اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي        "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    الدار البيضاء.. اعتقال شخص مبحوث عنه وطنياً تسبب في دهس مجموعة من المواطنين بسيارته    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لسنا إرهابيين.. حتى نعتذر
نشر في المساء يوم 27 - 05 - 2013

من تابع الصحف ومحطات التلفزة البريطانية في الأيام الثلاثة الماضية، يخرج بانطباع مفاده أن البلد في
حالة حرب عالمية عظمى، وأن طائرات الأعداء تقصف المدن البريطانية بصواريخها النووية.
إعلان حالة طوارئ قصوى، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون يقطع زيارة رسمية ويعود فورا، ويجتمع فور وصوله باللجنة الأمنية العليا (كوبرا) التي تضم قادة أجهزة المخابرات والشرطة.
كل هذا حدث لأن شابين مسلمين من أصل نيجيري، أحدهما اعتنق الإسلام قبل عشر سنوات، أقدما على قتل جندي بريطاني بطريقة دموية بشعة، وقال شهود عيان إن أحدهما كان يقول «الله أكبر» وهو ينهال على الجندي بساطور.
هذه الجريمة مدانة في كل القوانين، والطريقة التي نفذت من خلالها تنطوي على الكثير من الوحشية والنزعة الانتقامية التي تخفي حقدا دفينا وتعطشا لسفك الدماء.
منذ اللحظة الأولى لانتشار نبأ حدوث هذا الهجوم على الجندي، وبثّ صور القاتل وفي يده اليمنى ساطور ملوث بدماء الضحية، أما راحة اليد اليسرى فكانت حمراء قانية يلوّح بها صاحبها لكاميرات أجهزة الهاتف النقال المتعطشة لالتقاط الصور، نقول منذ الدقائق الأولى بدأت الحملات المكثفة لتجريم الإسلام والمسلمين، وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
لم ينتظروا نتيجة التحقيقات، ولا اكتمال البحث الجنائي، وتحليل شخصية المتورطين، وما إن كانا تحت تأثير الكحول أو المخدرات، أو أنهما مجندان من جهات تريد تأثيم الإسلام والمسلمين، أو يعانيان من أمراض نفسية أو عقلية.
الصحافة البريطانية، الرصينة منها والشعبية، التقت كلها على أرضية الإثارة، ونشرت الصورة نفسها على صدر صفحتها الأولى، والدماء تقطر من يدي صاحبها، مع ترديد لكلماته التي تهدد بعدم تمتع البريطانيين بالأمان طالما أن هناك مسلمين يقتلون في أفغانستان والعراق.
كاميرون، رئيس الوزراء، الذي تزعم مجلس حرب، أعلن أن هذا اعتداء على بريطانيا مثلما هو اعتداء على المسلمين. أيّ تبسيط هذا، مقتل جندي يشكل عدوانا على بريطانيا العظمى؟
بعد دقائق على إعلان نبأ وقوع الجريمة وبدء حملات التحريض الإعلامي ضد المسلمين، تدفق المئات من أنصار الجماعات اليمينية المتطرفة إلى مكان الجريمة مطالبين بالثأر والانتقام، بينما اختار البعض الآخر الهجوم على بعض المساجد.
بوريس جونسون، عمدة مدينة لندن الكبرى، الذي نفى أن تكون هناك أي علاقة بين هذا الهجوم والسياسة الخارجية البريطانية في الشرق الأوسط، نسأله وكل الذين يحاولون تبرئة هذه السياسة ونقول: لماذا لم تشهد شوارع لندن أي اعتداءات من قبل مسلمين قبل توريط توني بلير، رئيس الوزراء الاسبق ومبعوث السلام الحالي، بلاده في حرب دموية في العراق فبرك أسبابها، وأدت إلى مقتل مليون إنسان؟
نزيد المستر جونسون من الشعر بيتا ونقول إن الشيخ خالد الفواز، سفير زعيم تنظيم القاعدة، كان يقيم في مكتب علني في شارع أكسفورد الشهير، وكان هذا المكتب بمثابة ممثلية للتنظيم في العاصمة البريطانية، والشيء نفسه يقال أيضا عن السيد أبي مصعب السوري الذي أقام مركزا للدراسات في مكتب قريب.
كل هذه الضجة المفتعلة، وكل هذه المبالغة جاءت لأن هذا القاتل اعتنق الإسلام وكبّر «الله أكبر» عندما ذبح ضحيته، ولو كان القاتل من ديانة أخرى لجرى نشر الخبر في الصفحات الداخلية، وبحرف صغير.
