منذ مغادرة بعض رموز ما يسمى «السلفية الجهادية»، وهو الاسم الذي يتبرأ منه هؤلاء، أسوار السجن، والحديث عن مدى قدرتهم على الاندماج في الحياة السياسية، يتداول على نطاق واسع، سيما بعد التصريحات التي صدرت عنهم والتي تذهب في اتجاه عزمهم الانخراط في التنظيمات والهيئات المدنية والاستعداد لتأسيس حزب سياسي، غير أن هذه الخيارات تظل رهينة بمدى قدرة الدولة على الاستجابة لمطالبهم في حال تقدمهم بطلب رسمي، يرمي إلى تأسيس حزب سلفي بالمغرب، في ظل التجارب السابقة التي عرفتها أحزاب سياسية إسلامية من قبيل حزب البديل الحضاري وحزب الأمة وحزب التجديد الوطني. بعد مجيء الربيع العربي، الذي ساهم في مغادرة رموز ما يسمى «السلفية الجهادية» للسجون، وعلى رأسهم حسن الكتاني وعبد الوهاب رفيقي «أبو حفص» ومحمد الفيزازي، وعمر الحدوشي، استطاع هؤلاء أن يحتلوا مساحة في النقاش العمومي، خصوصا بعد مشاركتهم في مسيرات حركة 20 فبراير، وكذا إلقاء محاضرات في ندوات وملتقيات فكرية إلى جانب عدد من المحاضرين، الذين يختلفون معهم إيديولوجيا، في وقت كانت هذه الفئة تعقد لقاءاتها في البيوت وداخل بعض المساجد. هذه التغييرات التي حصلت في مواقف السلفيين بالمغرب، ترجعها الدراسة التي نشرت أخيرا بالمعهد الألماني للدراسات الدولية بألمانيا، والتي قام بها الباحث في المركز محمد مصباح، إلى أربعة عوامل أساسية؛ أولها «استمرارية النظام وشرعيته الدينية، إذ أن الملك ما زال قويا في المجال السياسي والديني، والعامل الثاني يتجلى في «استراتيجية «العصا والجزرة»، التي تنتهجها الدولة إزاء السلفيين، بحيث تم التسامح نسبيا مع التيار التقليدي وإدماج بعض عناصره، ثم قمع العناصر التي توصف بالراديكالية، تم خلاله اعتقال المئات من الأشخاص وإغلاق عشرات المساجد غير المرخصة والجمعيات ودور القرآن». أما العامل الثالث، فيتجلى في نجاح الإسلاميين في الوصول إلى السلطة، وخصوصا حزب العدالة والتنمية في المغرب، في حين أن العامل الرابع يكمن في تأثيرات الربيع العربي. وبالعودة إلى السياق التاريخي للتيار السلفي بالمغرب، فإن هناك تنوعا واختلافا في الرؤى بين السلفيين، فإذا كان التيار السلفي التقليدي العلمي، الذي يمثله الشيخ محمد المغراوي، قد اختار دور القرآن كمجال لعمله، بعدما أسس جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة وقام بفتح عدد من دور القرآن بمراكش وفي عدد من المدن المغربية، فإن شيوخ ما يعرف بالسلفية الجهادية المفرج عنهم، اتجهوا نحو تأسيس جمعية للمجتمع المدني تحت اسم جمعية «البصيرة للتربية والدعوة»، والتي يرأسها الشيخ حسن الكتاني، ونائبه الناطق الرسمي باسم الجمعية هو محمد عبد الوهاب الرفيقي الملقب ب»أبو حفص». اختيار الكتاني وأبو حفص لتأسيس جمعية، ذات بعد دعوي وتربوي، دون تأسيس حزب سياسي، تأتي لاقتناعهما بأن شروط تأسيس حزب سياسي لم تنضج بعد، كما عبر عن ذلك أبوحفص في تصريحات إعلامية، في وقت اختار الشيخ محمد الفيزازي الإعلان عن رغبته في تأسيس حزب سياسي من أجل خوض غمار الانتخابات المقبلة. وبغض النظر عن مدى توفر الشروط الملائمة لتأسيس حزب سياسي سلفي بالمغرب، يمكن القول إن الرغبة في الانخراط في العمل السياسي، خصوصا بعد النجاح الذي حققه السلفيون في دول مجاورة أخرى مثل مصر وتونس وليبيا، ستدفع سلفيي المغرب إلى اتباع جميع الوسائل والسبل من أجل المشاركة السياسية، سواء عبر خيارين، أولهما الانخراط في حزب موجود أصلا، مثل حزب النهضة والفضيلة، الذي تبنى ملف هؤلاء، وله اتصالات وثيقة بهم، سيرا على نهج حزب العدالة والتنمية، الذي يرأس الحكومة الحالية، وهو الحزب الذي احتضنته الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية التي كان يرأسها الراحل الدكتور عبد الكريم الخطيب، بعدما رفضت الدولة الترخيص لقياديي حركة التوحيد والإصلاح بتأسيس حزب التجديد الوطني سنة 1992. أما الخيار الثاني المطروح، فهو السماح بتأسيس أول حزب سياسي للسلفيين يتزعمه محمد الفيزازي، الذي أعلن في تصريحات إعلامية عن كون مشروع حزبه، الذي ينبني على المرجعية الإسلامية وثوابت البلاد، قد وصل إلى مراحل جد متقدمة، وهو يأمل أن يحتل حزبه المرتبة الثانية خلال الانتخابات المقبلة، سيرا على خطى حزب النور السلفي بمصر ،والذي تأسس عقب ثورة 25 يناير التي أوصلت الإخوان المسلمين إلى مصر.