باتجاهنا نحو تقليد الغرب في كل شيء ومنه المائدة المغربية نكون قد أقصينا غداء مهما، نادرا ما أصبحنا نراه على المائدة المغربية ألا وهو العدس. فمع العولمة ربما أصبح يهم جانب الديكور أكثر من القيمة الغذائية للعناصر المكونة للمائدة، وحتى المطاعم أصبحت تقصي هذا الغذاء إلا القليل منها والذي يصنف ضمن المقاهي الشعبية. فالعدس من الأغذية التي كونت نظاما غذائيا للعديد من الحضارات واكتسب هذا الغذاء شهرة قديمة، رغم أن المستهلك لم يعد يهتم به ظنا منه أنه أقل أهمية من الأغذية التي تتسيد المائدة المغربية حتى أصبح تناول العدس أو القطاني يعكس «المستوى الاجتماعي الضعيف»، وهذا أكبر خطأ يهدد نظامنا الغذائي وهو ربط نوعية الأكل بالمستوى الاجتماعي، في حين أنه صحيا العكس هو الصحيح حتى ظهرت أمراض تسمى أمراض الأغنياء «كمرض النقرس»، فكل هذه الأمواج أو أعاصير المواد المصنعة تعصف بعاداتنا الغذائية، وبالتالي بصحتنا فأن نكون بدائيين في نظامنا الغذائي ليس عيبا بل مفخرة، فالأخطاء الغذائية تكلف المستهلك الكثير والكثير، فكما أكدنا سابقا بأغذية بسيطة يمكن أن نكون نظاما غذائيا صحيا وغير مكلف، فمن الأسباب التي رفعت الأسعار في العالم وفي المغرب كثرة الاستهلاك من حيث الكمية، في حين أن من قواعد التغذية الجيدة قلة الأكل ومعرفة أن أي غذاء إذا لم ينفع المستهلك سيضره، فالمستهلك أصبح يقتني أكثر من ضعف ما سيستهلكه ويحضر ضعف ما يحتاج إليه، ثم يستهلك أكثر من ضعف ما يحتاج.. كل هذا أدى إلى زيادة الضغط على الجسم، لأن الغذاء الذي يصل إلى المعدة إما أن يتم استهلاكه أو تخزينه وهذا ما أدى إلى احتباس الدهون (زيادة في الوزن أو سمنة) الذي يضاهي في خطورته الاحتباس الحراري حيت كثرت الاجتهادات في التعامل مع الظاهرة، في حين أن سباق 10000 متر يبدأ بخطوة وأول خطوة في التعامل مع ظاهرة السمنة هي مراجعة النظام الغذائي والوعي الغذائي موجود بل وجب تبني التربية الغذائية بعيدا عن الخلطات السحرية والأعشاب واجتناب الركوب على أمواج بيع الأوهام. ومن أهم الأغذية التي وجبت مصالحة أنفسنا معها «العدس» والقطاني بصفة عامة، فالعدس نبات ينتمي إلى الفصيلة البقولية، يزرع في مصر وبلاد الشام وجنوبي أوروبا والولايات المتحدة وايران وتركيا، بذوره ذات لون بني يميل إلى الحمرة، أو رمادي أو أسود، تستخدم بذوره في إعداد الأطعمة، كما تستعمل أوراقه الخضراء علفاً للبقر الحلوب، وتستعمل في تسميد الأرض بالأزوت وبالمواد العضوية. ويحتوي العدس على سعرات حرارية مهمة وعلى نسبة عالية من البروتينات والألياف، فيتامين مجموعة ب، معادن كاربوهيدرات، حمض الفوليك، مادة «تريبتوفان» وكذلك عنصر المنغنيز، الحديد، الفسفور، النحاس والبوتاسيوم.. فالعدس خصوصا والبقوليات عموما تحمي القلب وتقلل فرص تعرّضه للعديد من الأمراض ولهذا الغذاء تأثير مباشر على ضغط الدم والكولسترول الخبيث. ويعتبر العدس من أغلى وأغنى البقوليات على الإطلاق من حيث العناصر الغذائية، ففي قديم الزمان كان العدس غذاء أساسيا، وخاصة لمن يبذلون مجهودات عضلية شاقة، كما تساعد قشوره في مكافحة الإمساك وإدرار البول ومعالجة حالات فقر الدم والأنيميا. فالأساس في تناول المنتجات الغذائية هو البحث عن فوائدها الصحية في تزويد الجسم بعناصر هامة وحيوية لسلامته من الأمراض وتقويته وتنشيطه، ثم بعد هذا تأتي الفوائد الطبية العلاجية، والعدس يخدم هذين الجانبين، فعنصر «الموليبدنيوم» النادر يتوفر في العدس بنسبة تفوق سواه من المنتجات الغذائية وأهميته تنبع من دوره الحيوي في عمل مجموعة من الأنزيمات المهمة في الجسم، التي تعمل بالدرجة الأولى على تفتيت المواد الضارة كالتي تُستخدم مثلاً في حفظ الأطعمة، ونقصه في الجسم يُؤدي إلى فقر الدم وتسوس الأسنان والضعف الجنسي والتوتر النفسي لذا فإن آثاره المفيدة تظهر في خفض حساسية الجسم إزاء العديد من المركبات الكيميائية، وتسهيل استخدام الجسم لعنصر الحديد في صنع «الهيموغلوبين» ومحتواه العالي من البروتينات يُؤمنها بكمية مطلوبة من الجسم، خاصة عند إضافة العدس إلى الأطباق متدنية المحتوى من البروتينات كالسلطات أو الأرز أو شوربة الخضر، مما يُعطي نوعاً من التكامل في محتوى الطبق على المائدة، والجانب الأبرز في فوائد العدس هو المحتوى العالي من الألياف. فالألياف ضرورية لتنظيم امتصاص الأمعاء للسكريات وكذلك تقليل امتصاص الأمعاء للكولسترول إما بطريق مباشر عبر الالتصاق بمركبات الكولسترول أو بطريق غير مباشر من خلال إعاقة إعادة امتصاص أملاح عصارة المرارة، هذا بالإضافة إلى سهولة مرور فضلات الطعام عبر القولون، وتخفيف أيضاً أعراض القولون العصبي وتنظيم الألياف لامتصاص السكريات، كما يحمي هذا الغذاء الجسم من ارتفاع مستوى هرمون الأنسولين بكل آثاره، ويعمل على التزويد البطيء للجسم بالسكريات مما يبعث على الدفء، وعلى تسهيل النوم أما بخصوص مرضى السكري فيمكنهم تناول العدس شرط أن يتم أخذه بعين الاعتبار في حساب الحصص الغذائية المقدمة له. ولا تنسوا أن الداء والدواء في الغذاء والمرض وارد والشفاء مطلوب والوقاية خير من العلاج.