الدعارة والسحر وخطف الرجال.. كلها اتهامات تلاحق مغربيات الخليج، وتثير في نفوس المهاجرات في «مدن الملح» إحساسا بالغبن والاستياء من صورة نمطية طالها التعميم. لم يشأ الجرح أن يلتئم، فقررن الخروج عن صمتهن في ملتقى «مغربيات من هنا وهناك», الذي نظمه مجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج في دولة الإمارات العربية المتحدة.. فكانت الشهادات مؤثرة. «ياما قوى جرح الأحباب».. بهذه الكلمات المؤثرة بدأت سيدة مغربية مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة حديثها عن الإساءة التي تلحق كثيرا من «الشريفات العفيفات» المقيمات في دول الخليج بسبب النظرة المسيئة إليهن، من المغاربة أنفسهم. هنا في أحد أفخم فنادق العاصمة الإماراتية دبي، وغير بعيد عن «قصر الإمارات»، حيث يقيم زعماء الدول الأجنبية، كان لأفراد الجالية المغربية وخاصة العنصر النسائي، مناسبة غير مسبوقة للإعلان وبصوت عال: «كفى من التعميم.. المغربيات لسن عاهرات وساحرات». اختيار مجلس الجالية المغربية المقيمة في الخارج دولة الإمارات لتنظيم الملتقى الرابع ل«مغربيات من هنا وهناك» لم يأت اعتباطا، فمجرد الإنصات لبعض الشهادات يؤكد واقع حال، والنظرة السيئة التي يرى بها المغاربة قبل الإماراتين المرأة القادمة من المغرب، حتى إن بعضهن اضطر في لحظة ضعف إلى الادعاء بالانتماء إلى وطن آخر. مهندسات، نساء أعمال، زوجات شخصيات إماراتية مرموقة، وغيرهن من النساء المغربيات المقيمات في الدولة الإمارات، التأمن في هذا الملتقى لبعث رسالة واحدة مفادها أن هناك نساء يشرفن وطنهن، وعوض التركيز على صورة المغربية كامرأة عاهرة وساحرة، هناك صورة أخرى تم إهمالها لسنوات وهي المرأة المغربية التي تساهم في نمو وتطور هذه الدول، وتشكل بأدوارها الريادية دبلوماسية موازية في خدمة قضايا الوطن. مغربية وأفتخر بنظرات ملؤها الأمل، وبلغة دارجة اختلطت باللكنة الأمريكية، بفعل سنوات الاشتغال الطوال في أمريكا، تحدثت السعدية خيي بابا، أستاذة في الجامعة الأمريكية بالشارقة، ل«المساء» عن تجربتها بدولة الإمارات، التي التحقت بها في سنة 2004 بعد حصولها على الدكتوراه بكندا. تقول السعدية إنها بدأت في سنة 2006 الاشتغال، وفي هذه الفترة بالضبط، وقع لها أول احتكاك مع صورة نمطية حول المغربيات. «لقد اكتشفت أن سمعة المغربيات ليست جيدة، إذ بمجرد ما أقول أنني مغربية فإن طريقة التعامل تتغير، وقد كان لي اختيار إما أن أقول بأنني لست مغربية أو أن أتحمل هذا الواقع». وفي لحظة اختناق وضيق وقع ما وقع. «لقد ادعيت أنني تونسية، لأنني لم أستطع أن أتحمل شخصا يقول لي إنني مغربية وينظر لي بتلك الصورة السيئة»، تقول السعدية، وقد ارتسمت على محياها علامات الحزن على حقبة لازالت راسخة في ذكريات الأمس القريب. تروي الأستاذة الجامعية بقسم الرياضيات أن ادعاءها بكونها تونسية زعزع مشاعرها بقوة، وأحست بندم شديد: «راجعت نفسي وقلت هذا لا يمكن، فإذا كانت المغربية لها سمعة سيئة فلا يجب تعميم تلك الصورة، بل يجب أن أكون النموذج، فقررت أن أقولها وبصوت عال.. أنا مغربية وأفتخر». وحتى تساهم السعدية خيي بابا في إبراز النموذج الآخر للمرأة المغربية، بدأت في تأليف كتاب حول الرياضيات وفي مخيلتها أن كل من سيتصفح هذا