكل المقاييس»، المصدر نفسه أكد أن «سمك الثلوج ببعض الطرق كان علوه أكبر من متر، وعندما تكون الطرق غير معبدة فإننا نستعمل الجرافات لفتح الطرق وفك العزلة عن السكان لأن آلية إزاحة الثلوج لا يمكنها التحرك في غير الطرق المعبدة». نقط التدخل تعني فقط الطرق ووسط المدينة أما الدواوير في الجبال فلا يمكن الحديث عن التدخل وسطها، يكفي فقط أن نفتح المسالك المؤدية إليها، يقول المتحدث نفسه، لأن الآليات المتوفرة تستحيل تدخلها هناك بالكامل، حيث يستحيل المغامرة بالآلية وبأرواح العاملين. واعترف عبد العزيز عزام، المدير الإقليمي للتجهيز، بصعوبة إزاحة الثلوج عن الطريق غير المعبدة، إذ قال في تصريح ل«المساء»: «بعض المناطق يلزم التدخل فيها مرتين في اليوم، في حين يكون التدخل صعبا في بعض المناطق التي لا توجد بها طرق معبدة لأن الآليات المخصصة لإزاحة الثلوج تشتغل في شروط خاصة»، وأضاف عزام أن «500 كلم من مجموع 1060 كلم من الطرق المرقمة بأزيلال كانت تشهد انقطاعا بسبب الثلوج هذه السنة التي كانت استثنائية، سخرت لها مندوبية التجهيز أربع آليات لإزاحة الثلوج وآليتي حمل وآلة واحدة للتسوية، ولأن هذه السنة كانت استثنائية فقد عززت المندوبية طاقمها بآليتين حاملتين وجرافتين من خارج الجهة كما تمت الاستعانة بشركات خاصة». كذب ومماطلة يتهرب أصحاب سيارات الأجرة بمدينة أزيلال من نقل المسافرين في اتجاه جماعة واولى، التي تبعد بحوالي 36 كيلومترا، لوجود ما يقارب ست كيلومترات من الطريق غير معبدة. يقول (س م)، سائق سيارة أجرة: «سلوك أصحاب سيارات الأجرة مبرر لأن الطريق غير المعبدة ستنعكس على الحالة التقنية للسيارة، إذ إن النقل إلى جماعة لا تعاني كثيرا من غياب الطرقات المعبدة يبقى أسهل، عكس المناطق النائية التي لا وسيلة لأصحابها سوى البغال والمشي على الأقدام». يوافقه الحسين برقال، المتحدر من دوار تلغمت التابع لجماعة واولى الرأي، قائلا: «مازلنا نعيش عهد الاستعمار مادامت الطرقات بقيت كما هي ولم تتغير أحوالنا، ونضطر إلى أن ننتقل من دوارنا «تلغمت» إلى جماعة واولى داخل سيارة من نوع «لوندروفير «مكدسين، علاوة على عدم توفر دوارنا على الماء ولا علىالكهرباء».. واقع دوار تلغمت التابع لجماعة واولى يعرفه رئيس الجماعة إبراهيم موحي جيدا، لكنه يعتبر أن ذلك ليس من مسؤوليته بل من مسؤولية مديرية التجهيز، التي اتهمها ب«الكذب والمماطلة». يقول إبراهيم موحي، الذي استفاض في الحديث ل«المساء» عن مشاكل الجماعة ومعاناة دواويرها ال 48، «في كل مرة يعين مدير للتجهيز ويقدم لنا وعودا بتعبيد الطريق، ويغادر المديرية ليعوضه آخر، ويتبع أسلوبه، لتبقى جماعة واولى على حالها، إنهم يكذبون ويتماطلون والضحية هم السكان». وأكد المتحدث نفسه، الذي يتحدث العربية بصعوبة، أنه لم يتوقف عن توجيه رسائل وشكاوى للمسؤولين حول أوضاع الساكنة سواء تعلق الأمر بالطرقات أو ربط الدواوير بالكهرباء دون نتيجة تذكر، لكن ما زال له أمل في العامل الجديد الذي قال إن آخر لقاء عقده، وعده خلاله مدير التجهيز بأن يحل هذه المشاكل عما قريب. المدير الإقليمي للتجهيز بأزيلال، عبد العزيز عزام أكد ل «المساء» أن «برنامج الطرق بإقليم أزيلال يستهدف مجموع ساكنة قروية يصل عددها إلى 140.000 نسمة ب28 جماعة قروية، قصد ربط جماعات الإقليم بالمحاور الرئيسة، وتحسين مؤشر الولوج من %50 إلى %85 في أفق سنة 2012»، وأضاف عبد العزيز عزام أن «أشغال بناء الطرق ستشمل 402 كيلومتر وأشغال التهيئة تشمل 562 كيلومترا، بكلفة تصل إلى 451 مليون درهم، تساهم منها وزارة التجهيز والنقل بمبلغ 383،5 مليون درهم بالإضافة إلى شركاء آخرين». موضحا أن برنامج الطرق بأزيلال سينطلق ب170 كيلومترا سيتم البدء فيها سنة 2009، والباقي من 562 كيلومترا ستكون بداية الأشغال بها بين 2009 و2011. لكن الساكنة لا تهمها لغة الأرقام ولا تفهمها، وستظل الثلوج تحاصر المناطق النائية وتسبب أزمات متتالية، ما لم تعبد الطرقات، بالرغم من حديث المسؤولين عن قيامهم بعملية تدخل لإزاحة الثلوج خلال الأشهر القليلة الماضية بمعدل يترواح بين 300 كلم و500 كلم في كل عملية تدخل وبمجموع يقارب 8000 كلم». وفي انتظار تعبيد الطرق، فإن من بين الحلول التي يقترحها أحد العاملين بإزاحة الثلوج، «تجهيز الجماعات القروية بآليات خاصة بإزاحة الثلوج سيفك العزلة بشكل كبير عن السكان المحاصرين بالثلوج وسيجنبهم المشاكل التي واكبت موسم الثلوج بقرى أزيلال هذه السنة».