لم يكتف السلاطين والمنتصرين من هزم أعدائهم فقط، بل كانوا يعمدون-حيث كان الأمر سنة جارية- إلى عرض المعتقلين والأسرى بعد انحسار «الحركات»، على العموم في الساحات العامة وأمام المساجد في إطار ما عرف ب«التطواف»، أي حمل المعتقلين في أقفاص على الدواب والسير بهم في الطرقات، لتقف العامة على مصائرهم الدرامية. كما كانت هناك عادة أخرى، استمرت حتى بداية القرن العشرين، وهي قطع الرؤوس وتمليحها، بغية تعليقها على أسوار المدن الكبرى، وقد كان الحرفيون اليهود يتكفلون بعملية تمليح الرؤوس، وإلى هذه الحرفة يرجح تسمية «الملاح»، كما كان الهدف من تمليحها، هو تجنب الروائح الكريهة المنبعثة منها، قبل عرضها للعموم بساحة جامع الفنا أو تعليقها على أبواب الأسوار، بباب الخميس. لكي تكون عبرة لمن تسول له نفسه العصيان، لأن اليهود-آنذاك- كانوا متخصصين في تمليح رؤوس البشر المقطوعة، وهي حرفة تعود بجذورها لحرفة تحنيك المومياءات بمصر القديمة. ويروي المختار السوسي مصير أحد القادة المحليين، الذي رفض الخضوع لهيمنة أحمد الهيبة، المعروف ب«السلطان الأزرق»، وهو القائد حيدة بن مايس المنبهي، حين هزمته قوات الهيبة في معركة إيكالفن، سنة 1917 قرب مدينة تزنيت، جاء في مؤلف المختار السوسي «إيليغ قديما وحديثا»: «ما إن قتل حيدة حتى صار أصحابه يفرون، وينهب بعضهم بعضا، وحكى لي من حضر، أن أحد جنوده كان على فرس فمر بكاتبه الطيب بن صالح الروداني فسلبه كل ما عليه، وكان الطيب بدينا جبانا فجعل يأمر من يمرون به هاربين أن يضرموا النار على وجه حيدة، لأنه كان يخشى أن يُعرف فيُقطع رأسه» ويبدو أن عادة قطع رؤوس الأعداء والطواف بها في الأسواق وبين القبائل كانت مستحكمة في القبائل السوسية، حتى أن الطيب هذا تمنى لو يحرق وجه سيده حيدة فلا يعرف! لكن حيدة عُرف وقطعت رأسه «وذُهب بها إلى باب مسجد قرية أكادير، حيث اجتمع القواد المشاركون في المعركة(أحدهم المدني لخصاصي الشهير)، وهناك قرروا أن يُطاف برأس حيدة في الأسواق، قبل أن يُرسل إلى الشيخ أحمد الهيبة في كردوس . وتخليدا لذلك قال الشاعر الأمازيغي: «أكايونس(رأسه)إدّا(ذهب)أذ إيبرام أماس إيفران(ذهب ليقوم بجولة في إفران الأطلس الصغير)». أحد أشهر الثائرين على الحكم العلوي، وهو الجيلالي الزرهوني المكنى ب«بوحمارة»، شكل هو وأتباعه موضوعا لتلك الطقوس العقابية، فبالنسبة لأتباعه فقد كانت قوات السلطان بقيادة بوشتى بن البغدادي، قائد المحلة، تقطع أرجلهم وأيديهم دفعة واحدة، مع تركهم يموتون ببطء، وهو الأمر الذي استرعى تدخل الدول الكبرى عبر ممثلياتها الدبلوماسية بطنجة. فقد سجلت الوثاق الدبلوماسية الفرنسية، «عبر مراسلة 28 غشت 1909، الموجهة من طرف "رينيول" الى "بيشون"، التي تشرح تحركات البعثات الدبلوماسية الدولية بطنجة، فممثلي ثلاث دول، وهي روسيا بريطانيا وإسبانيا. توجهوا إلى السلطان من أجل حمله على وقف التمثيل بالأسرى، والقتل البطيء ضد أتباع الروكي. أما ممثلو الولايات المتحدة، وألمانيا، وبلجيكا والبرتغال، فقد عبروا عن دعمهم الشخصي للمساعي السابقة نفسها لدى السلطان، في انتظار تعليمات رسمية من دولهم. في حين عبر ممثل مصالح النمسا وهنغاريا عن كون العقوبات الممارسة، ينص عليها القرآن، كما ذكر أن ممثله في فاس لم يطلعه على ما يتعرض له الروكيون في فاس، وعليه، فمن المتعذر بالنسبة له أن يطلب تعليمات من دولته، ما لم يتوصل بتقرير رسمي. وفي 28غشت 1909، أبرق رينيول إلى بيشون، يطلعه على وصول الروكي إلى فاس في 24 غشت. وكان مأسورا في قفص محمول على جمل، واقتيد، على هذه الحالة، إلى السلطان عبد الحفيظ. كان المخزن قد نادى على سكان العاصمة، للحضور إلى الساحة الكبرى بالمشور-وقد أشرعت أبوابها- حيث توالت العروض، بحضور السلطان، الذي كان جالسا ومحفوفا بوزرائه بقبة عند مدخل القصر. كما كانت هناك أيضا فرق تتناوب على عزف الموسيقى العسكرية. وبعد أن تم الطواف بالأسير في أرجاء ساحة المشور، اقتيد أمام السلطان. وكان يبدو عليه التعب الشديد، لكن ملامح وجهه الصارمة، واللامبالاة التي كان ينظر بها إلى الحشود، نالت إعجاب الأوربيين. دخل –حينها- السلطان في حوار قصير مع «بوحمارة»، وذهل السلطان لإجاباته الهادئة النبرات، فأمر بحمل الروكي إلى "بنيقة" الحاجب، حيث بوسعه تناول الطعام والراحة. وهو يُحمل نظر السلطان إليه وهو يقول، بنبرة ملغزة: «لا تقتلوه ولا تمثلوا به». وفي يوم الأربعاء8 شتنبر، أعلن مولاي حفيظ عن عزمه على إعدام بوحمارة، استباقا لكل المساعي المعرقلة، من طرف الهيآت الدبلوماسية. إذ أمر بإخراج بوحمارة من الجناح الذي أودع فيه، لاقتياده إلى داخل دار المخزن، قرب المكان حيث تعرض الوحوش.