على السي بنكيران أن يفكر جيدا هذه الأيام في تنظيم جنازة وطنية بعد تقرير منظمة «ترانسبرانسي» الذي نزل فيه ترتيب المملكة إلى درجة سفلى في سلم الفساد، كما على قيادة «البيجيدي» أن تحضر قصعات الكسكس وتفتح مقراتها لتلقي العزاء في هذا المصاب الجلل، لأن الحزب الذي حاز الحكومة بعدما وعد المغاربة بالقضاء على الفساد قبل ثلاث سنوات، انتهى في دار «العزا». والشيء الوحيد الذي قام به بنكيران تعليقا على هذه «الشوهة» هو أنه اعترف في المجلس الحكومي بأنهم فشلوا في «قتل» الفساد والرشوة، كأنهم في هذه الحكومة ينتظرون من الفساد أن يموت «موتة الله». بنكيران وحكايته مع الفساد تشبه كثيرا ذلك الشخص الذي أمضى شبابه «غير كايتحلف على بنادم»، ولما دقت ساعة المواجهة الحقيقية ووقف وجها لوجه مع العدو، قال له «لا تديش عليا». لكن الذي لا يفهمه بنكيران هو أن المنظمات الدولية التي تتابع رصد أحوال الفساد في العالم، لا تنتبه ولا تقيم أدنى اعتبار للشعارات. وإذا كانت شعارات العدالة والتنمية التي تتوعد الفساد والريع ب«القتل والتصفية» قد أوصلت الإخوان إلى الحكومة، فإنها تبقى عاجزة كل العجز عن حمل منظمات دولية ك«ترانسبرانسي» على رسم صورة مشرقة عن المغرب في تقاريرها، لأن هذه المنظمات، ببساطة، تعرف تمام المعرفة «خروب كل بلاد». والأكيد اليوم أن على بنكيران، من الآن فصاعدا، أن يتفرغ للبحث عن شعارات جديدة يدخل بها الانتخابات القادمة، لأن شعار محاربة الفساد والريع استنفد أغراضه، وعليه منذ الآن أن يقول «الله يخلف». لكن دهاء السياسيين عندنا أبعد مما نتصوره، وعلى بنكيران من اليوم أن «يرد بالو» مع شعار مضاد يبدو أنه يطبخ على نار هادئة داخل قبة البرلمان، فقد سمعنا الشيخ بيد الله يقول «اللي بغا يكمي شي جوان يكميه»، وهذا وحده شعار كاف ليستميل ملايين المصوتين المغاربة، حتى لا نقول «المبوقين» إلى صناديق الاقتراع. وإذا كان «البيجيدي» يُتهم بكونه يقحم الدين في السياسة، فلا بأس إذن من أن يقحم الأصالة والمعاصرة بدوره «الزطلة» في الحياة السياسية...، مادام «كلها وفين جاتو البلية». لكن الشيخ بيد الله، الطبيب الذي كان في السابق وزيرا للصحة وبرلمانيا وواليا قبل أن يشغل منصبه الحالي كرئيس لمجلس المستشارين، «مشا بعيد» في بحثه عن حرية المغاربة مع «الفتيخ»، بعد أن كشف عن سر لم يسمع به أحد من قبل وهو أنهم في الصحراء يقدمون نبتة «الكيف» كعلف للإبل والأغنام، وإذا كانت البهائم في الصحراء «مكيفة مع راسها»، فإننا الآن فقط نفهم سر المثل الشعبي القائل «اللي فراس الجمل فراس جمالو». وإذا كان المغاربة يستهلكون مليار ورقة من أوراق «النيبرو» كل سنة، فعلى بنكيران من الآن أن يخاف، حقيقة، على شعبيته أمام دعوات تحرير «العشبة»، اللهم لو «بانت ليه فيها»، خاصة إذا علمنا بأن تقنين بيع وزراعة «الكيف» ستجني منه خزينة البلاد ما ستجنيه من البترول والغاز، وستكون عائدات «البزناسة» بالنسبة إلى حكومة الإخوان أخف بكثير من عائدات بيع الخمور في ميزان السيئات. وحين يدعو حزب في المعارضة اسمه الأصالة والمعاصرة، ليبرالي «مع راسو»، إلى تقنين بيع وزراعة «الكيف» والاستفادة منه في العلاجات الطبية ف»جات معاه»، لكن المدهش أن وزير السياحة في الحكومة الملتحية، التي يسيرها حزب إسلامي، أعلن هذا الأسبوع معارضته لمنع بيع الكحول، وقال بالحرف إنه «ليس مكتوبا في البطاقة الوطنية ما إن كنت مسلما»، في رد منه على قانون منع بيع الكحول لغير المسلمين، كأنه يقول للمغاربة «غير سيرو للبيسري راه حتى حد ما عارفكم واش مسلمين». والحقيقة أن المغاربة «مابقاو عارفين آش يتبعو مع هاد راس العام»، هل نصيحة وزير السياحة حداد أم نصيحة رئيس مجلس المستشارين الشيخ بيد الله؟ يعني بالدارجة «واش نحلو القرعة ولا نشعلو جوان؟».