المنتوج الفكري سيقول بأن هناك مغربيات لهن كفاءات عالية. «لقد تم نشر الكتاب من طرف أحد أكبر دور النشر، وأصبحت ضمن أفضل ثلاث أساتذة على مستوى قسم الرياضيات في الجامعة، وهكذا أصبح التعامل أكثر يسرا، فأنا مغربية وأفتخر بأصلي وبلدي، وما علينا إلا أن نبرهن بأن هذا البلد بتاريخه وحضارته العريقة له من الكفاءات العالية والخبيرة ما يجعل أبناءه يفتخرون بالانتماء إليه»، تضيف السعدية بنبرة ملؤها الثقة والافتخار بالانتماء للوطن. زوجة مدير التشريفات تجارب مغربيات الخليج المتألقات تختلف حسب نوعية الهجرة وأهدافها. ليلى بوشويط، امرأة أعمال في أبو ظبي، غادرت مدينة الرباط في تسعينيات القرن الماضي للدراسة في فرنسا، حيث عاشت حوالي أربع سنوات في باريس، قبل أن تحصل على دبلوم في السكرتارية، وتلتقي بالشخص المناسب الذي ستكمل معه مشوار حياتها. «تقابلنا في باريس، وعرض علي أن نأتي للإمارات، لكنني لم أوافق على الانتقال من دولة أوربية للعيش في دولة خليجية بفعل بعض التقاليد، بيد أن زوجي ألح علي حتى أكتشف إن كانت الفكرة التي أحملها عن هذه الدول صحيحة أم لا، فكان أن جئت للإمارات في زيارة أولية فاكتشفت أن الإمارات ليست كبعض الدول التي فيها نوع من الانغلاق، بل هي دولة منفتحة»، توضح ليلى. في أول الزواج اكتشفت ليلى اللغة الإنجليزية وحصلت على دبلوم في هذه اللغة ودروس في الإعلاميات، وبعد ذلك اشتغلت مع زوجها المعتصم جاسم المدفع في مكتبه، حيث يشتغل الزوج مع شخصيات مهمة في الدولة، وسبق له أن تقلد منصب مدير مراسيم الشيخ زايد. تقول ليلى في حديثها ل«المساء»: «اكتشفت أن هناك من الإماراتيين المنفتحين الذين يريدون أن تكون المرأة إلى جانبهم، فمنذ أول يوم من زواجنا ولجت المجتمع الإماراتي، وكلما كانت هناك دعوة لزوجي لأي سفارة كنت أحضر معه، فسار الجميع يعرف أنني زوجة المعتصم، قبل أن أخلق مشروعي الخاص في إطار محلات تجارية وشركة خاصة للعلاقات العامة وفي نفس الوقت أتابع أعمال زوجي الخاصة من شركات وبعض الأعمال العقارية بحكم أن ليس له وقت كاف لإدارتها». تعتبر هذه المهاجرة المغربية أن النساء المغربيات ذكيات، لكن يجب توجيه هذا الذكاء نحو الوجهة المناسبة، «فأنا لا أعتقد بأن المرأة المغربية بذكائها وجمالها يمكن أن تكون فاشلة، خاصة في دول الخليج، فقد عشت هنا منذ 17 سنة وتلاشت لدي هذه الفكرة، والآن في هذه السنوات الأخيرة لم نعد نسمع بشكل كبير لمثل هذه المشاكل لأنه سار هناك وعي لدى المغربيات حول كيفية التعامل لاندماج وانفتاح أكثر». خلاصة تجربة ليلى بوشويط في إحدى دول مجلس التعاون الخليجي هي أن المرأة كلما كانت ذكية فإنها ستعيش في أحسن مستوى في دول الخليج، خاصة في الإمارات العربية المتحدة. وبكل فخر واعتزاز تضيف ليلى قائلة: «في مسيرتي مع زوجي حصل على ثلاثة أوسمة من رؤساء دول النمسا وفرنسا وإيطاليا، فأنا كنت بجانبه ومساندة له وكما يقول المثل فوراء كل رجل عظيم امرأة». هندسة ومحاماة تركنا ليلى بوشويط تحتسي فنجان القهوة إلى جانب مجموعة من البرلمانيات، واتجهنا صوب كفاءة مغربية قادمة من جبال الريف. فرغم عدم توفر المغرب على آبار للبترول، فقد شاءت الصدف والأقدار أن تكون المرتبة الأولى في «المعهد البترولي» لأبوظبي من نصيب المغربية سارة بختي، التي