يبدو أن الحصى الذي وضعه شباط في «صباط» بنكيران، بإعلانه انسحاب حزبه من الأغلبية ولجوءه إلى الفصل 42 من الدستور الذي يستدعي تدخل الملك، قد جعل رئيس الحكومة يخلد إلى راحة بيولوجية مؤقتة من صداع الأغلبية؛ فبعد مرور شهر على قرار حزب الاستقلال وعدم حدوث أي أثر دستوري أو سياسي لهذا القرار، يوجد بنكيران اليوم في وضع مريح جدا فيما توجد الحكومة ومنذ شهر في وضع «اللي ما هي مطلقة ماهي مزوجة»، وهو أمر اعتقد الجميع أنه سيدفع بنكيران إلى إيجاد مخرج سياسي من الأزمة، فإذا برئيس الحكومة يفاجئنا بكونه «مامسوقش»، وفوق ذلك يحظى بثقة الملك. بنكيران وعلى هدي نظرية «مامسوقش»، لا يهمه، على ما يبدو، أن يسجَّل على حكومته أنها حكومة عرجاء، وعناده الذي يشهره في وجه شباط مفاده أن حزب العدالة والتنمية مستعد لخلع الحذاء والمشي حافيا إذا صمم شباط على دس الحصى بداخله. ولكي يفهم الناس عمق العناد السياسي عند إخوان بنكيران، يجب الرجوع إلى القيادي أفتاتي حين أفتى، في لقاء نظمته شبيبة حزبه بفاس نهاية الأسبوع الأخير، بقوله: «في الساحة السياسية اليوم، هناك حزب العدالة والتنمية...»، يعني بلغة العوام «احنا بوحدنا مضويين البلاد». وحين حصد «البيجيدي» أغلبية أصوات الانتخابات ووصل إلى السلطة وأضحى الحزب الأغلبي، ظن الناس أن حزبا، كان «يحمر الشوفة» في وجوه الفساد والريع والاستبداد وهو في المعارضة، سيتحول إلى «غوريلا» سياسي ينظف البلاد ويطهرها ويرفع من مؤشرات التنمية ويخلق فرصا للشغل ويزيد في أجور صغار الموظفين ويقوي الطبقة الوسطى ويوزع خيرات البلاد بشكل عادل ويقيم عدالة اجتماعية ويعيد إنتاج منظومة ضريبية تضع في الاعتبار الفوارق الموجودة في المجتمع وتسعى إلى إحداث توازن بين مغاربة يفيقون صباحا ويتجهون مع أطفالهم ونسائهم بحثا عن الماء في الآبار وبين مغاربة يبيتون في «الجاكوزي» ويسقون ملاعب الغولف بالماء الصالح للشرب. لكن تجربة الإخوان في حزب العدالة والتنمية حتى الآن في السلطة كشفت أن هؤلاء الناس أصيبوا حقا بنرجسية من درجة قصوى؛ وأن نظرية «مامسوقش» ليست سوى المفتاح السحري لهذه النزعة التي جعلت القيادي أفتاتي يضع حزبه في إحدى كفتي الميزان فيما يجمع باقي أحزاب المغرب في الكفة الأخرى. ومع أن الميزان لا كفة ثالثة له، فإن البرلماني أفتاتي يكون، بهذا التصنيف، قد طغى في الميزان، تماما كأولئك الباعة المتجولين الذين يدققون الوزن بالاستعانة ببطاريات الدراجات النارية وبالأحجار الصغيرة و«الشقايف». لكن أجمل شيء تحقق حتى الآن منذ وصول العدالة والتنمية إلى السلطة هو أن المغاربة كانوا ينتظرون من بنكيران، الذي يمتلك السلطة، أن يحرر بيوتهم، التي تحولت إلى عتبات لتقشير السردين وبيع الدلاح بعد أن استولى عليها الباعة المتجولون الذين طغوا في الأرض عندنا، فإذا بهم يرون كيف قربت الحكومة الباعة المتجولين من السادة البرلمانيين؛ وحين خرج القيادي الاتحادي لشكر قبل أسبوع يصف البرلمان الحالي ب«أتفه برلمان عرفه المغرب»، تيقن الناس من ذلك أول أمس فقط حين تداولت وسائل الإعلام صورا تكشف تحول مقر البرلمان إلى «قيسارية ديال الثوب». وبناء على ذلك، لن يكون مستغربا غدا لو فتح البرلمان أبوابه لبائعي «الديطاي»، كيفلا وقد سبق لبنكيران أن وعد «مول الديطاي» في فاس، في صورة شهيرة جمعتهما، بقوله: «غادي يكون خير أولدي». لكن الخير الذي انتظره المغاربة من هذه الحكومة لم يظهر بعد، الشيء الوحيد الذي ظهر حتى الآن هو 2250 مليون دولار التي اقترضها بنكيران من الخارج، وحين يصعِّد صندوق النقد الدولي من لهجته محذرا الحكومة، يذهب بنكيران بدوره بعيدا حين يحذر المغاربة من الخوخ الذي لا يداوي نفسه، في إشارة إلى أن البلاد ليست فيها أحزاب قادرة على إخراجنا من الأزمة، وأن لدينا فقط حزبا أوصى الناس ب«وياكم» من الرشوة واليوم يحذرنا من الخوخة، أما عامة الناس فدعاؤهم في ما يقع هو: الله يفك سراحنا.