يدخل اليوم قرابة 500 ألف تلميذة وتلميذا من المترشحات والمترشحين لاجتياز امتحانات الباكالوريا برسم موسم 2012 -2013 غمار الأجواء الفعلية لهذه الامتحانات، التي تعَدّ بالنسبة إليهم بمثابة المحطة الحاسمة والانتقالية في حياتهم الدراسية. ويرتفع خلال هذه الأيام منسوب الضغط النفسي، سواء لدى المقبلين عليها من التلاميذ أو لدى أفراد أسرهم، الذين يجدون أنفسهم -بشكل أو بآخر- وسط دوامة الامتحانات وأجوائها وطقوسها. وتتميز فترة الامتحانات لهذه السنة، على الخصوص، بتأكيد وزارة التربية الوطنية، من جديد، استمرارها في التصدّي لظاهرة الغشّ، بجميع الوسائل والطرق، من أجل إعادة الاعتبار للقيمة الحقيقية لشهادة الباكالوريا والسعي نحو تحقيق مستوى معقول من «تكافؤ الفرص» بين المترشحين والمترشحات.. فبعد أن سجلت الوزارة خلال السنة الماضية 3112 حالة غشّ في امتحانات الباكالوريا، تراهن من خلال الإجراءات المتخَذة خلال هذه السنة على تخفيض هذا الرقم ومواجهة مظاهر الغشّ، بشتى الوسائل المتاحة، وكذا التصدّي لبعض حالات الاعتداء التي تعرض لها بعض المكلفون بالحراسة السنة الماضية، حتى لا تعود بعض صورها إلى الأذهان من جديد. وفي هذا الصدد، أدلى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، بتصريح رسميّ حول موضوع الغشّ في الامتحانات، أعلن فيه مصادقة الحكومة على قانون لضمان الحماية للمكلفين بالحراسة وإقرار المتابعة الجنائية في حق المعتدين على المكلفين بالحراسة أثناء اجتياز الامتحانات. كما أكد الخلفي -في تصريح عقب المجلس الحكومي الأخير- أن حيازة الأجهزة الإلكترونية، سواء مشغلة أو غير مشغلة، تعد عنصرا من عناصر الغشّ.. كما أدلى وزير التربية الوطنية محمد الوفا، بدوره، بتصريح حول الموضوع يؤكد فيه منع التلاميذ والأساتذة المكلفين بالحراسة من جلب الآلات الإلكترونية والهواتف إلى قاعة الامتحانات. وقال الوفا، في التصريح ذاته، إنه ستكون هناك إجراءات تأديبية بدل جنائية في حق المتورّطين في حالات الغش، وهي الإجراءات التي تبدأ بمنح «الغشاشين» نقطا موجبة للرّسوب، وقد تصل إلى المنع من اجتياز الدورة الاستدراكية أو المنع لسنة أو لسنتين من اجتياز الامتحانات.. كما أكد الوفا أنّ اللجن المكلفة بالتصحيح أصبح لها الحق، كذلك، في ضبط حالات الغش حتى أثناء قيامهم بعملية التصحيح. وبخصوص الاعتداءات التي كان يتعرّض لها بعض المكلفين بالحراسة من طرف بعض التلاميذ، فقد شدّد الوفا على أنّ متابعة الغشاشين ستكون جنائية، في حال ثبوت تورطهم فيها. وتوعّدت الوزارة بمتابعة المتورّطين في أنشطة «الشبكات الإلكترونية»، سواء التي تتم داخل قاعات الامتحانات أو خارجها، في إشارة إلى صفحات التواصل الاجتماعي أو المواقع الإلكترونية التي كانت تقوم بتسريب مواضيع الامتحانات وتصحيحها وتمريرها بين المترشحين، وهي شبكات أطلقت بعضها من جديد تهديداتها بالاستمرار في تسريب مواد الامتحانات خلال هذه السنة، في تحدّ لتصريحات المسؤولين.. ومن خلال هذه الإجراءات التي أعلنت كل من الحكومة ووزارة التربية الوطنية عن اتخاذها للتصدي لظاهرة الغش في الامتحانات، يظهر جليا أنّ القائمين على الشأن التربوي ماضون في مسلسل مواجهة الظاهرة والمتورطين فيها، عبر ترسانة إجراءات قانونية سيتم تحريك مساطرها في حق المصرّين على اجتياز الامتحانات عبر طرق الغش المختلفة.. ولعل العبارة الوحيدة التي خفّفت من لهجة الوزارة تجاه المقبلين على اجتياز امتحانات الباكالوريا خلال هذه السنة هي تلك التي طمأن فيها وزير التربية الوطنية المترشحات والمترشحات وخاطبهم بالقول: «كنقوليهم ما يتخوفوشْ بزاف، وْهاد الشي كلو تنظيم للامتحان، باش نحافظو على الباكالوريا ديالنا المعترَف بها دوليا وعلى تكافؤ الفرص». ورغم محاولة القائمين على الشأن التعليمي التخفيف من حدة «الاستنفار»، الذي يبدو أن مراكز الامتحانات ستشهده خلال هذا الموسم، فإنّ مجموعة من التصريحات التي استقتها «المساء» من تلميذات وتلاميذ مقبلين على اجتياز الامتحانات أجمعت على أنّ الأمور «لم تعد سهلة»، كما في السابق، وأنهم أخذوا تحذيرات الوزارة على محمل الجد، دون أن يُبدوا تخوفهم من احتمال التأثير العكسي لتلك الإجراءات على نفسية المترشحين والمترشحات.. «هادشّي مْزيانْ، ولكنْ خاصّ الوزارة تعاقب حتى شي أساتذة لي كيوريو لشي وْحدينْ».. عبارة أطلقتها التلميذة «ن. ع.»، التي تأسفت كذلك لعدم إنجاز الوزارة والحكومة وصلات إشهارية ذات طابع تربويّ، بإمكانها أن تذكيّ في المترشحات والمترشحين روح العمل والاجتهاد، وتحذرهم من مساوئ الغشّ وعواقبه، حتى لا تبقى المقاربة الزّجرية والعقابية هي الطاغية على معالجة ظاهرة الغشّ في الامتحانات. كما عبّر عدد من التلاميذ والتلميذات المُستجوَبين عن أملهم في أن تعيد الوزارة النظر في الكمّ الهائل للمواد والدروس التي يتم امتحانهم فيها، والتي اعتبروها فوق طاقتهم، الأمر الذي يدفع العديد منهم إلى التفكير في وسائل الغش هربا من «الحفظ»، متمنين في الوقت ذاته أن تقوم الوزارة، في قادم السنوات، بالتقليص من عدد تلك المواد والدروس، وكذا بإعادة النظر في الطرُق التي يتم بها وضع أسئلة الامتحانات والرّقي بها إلى مستوى الأسئلة التي تذكي في التلاميذ روح التحليل والنقد وتمنحهم هامشا من الحرية أثناء الإجابة، بدل تلك الأسئلة النمطية، التي تعتمد على الكمّ وعلى قاعدة «رد البضاعة إلى أهلها»..