حققن نصرا كان في السابق مجرد حلم، بحكم قوة الأعراف التي قيدت النساء وجعلتهن في خانة المقصيات من الاستفادة من الأراضي السلالية، لهذا أصبح بإمكان النساء اليوم الاستفادة من الحقوق العينية إسوة بالرجال، فأحرزن بذلك انتصارا كبيرا في تاريخ المغرب بعد إفراج وزارة الداخلية عن قرارها وتنفيذه على أرض الواقع، غير أن فرحة بعض النسوة لم تكتمل بعد إقصاء بعضهن وحرمان بعض «المناضلات» المدافعات عن الملف منذ سنوات من حق اختيار البقعة التي يرغبن فيها، دون خضوعهن لعملية الفرز التي قررتها الهيئة النيابية في توزيع البقع، ما خلف نوعا من الاحتقان في صفوفهن وتبادل الاتهامات بين عدد من النساء وبين أعضاء اللجنة النيابية بإقليم القنيطرة. لم يفت المستفيدة خديجة من حصتها في الأراضي السلالية التعبير عن فرحتها، التي تتقاسمها مع عدد من النساء الأخريات اللواتي استفدن من هذه المبادرة التي تعد الأولى من نوعها في المغرب، قائلة «إنها مبادرة إيجابية وتعيد الاعتبار للمرأة المقصية، آملة في الوقت ذاته أن يتم تعميم الفرحة على جميع النساء في باقي المناطق، وألا تكون هذه التجربة حبيسة «سلالة مهداوة»، التي ستكون بلا شك مرجعا أساسيا لهذا النوع من المبادرات. بعد مقابلتنا لعدد من النساء السلاليات ببلدية مهدية لم يخفين سعادتهن وفخرهن بتمكين النساء من الاستفادة من نصيبهن في الأراضي السلالية التي كان ينفرد بها الذكور، تقول فتحي فاطمة 60 سنة، إنها سعيدة بهذه المبادرة التاريخية التي استفادت منها النساء السلاليات، بفضل جهود ملك البلاد. وتتفق معها سهام, شابة في مقتبل العمر، معتبرة هذه المبادرة الاستثنائية، خطوة سابقة في المغرب وفخورة بالتفاتة الدولة للمرأة بتنسيق مع السلطات التي أخذت على عاتقها هذا الأمر وواكبت ملفهن بعد وضعه بين يدي وزارة الداخلية، في ما عبر إسماعيل رجل ستيني, عن رأيه بالقول «إنه دائما يدافع عن النساء، من أجل استفادتهن من حقهن في الأراضي التي يقوم أبناؤهن ببيعها بمبالغ خيالية لا تستفيد النساء منها شيئا، وهو ما اعتبره ظلما وإقصاء في حق المرأة الأم والأخت والزوجة والابنة. غير أن الأمر يختلف بالنسبة لمنانة سحيحس، رئيسة جمعية النساء السلاليات بمهدية، حيث رفضت أن تبقى مكبلة الأيدي، بعد اتخاذ اللجنة المشرفة على تتبع الملف قرار إجراء عملية الفرز لضمان التساوي في الوحدات السكنية التي ستستفيد منها النساء السلاليات، بل صرخت في وجوههم لأنه لم يتم استثناؤها من عملية الفرز باعتبارها مناضلة، على حد تعبيرها، حتى تم إخراج هذا الملف إلى الوجود وكسبت النساء رهان الاستفادة من حصتهن على غرار الرجل. ترغب في ثمن النضال تقول منانة والدموع تنزل من عينيها: «الشفارة ولاد الحرام»، «تلاعبوا في البقع كما شاءوا وقاموا وعدلوا لوائح المستفيدات والمستفيدين على مقاسهم، دون مراعاة حق المرأة التي ناضلت في هذا الملف». واستطردت المتحدثة ذاتها قائلة وهي تضرب بيدها على