مرة أخرى ندين هذه الجريمة، وكل جرائم القتل المماثلة، سواء ضد بريطانيين أو أي جنسية أخرى، ولكن من حقنا أن نتوقف قليلا ونناقش الأمر بهدوء، بعد أن هدأ غبار التحريض ضد الإسلام قليلا:
الضحية لم يكن مدنيا، وإنما جنديا خدم في أفغانستان لمدة سبع سنوات، فهل فكر البريطانيون في أن جنودهم أيضا يقتلون مدنيين أبرياء أثناء حروبهم الخارجية هذه، وهل يدركون أن مقاتلي حركة طالبان يقاتلون لأنهم يريدون إخراج قوات احتلال أجنبية من بلادهم؟
لقد أرسلت السلطات البريطانية أكثر من عشرين ألف جندي إلى أفغانستان يتركزون في أكثر من مدينة، مثلما أرسلت العدد نفسه أو أكثر أو أقل إلى العراق، ألم تنخرط هذه القوات في عمليات عسكرية أدت إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى، مستخدمة كل أنواع الأسلحة من طائرات وصواريخ؟
ألم تكن الحكومة البريطانية لاعبا رئيسيا في القصف الجوي الذي مارسته الطائرات والسفن الحربية لأكثر من أربعة أشهر في ليبيا، ولا نعرف حتى الآن، بل ممنوع علينا أن نعرف كم عدد القتلى والجرحى الأبرياء الذين سقطوا بسببه؟
للمرة المليون نقول ونؤكد أننا ضد الإرهاب، وضد جرائم القتل، وأننا ضد جريمة قتل الجندي البريطاني دون تردد، ولكن نجد لزاما علينا، كعرب ومسلمين اكتوينا بنيران القتل البريطاني والأمريكي، أن نصرخ من شدة الألم.
الجالية الإسلامية في بريطانيا يزيد تعدادها على مليونين ونصف المليون مسلم، بينما لم ينفذ عملية القتل الإجرامية هذه إلا شخصان فقط هناك من يشكك في إسلامهما وسلوكهما، ونؤكد من جانبنا أن دوافعهما ما زالت غامضة.
المخابرات البريطانية كانت تراقب الشخص الأبرز منفذ الجريمة، فلماذا لم تعتقله مبكرا، ولماذا، وهي التي تراقب كل صغيرة وكبيرة وتسجل جميع المكالمات الهاتفية وترصد تحركات المشبوهين، لم تمنعه من تنفيذ هذه الجريمة؟
أنا شخصيا، وبعد أن فبرك بلير، الرجل الأقوى والأكثر نفوذا في حينها، أكذوبة أسلحة الدمار الشامل وملف إعدادها لضرب بريطانيا في أقل من خمس وأربعين دقيقة، بدأت أصدق النظريات التآمرية علينا كمسلمين وعرب، ولا أتقبل كل ما يطرح علينا من معلومات وروايات بالطريقة التي كنت أتقبلها قبل غزو العراق، وأعتقد أن هناك الكثيرين مثلي، مسلمين كانوا أو أوربيين.
أعيش في بريطانيا منذ 35 عاما وعايشت هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي في قلب لندن، ولم أسمع من يقول إن هذا إرهاب مسيحي أو كاثوليكي، ولم أقرأ أن كاردينالات الطائفة المسيحية قد خرجوا معتذرين عن هذه الهجمات، بالطريقة التي سارع بها قادة الجالية الإسلامية إلى إدانة الجريمة، وهي طريقة تنطوي على الإحساس بالذنب.
في شهر غشت عام 2011، دهست سيارة شرطة بريطانية مسلميْن اثنين كانا خارجين من مسجد بعد صلاة الجمعة، وقبل ذلك بيوم قتلت الشرطة مسلما من أصل إفريقي بالرصاص في ظروف غامضة، ولم يعتذر إلينا قادة الكنائس المسيحية ولا الشرطة.
الأرقام تقول إن أربعة آلاف مسلم حصدت أرواحهم صواريخ طائرات بدون طيار (درونز) في أفغانستان، معظمهم من الأبرياء، ومن بينهم أطفال ونساء كانوا يحضرون حفل زفاف، فهل اعتذر إلينا أحد؟ أنا شخصيا لم أسمع باعتذار صريح كهذا، بل سمعت يوم الجمعة الرئيس باراك أوباما يقول لنا إنه سيستمر في إرسال هذه الطائرات، بل والمزيد منها لقتل الإرهابيين.
من حق بريطانيا أن تدافع عن أمنها وأرواح مواطنيها، فهذا من أبرز واجبات حكوماتها، ولكن من حقنا أيضا أن نقول إن سياستها الخارجية وحروبها في العالم الإسلامي، التي هي في الغالب تنطلق من منطلقات استعمارية أو مصالح اقتصادية، تلعب دورا رئيسيا في تهديد هذا الأمن والاستقرار، وتلعب دورا في تعريض حياة مواطنيها للخطر.
المتطرفون موجودون في كل المجتمعات وليسوا حكرا على المجتمعات الإسلامية فقط، فمن قتل 180 شخصا في مجزرة أوسلو، ومن فجر مقر البلدية في أوكلاهوما لم يكونا مسلمين، وكان الأول إرهابيا يمينيا متطرفا وكارها للإسلام. نقول هذا للتذكير فقط لمن يحاول أن يلصق تهمة الإرهاب بنا فقط كمسلمين.


عبد الباري عطوان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.