تتقلد اليوم منصبا مهما في شركة بترول أبوظبي الوطنية، التابعة للدولة الإماراتية. خلال حديثها ل«المساء» بدت ابنة جبال الريف، التي ولدت وترعرعت في كنف أسرة مغربية مهاجرة بدولة الإمارات العربية المتحدة، حريصة على الحديث بالعامية المغربية لأنها تمثل لسارة عنصرا أساسيا في الإحساس بالانتماء للوطن. توضح سارة، ردا على ترويج بعض الصور النمطية حول طبيعة العيش في هذه الدولة الخليجية، أن «الإمارات بلد تتعايش فيه ثقافات وأديان مختلفة، ومن ترعرع هنا يعرف بأن البلد منفتح جدا على باقي الأمم، ولا نجد مشكلا مع الإماراتيين، لكن نحن لم نحصل على الجنسية الإماراتية لأن وطنيتنا وارتباطنا بوطننا الأم المغرب قويان جدا». المشكلة حسب سارة مرتبطة بصورة غير عادلة حول المرأة المغربية المقيمة في دول الخليج، حيث يحاول المغاربة هنا محاربتها، ليس بالتركيز عليها ولكن بالترويج للكفاءات الموجودة، إذ سجلت في هذا السياق أن «هناك كثير من المغربيات اللواتي وصلن إلى مراتب متقدمة، لكنهن لا يرغب في القول بأنهن مغربيات». واقع تغير حسب المتحدثة ذاتها في السنوات الأخيرة، إذ أصبحت الجالية المغربية مفتخرة بمغربيتها أكثر من أي وقت مضى، خاصة وأن أعدادها ارتفعت بسبب الطلب الكبير على المغاربة، «وكل واحدة منا مفروض أن تكون فخورة بأنها مغربية». تحكي سارة أنها كانت حريصة منذ فترة الدراسة في المعهد على المشاركة في «اليوم العالمي» الذي ينظمه الطلبة، حيث كانت الخيمة المغربية دائمة الحضور بغية التعريف بثقافة البلد، «خاصة وأن حضارة المغرب وتاريخه وثقافته لا تخفى على أي أحد». ويبقى الأهم بالنسبة لهذه المهندسة المغربية هو النماذج النسائية المغربية الكثيرة التي تشرف صورة البلد، «فالأنماط التي تمس بسمعة البلد لا نراها في المغرب أيضا بعين الرضا، لكن هؤلاء الفتيات هن ضحايا فقر وجهل وقلة وعي وتعليم، ويجب التعامل معهن في المغرب قبل مجيئهن للإمارات»، تضيف بختي. رأي سارة في طريقة التعاطي مع إشكالية هجرة بعض الفئات الاجتماعية الهشة نحو بلدان الخليج تشاطرها أيضا سعاد السايسي، المحامية بهيئة الرباط، التي انتقلت للإمارات للاشتغال كمستشارة قانونية لدى أحد أكبر مكاتب المحاماة في أبوظبي. تقول سعاد بأسف كبير: «في البداية واجهت صعوبات كثيرة بسبب نظرة الاستغراب لوجود محامية من أصل مغربي تشتغل كمستشارة في مكتب المحاماة، فقد لاحظت آنذاك أن الصورة التي كانت مرسومة حول المغربية هو أن مستواها التعليمي رديء وأن ليس لها من الكفاءة لتقتحم مجموعة من الميادين، لكن بالعمل استطعت إثبات عكس ذلك وتمكنت من تغيير مجموعة من الأفكار الخاطئة». بالنسبة لسعاد فمسألة الصور النمطية حول النساء المغربيات في دول الخليج تم إلصاقها عنوة بهن، «والحقيقة أنه وجب علينا كمغاربة أن نهتم بالنماذج المشرفة الكثيرة التي تمثل البلد أحسن تمثيل، مادام أن عددا من الكفاءات أضحت تأتي لهذا البلد ليس من أجل الزواج وجمع المال، بل لتحقيق مستويات متقدمة من التعليم والكفاءة المهنية». لا للتعميم تجربة النساء المغربيات الرائدات في دول الخليج لم تتوقف عند مجال المال والأعمال والتألق الفردي، بل وصلت إلى المساهمة في تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين في عدد من المجالات