وجهها: «كنت أذهب إلى الوقفات بدون مقابل وأصرف من مالي الخاص لمدة تزيد عن خمس سنوات، لإنجاح الوقفات الاحتجاجية، والأكثر من ذلك أذهب إلى الجمعية وأتسول منها مبالغ من النقود من أجل تنظيم وقفات احتجاجية. تضيف منانة وهي تمسح دموعها «أنا نظمت وقفات احتجاجية وأخرجت النساء المقهورات من صمتهن من أجل الوصول إلى الهدف», متسائلة عن أسباب وضعها في نفس الميزان مع النساء الأخريات. في الوقت الذي انشغلت منانة بالرد على المكالمات الهاتفية، أغلبها اتصالات من متضررات يطلبن منها موعدا لمقابلتها، عبرت ل«المساء» حليمة كروم، البالغة من العمر 82 سنة، عن فرحتها بعد استفادتها من البقعة الأرضية، تقول هذه العجوز بصوت خافت « الحمد لله ملي ستافدو لعيالات من حقهم في الأرض» قبل أن تضيف «كانوا النسا محكورات» بحيث «كان الذكور يستفيدون من الأراضي بينما النساء كن دائما تحت رحمة الرجال». نساء مقصيات ما زال مقر جمعية النساء السلاليات يعرف توافد نساء من مختلف الأعمار، منهن من قدمن لأجل التعبير عن فرحتهن من الاستفادة، ومنهن من جئن لاستفسار الرئيسة عن سبب حرمانهن من الاستفادة. تساءلت رئيسة الجمعية عن المعايير التي تم اعتمادها في انتقاء النساء المستفيدات وحرمان الأخريات، خاصة أن منهن من قامت بتسجيلها في اللائحة الأولية، قبل أن تؤكد وجود تلاعبات في لوائح المستفيدات من البقع في الأراضي السلالية بعدما تم إقصاء عدد من النساء السلاليات في هذه العملية، وهي تبحث عن بعض الوثائق في حقيبتها وتعرض الأسماء التي تم إدراجها في اللوائح ليتبين بعدها أنهن أقصين منها لأسباب معينة. توسطت منانة النساء اللواتي كانت تدافع عنهن في أجواء حزينة اختلطت فرحة بعضهن بحزن الأخريات قبل أن تقول «هذا هو جزاء لي ناضل وبحة قرجوتو لمدة سنوات»، يعلو صوتها على صوت كل النساء الحاضرات متسائلة: «لماذا رفض البرلماني المهيدي لعربي، عضو الهيئة النيابية للأراضي السلالية، تسليمها لائحة النساء المستفيدات من المشروع؟» والتي ألحقت بها الكثير من التعديلات، قبل أن تحضر اللائحة التي حصلت عليها بطرقها الخاصة، على حد قولها، ليتبين أن الهيئة أقحمت أسماء نساء غير سلاليات في اللائحة. تواصل منانة حديثها فتصرخ بصوت عال مرة ومرة أخرى بصوت هادئ تكسوه نبرة مليئة بالألم، قائلة إنها أخبرت باشا المنطقة بما وقع وأنها تعرف النساء «الغريبات» المتضمنات في لائحة السلاليات، كما أنهن استفدن من مبالغ مالية في عدد من المناسبات التي يتوصل بها ذوو الحقوق، مستفسرة إياه عن الغاية من وضعهن ضمن المستفيدات على حساب أخريات لهن الأولوية في البقع. فالعدد الإجمالي المتضمن في اللائحة التي تقدمت بها رئيسة الجمعية هو 792، غير أن لائحتها تم رفضها من قبل أعضاء الهيئة النيابية وأعدوا لائحة أخرى، وعندما طلبت منهم الإطلاع على اللائحة الجديدة التي وضعوها كما شاءوا وصل العدد إلى 867 مستفيدة، ليتبين أنهم أضافوا 81 قاصرا ضمن