كشفت دراسة جديدة للمجلس الوطني للتجارة الخارجية التابع لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية والتكنولوجيات الحديثة، عن معطيات صادمة بخصوص مساهمة الاستراتيجيات القطاعية للدولة في تعميق العجز التجاري والانعكاسات المترتبة عن ذلك، بخصوص ميزان الأداءات وتراجع احتياطيات العملة الصعبة. واعتبرت الدراسة، التي أنجزها مكتب «كولدن أنتلجنس بارتنر» لصالح المجلس الوطني للتجارة الخارجية، أن استمرار الحكومة في الاعتماد على تشجيع الطلب النهائي في استراتيجياتها القطاعية، سيساهم في تفاقم العجز التجاري إلى مستويات غير محتملة، وهو ما سيكبد الاقتصاد الوطني خسائر باهظة، مشيرة إلى أن ما يعرقل النمو الاقتصادي بالمغرب هو ضعف القيمة المضافة المحلية والعجز المتزايد للاندماج في القطاع الإنتاجي. وأعطت الدراسة أمثلة عن المشاكل التي تتخبط فيها بعض القطاعات الخاضعة للاستراتيجيات القطاعية، حيث اعتبرت أن القيمة المضافة لقطاع تصبير «السردين»، الذي يخضع لاستراتيجيات المخطط الأخضر ومخطط الصناعات الميكانيكية والمعدنية والإلكترونية واستراتيجية التطوير اللوجيستيكي، تبقى ضعيفة جدا، وذلك يعود بالأساس إلى أن معظم العناصر الأساسية، التي تدخل في إنتاج السردين المصبر، وعلى رأسها آلات التصبير والعلب المعدنية، وحتى الخبرات، يتم استيرادها من الخارج. وتأسفت الدراسة لكون أن الأمر نفسه ينطبق على قطاع السيارات، الذي يستورد جزءا مهما من حاجياته من المواد الأساسية في الإنتاج، خاصة المحركات، من الخارج، وهو ما يؤدي إلى انخفاض القيمة المضافة لمعامل السيارات في المغرب إلى 30 في المائة فقط، مقابل أزيد من 80 في المائة في بلدان أخرى، مضيفة أن قطاع صناعة الطيران في المغرب، والذي يتطلب إمكانيات وبنيات تحتية ضخمة مازالت غير متوفرة في المغرب، يعاني المشكل ذاته. وأكدت الدراسة أن حجم واردات الصناعة الغذائية بالمغرب من المواد والمنتوجات الفلاحية الخام، التي تدخل في عملية الإنتاج، تضاعف بين سنتي 1998 و2011، منتقلا من 3421 إلى 8139 مليون درهم، مضيفة أن الأمر نفسه وقع بالنسبة لقطاع المنتوجات الكميائية، حيث تضاعف حجم واردات القطاع من المواد الأساسية لينتقل من 1148 مليون درهم سنة 1998 إلى 3246 مليون درهم سنة 2011. ورغم ذلك، فقد اعتبرت الدراسة أن الاستراتيجيات القطاعية مهمة للغاية في عملية ضبط العجز التجاري، حيث وضعت مجموعة من السيناريوهات، التي ألغت فيها العمل بالاستراتيجيات القطاعية وخلصت في هذه الحالة إلى أن العجز التجاري سيتفاقم ب30 في المائة في أفق سنة 2015. وانتهت الدراسة إلى أن الحكومة مدعوة إلى خلق نوع من التجانس والتقاطع بين الاستراتيجيات القطاعية، والبحث عن تقليص واردات مجموعة من القطاعات عن طريق تشجيع خلق بعض المواد الأولية داخل المغرب، وكذا تشجيع استعمال الطاقات البديلة لتقليص حجم الفاتورة الطاقية، التي تساهم بشكل كبير في تفاقم العجز التجاري.