الحساسة، كالقطاع الديني. سناء ثابت، صحافية مغربية بمجلة «زهرة الخليج»، تؤكد ل«المساء» أن دول الخليج تتواجد بها جالية مغربية مكثفة، على خلاف ما كانت تعتقد قبل دخولها لدولة الإمارات، حيث وجدت مجموعة كبيرة من المهندسات ونساء الأعمال، وأيضا الطبيبات اللواتي يشتغلن في هذه الدولة رغم عائق اللغة، والعشرات من الصحافيات والصحافيين الذين يشتغلون بمجموعة من الجرائد المحلية والقنوات الدولية. وإلى جانب هذه الفئات، توجد أكثر من 20 مرشدة دينية مغربية دورهن هو تقديم الفتوى عندما يتصل مواطن ما بمركز الإرشاد للسؤال حول قضية دينية، إذ يمكن للمتصلة أن تصادف مرشدة مغربية، نظرا لأن المذهب المعتمد هو المذهب المالكي. واقع يشكل بالنسبة لسناء شرفا كبيرا لأن تقديم امرأة مغربية لخدمات دينية من هذا النوع هو خير رد على بعض الاتهامات الباطلة. وتسترسل سناء قائلة: «عندما جئت للإمارات كان يجب أن أحصل مرة أخرى على رخصة السياقة، فلما توجهت إلى المدرسة وجدت أن المدربة من أصل مغربي، وبالتالي فالمغربيات يشتغلن في مختلف المجالات، فهناك مضيفات الطيران وعاملات في مجال التسويق وفي مختلف المجالات، وليس فقط في الحلاقة والتجميل». لكن الشريحة الأكبر والصامتة بالنسبة لهذه الصحافية المغربية هي فئة المغربيات المتزوجات، حيث أكدت أن هذه الفئة «تشعر بإساءة كبيرة عندما تجد من يتحدث بسوء عن المهاجرات المغربيات في دول الخليج، لأن هؤلاء يعشن في ظروف محترمة، لكن السقوط في التعميم يحدث لديهن جرحا كبيرا». وتضيف باستياء كبير: «أشعر بالعار عندما أفتح موقعا ما وأجد شخصا يكتب بنوع من التعميم، فهذه أمور كانت ربما في الثمانينيات والتسعينيات، لكن سواء بالنسبة لدولة الإمارات أو المغرب، فإنهما يحاربان هذه الوضعيات المسيئة، والإمارات العربية المتحدة هي دولة موقعة على اتفاقية لمحاربة الاتجار في البشر». «الجنسية المغربية» تمنع النساء من الحصول على تأشيرة الكويت خلال تقديم المهاجرات المغربيات لشهاداتهن حول واقع الهجرة في دول الخليج، فجرت إحدى الكفاءات المغربية إشكالية عميقة تتعلق بمنع مغربيات من دخول بعض الدول الخليجية حتى في إطار العمل. تقول إيمان الغول، مديرة منطقة الشرق الأوسط لشركة فرنسية، إنه «عندما تكون جنسيتنا المغربية عائقا في العمل فهذا مؤلم»، إذ ناشدت إيمان السلطات المغربية والبرلمانيات الحاضرات في فعاليات الأسبوع الثقافي المغربي في الإمارات التدخل, بعدما أوقفت دولة الكويت منح جميع التأشيرات الخاصة بالمغربيات، وبدون استثناء. خطوة تشكل بالنسبة لهذه المهاجرة عائقا في العمل، فهي التي تشتغل مديرة تنفيذية لدى شركة أجنبية لا تستطيع دخول السوق الكويتية. «لقد شعرت بالصدمة عندما تم الإعلان في الجرائد بأنه من الآن فصاعدا لا يمكن للمغربيات الدخول للكويت، فأنا أحس وكأنني أشتغل في مجال سيء السمعة، في الوقت الذي أعمل في مجال يشرف المغرب»، تضيف إيمان. أهم ما في الأمر هو أن تتدخل الدولة أو السفارة حتى تساعد الحالات الخاصة. «فربما هذه الدولة لا تريد دخول بعض الفئات حرفية، ولكن أن تكون سيدة إطار عال مشتغلة مع مؤسستها، ولا تستطيع الولوج للسوق الكويتي لملاقاة الزبناء، فهنا يصبح العمل صعبا، وربما قد تسير دول أخرى في نفس الخطوة التي أقدمت عليها دولة الكويت».