من حسن حظ أبناك مدينة تطوان أن عدوى سرقة الأبناك من طرف لصوص هواة أو محترفين، والمنتشرة خلال السنتين الأخيرتين في المغرب لم تنتقل إليها بشكل قوي وملفت. فأغلبية سرقات أبناك المدينة تمت من نفس مستخدميها، أي «حاميها حراميها»، على حد تعبير رئيس وكالة بنكية بتطوان. وإذا كانت المدينة قد عرفت نهاية السبعينيات أول محاولة سرقة احترافية من طرف أحد الأشخاص، قبل أن يلقى عليه القبض على بعد 20 مترا بعد مغادرته البنك الموجود بشارع محمد الخامس، وهو يحمل قناعا على الوجه، ومسدسا قيل حينها إنه كان بلاستيكيا، فإن تطوان تعيش حاليا نوعا من الهدوء بخصوص ظاهرة سرقة الأبناك، رغم قربها من مدينة سبتة ومن إسبانيا حيث تتوزع عصابات الجريمة المنظمة المختصة في السطو على الأبناك الإسبانية، سواء بالعنف أو بطريقة احترافية على شكل الأفلام الهوليودية. ففي تطوان قلما يصادفك في باب إحدى الوكالات البنكية حارسا للأمن الخاص كما هو عليه الشأن في عدد من المدن الأخرى. «كاميرات المراقبة تكفي، وإننا نحمد الله على أن الظاهرة لم تنتشر في ولاية تطوان»، يقول مستخدم بنكي. إن وضع أنظمة إنذار وأجهزة مراقبة و«نشر» عشرات الحراس الخاصين، ليس هو الحل المجدي في نظر المستخدم، إذ يشير الأخير إلى أن مذكرة وزارة الداخلية التي تنصح بتشغيل حراس الأمن الخاصين للمراقبة «سوف لن تفيد سوى شركات الأمن الخاص التي أصبحت تنبت كالفطر في المدن المغربية» يقول. فبعد تنامي ظاهرة سرقة البنوك في المغرب، عملت وزارة الداخلية، بتنسيق مع باقي الفاعلين والمشرفين في القطاع البنكي، على وضع خطة جديدة لمكافحة هذه العمليات، في محاولة لاستباق تحركات اللصوص وإحباط مخططاتهم قبل تنفيذها. ونصحت الوزارة باتخاذ إجراءات أمنية على مرحلتين، الأولى تتمثل في وضع أنظمة للإنذار وتثبيت كاميرات للمراقبة أمام الشبابيك الأوتوماتيكية وعلى مداخل البنك وقبالة شباك سحب وتسليم الأموال، إضافة إلى تشغيل حراس أمن خاصين. كما جرى تتميم هذه الإجراءات الأمنية بشكل تدريجي بوضع مجموع الترتيبات المقررة في اتفاقية 12 يونيو الماضي. هذه الاتفاقية الموقعة من قبل وزارة الداخلية والمجموعة المهنية لأبناك المغرب، حددت «الحد الأدنى من الوسائل والإجراءات الأمنية التي ينبغي توفيرها». وأجمع مسؤولو الأبناك حينها على أنه يتعين على الوكالات البنكية الجديدة، احترام مختلف الإجراءات الأمنية المتفق عليها أثناء انطلاقها في العمل. ولعل أطرف سرقة لبنك في مدينة تطوان تلك التي تمت خلال شهر ماي من سنة 2005 حينما غالب النوم لصا أثناء محاولته سرقة بنك يتواجد في مدخل المدينة، مما سهل عملية إلقاء القبض عليه صباح اليوم الموالي داخل الوكالة البنكية. فاللص «القاصر»، الذي لم يكن يتجاوز سنه 15 سنة، تسلل إلى فرع مؤسسة بنكية قبل انتهاء فترة العمل بها وظل مختبئا في دورة المياه إلى حين خروج جميع المستخدمين بالمؤسسة. وحاول اللص بعدها فتح خزينة الأموال مستعينا بمقص تقليدي وآلة حديدية وجدها في أحد المكاتب، لكنه اكتفى بحظه في نهاية المطاف و«قنع» بكيس دراهم يضم 7300 درهم. ورغم أن عملية السرقة لم تكن احترافية، فإن اللص تمكن من إبطال جهاز الإنذار بالبنك قبل أن يخلد للنوم على أريكة وثيرة أغرته للاسترخاء فوقها، ليلقى عليه مستخدمو البنك القبض في الصباح. وحسب المعلومات المستقاة حينها، فإن الشاب كانت له سوابق في السطو على