في سنة 1991 كانت الأجواء السياسية غائمة، مرفوقة بنسبة اختناق عالية، مع تسجيل نوع من التقارب الحذر بين الغريمين التقليديين حزب الاستقلال و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، انتهى بتعاهد مكتوب يختزل شراكة براغماتية «إما أن نشارك جميعا في الحكومة أو نتحصن جميعنا في المعارضة»، قبل أن تتم صياغة مذكرة الإصلاحات الدستورية، التي دعت إلى تعديل الدستور خاصة على مستوى المؤسسة التشريعية، كما دعت المذكرة إلى تهييئ أجواء الثقة لإجراء انتخابات «شفافة» مع منح كل الاقتراعات ضمانات النجاح والنزاهة. ولم تحظ مضامين المذكرة المطلبية برضا الجهات العليا في البلاد، لكنها عبدت الطريق نحو انبعاث الكتلة الديمقراطية، رغم ذلك استقبل قيادات الكتلة، واقترح المشاركة في الحكومة، دون أن يكون الوزير الأول منتميا لها، وهو ما دار حوله نقاش كبير. في ظل «البلوكاج» السياسي، تم التفكير في تقديم ملتمس الرقابة، وهو الملتمس الذي قدم أولا في سنة 1964، من طرف حزبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والاستقلال، ضد حكومة باحنيني المشكلة آنذاك من «الفديك» المقرب من السلطة، والذي كان يتزعمه صديق الملك ووزير الداخلية آنذاك أحمد رضا اكديرة، وكاد ملتمس الرقابة أن يعصف بأغلبية «مخزنية» لكن التصويت «خان» المعارضة في الأمتار الأخيرة من سباق التغيير، فضاع حلم حل الحكومة، قبل أن يعلن الملك حالة الاستثناء بعد عام. الفرق بين ملتمس الرقابة لسنة 1964 وملتمس 1990، يكمن في الاختلاف حول الطرف المستهدف من الملتمس، إذ أن لجوء المعارضة إلى هذا الخيار في منتصف الستينيات يجسد الصراع الذي كان قائما بين المعارضة والحسن الثاني على الحكم، أي أن الاتحاد الاشتراكي تعامل مع الملتمس كورقة استعملت ضد النظام، لكن في ملتمس التسعينيات الوضع مختلف تماما، فالمستهدف هو الحكومة، والحسن الثاني زكى هذا الخيار قبل اللجوء إليه، وهو ما أكده أحمد عصمان رئيس مجلس النواب آنذاك. لأن الأزمة السياسية كانت تفرض تدخلا ملكيا، لاسيما بعد الإضراب العام لسنة 1990 بفاس وحالة الاحتقان التي شهدتها البلاد. لكن الملتمس لم ير النور في إطار صفقة سياسية ستظهر ملامحها في ما بعد. ثمار هذا «الهجوم» أثمرت ميلاد المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، وصدور عفو عن كثير من السياسيين. بعد أن قال الحسن الثاني للمعارضة «شكرا الرسالة وصلت».