الأبناك، حيث سبق له أن سرق مبلغ 2300 أورو من دار للعجزة بالعاصمة الإسبانية مدريد واستولى على مبلغ 1500 قبل أن يعود أدراجه فارا إلى المغرب. ويقول مدير الوكالة البنكية بتطوان إنه في الوقت الذي يتم فيه اتخاذ احتياطات كبيرة خوفا من مداهمة اللصوص لهم والسطو على مصارفهم، فإن «أغلب السرقات تتم، في بعض الأحيان، للأسف، من طرف بعض المستخدمين منعدمي الضمير». ففي أواخر شهر غشت الماضي حلت بمدينة تطوان لجنة مركزية من الإدارة العامة للتجاري وفا بنك، يترأسها المدير المركزي، للتحقيق بشأن الاختلاسات التي عرفتها هذه المؤسسة البنكية بتطوان. وحسب مصادر مقربة من التحقيق، فإن البنك عرف اختلالات مالية غير مسبوقة، حيث لوحظ عدم التوازن المالي في ما يخص ودائع الزبناء، بخصوص الصندوق المركزي للبنك المذكور بتطوان. وقدر حجم الاختلاسات التي شهدها البنك بأكثر من مليار سنتيم. حامت الشكوك حول رئيس الصندوق المركزي بتطوان والذي يشغل، في نفس الحين، منصب النائب العاشر لرئيس المجلس البلدي بتطوان. مباشرة بعد علمه بحلول لجنة مركزية للتدقيق والتحقيق في الحسابات، سارع إلى حزم حقائبه نحو الخارج، وتمكن من مغادرة تطوان عبر معبر باب سبتة، قبل أن يدرج اسمه ضمن قائمة المبحوث عنهم والممنوعين من مغادرة التراب الوطني. نفس الحالة تقريبا وقعت منذ شهر وفي مدينة تطوان أيضا، فقد أفادت بعض المصادر البنكية بأن إحدى السيدات المقيمات بالخارج فوجئت باختلاس مبلغ يناهز 41 مليون سنتيم من حسابها المودع بإحدى وكالات البنك الشعبي بمدينة تطوان، حيث كانت متعودة على إيداع مدخراتها المالية بهذا الفرع، واضعة ثقتها في أحد المستخدمين المكلفين باستلام الودائع. لكن المستخدم استغل فترات غيابها بالخارج ليقوم باستخراج مبالغ مالية من حسابها البنكي دون علمها وعلى شكل دفعات، كما قام بتزوير توقيعها للقيام بسحب الأموال. وخلال زيارتها الأخيرة التي قامت بها الزبونة المقيمة بالخارج إلى مدينة تطوان بهدف اقتناء بقعة أرضية، اضطرت إلى سحب أموالها المودعة بالبنك المذكور، لتفاجأ بوجود نقص كبير في كشف حسابها، فاتجهت إلى مدير الفرع المسؤول لتخبره بهذا الخطأ. وبعد مراجعة عمليات السحب التي عرفها حسابها البنكي، اتضح أن عمليات السحب التي تحمل توقيعها المزور تمت أثناء فترة تواجدها خارج المغرب، حيث ثبت ذلك من خلال أختام الدخول إلى التراب المغربي. لتحوم الشكوك حول المستخدم البنكي بنفس الوكالة والمكلف باستلام ودائع االزبائن، يقول المصدر، فتمت مواجهته بالأدلة، وهو ما نفاه حينها قبل أن يعترف بالسرقة تحت ضغط التهديد باللجوء إلى النيابة العامة. تم طي الملف داخليا وفي تكتم شديد، وقدم المستخدم التزاما إلى الإدارة وإلى الضحية بإرجاع المبلغ المالي المذكور. كما أن ساكنة تطوان مازالت تتذكر السرقات المتتالية التي كان يتعرض لها بعض محولي الأموال، «الصرايفية»، وهم أشخاص معروفون بصرف العملة في مدينة تطوان، إذ سبق أن تعرض أحدهم بمدينة المضيق لسرقة أكثر من 70 مليون ستنيم بالقوة من طرف عصابة مختصة، ونجا منذ ستة أشهر من محاولة سطو مماثلة، حيث حاول أحد الأشخاص إحداث ثقب بالجدار الخلفي لكشك الجرائد الذي يستعمله كمصرف للعملة، من داخل منزل غير آهل بالسكان والمجاور للدكان، لكن المحاولة باءت بالفشل، ليتم إطلاق سراح اللص في «ظروف غامضة»، يقول صاحب محل تحويل العملة بمدينة المضيق.