المستفيدين. قبل إتمام كلامها، فجأة بدأت منانة تتحدث بعصبية مع باشا المنطقة في اتصال هاتفي بينهما وتقسم بأغلظ الأيمان أنها ستفضح كل من تواطأ في الملف وتلاعب فيه وأقصى مجموعة من النساء اللواتي لهن الحق في الاستفادة. لم تتوقف منانة عن الصراخ واستفسرت الباشا في حديثها معه، قائلة: «لن أقبل ما أقدمت عليه اللجنة من محسوبية».. كما أنها تلقت وعودا لم تنفذ فيما يتعلق باستفادتها من البقعة دون الخضوع إلى «القرعة» على اعتبار أنها ناضلت من أجل النساء السلاليات. اتهامات بالرشوة لم تخف منانة أن استفادة القاصرين من نصيب كبير من البقع خاضعة للرشوة والمحسوبية والزبونية، وهو الأمر الذي صرحت به للباشا على الهاتف قائلة بصريح العبارة «استفادة القاصرين خدات فيها اللجنة المياوات»، وعندما سألناها عن المقصود من كلامها، أوضحت أن مجموعة من القاصرين سلموا 5000 درهم كرشوة مقابل الاستفادة. وأضافت المتحدثة ذاتها، أن اللوائح خضعت لتعديلات أكثر من ثلاث مرات وتم فيها إقحام الغرباء، وهو ما يبين أن هناك رشوة في الملف ومحسوبية، وأن اللواتي يستحقن الاستفادة تم إقصاؤهن، من ضمنهم سيدة سجلتها رئيسة الجمعية، لتكتشف أنها خارج اللائحة بعد تدخل من أخيها، الذي هو عضو في اللجنة، تقول فاطمة الزهراء الحلاب «حرمت من حقي في الاستفادة بسبب أخي الذي استغل نفوذه ، فحرمني انتقاما مني لحسابات شخصية لا علاقة لها بالملف»، وهو ما نفاه أخوها، الذي قال إن أخته «لم تستفد لأنها لا تتوفر على بطاقة التعريف الوطنية التي تعد شرطا من شروط الاستفادة». ومن التجاوزات التي تفضحها النساء المتضررات أن السلطات لم تعلن عن لوائح النساء المستفيدات من المشروع، التي يجب أن توضع على جدران مصالح الباشوية، وهو ما رد عليه بنعيسى لمليح, أحد أعضاء الهيئة النيابية في مقابلته ل«المساء»، بالقول «إن النساء اللواتي تم تسجيلهن في اللوائح تم وضعها على جدران الباشوية لمدة شهرين، حتى تتمكن النساء من الطعن فيها إذا تبين لهن أن هناك مشكلا في الأسماء الواردة في اللوائح». وقال لمليح «إن اللوائح كانت معلقة على الجدران حتى انتهاء المدة القانونية وأنه لم يتم فيها أي خرق، وعندما لم يتوصلوا بأي طعون في اللوائح داخل الأجل يعني أن اللائحة سليمة ومن تم يتم إخبار السلطات الإقليمية من أجل إرسالها نسخة منها إلى مجلس الوصاية بوزارة الداخلية ونسخة تتوصل بها العمالة، مشيرا إلى أن العمالة وضعت لجنة خاصة مكلفة بتتبع الملف وتسهر عليه من أجل التأكد من أن جميع المساطر تم احترامها. توضيحات متنوعة اتهم البرلماني المهيدي لعربي، أحد أعضاء الهيئة النيابية، عناصر تشوش على اللجنة المكلفة بملف الأراضي السلالية، أبانوا عن معاداتهم له، ما دفعهم إلى معارضة المرأة من أجل حرمانها من الأراضي السلالية، كما أن هناك بعض الجهات التي تسعى إلى الركوب على الملف واستغلاله سياسيا ومنها بعض الجمعيات. وأضاف المتحدث ذاته، أن استفادة المرأة السلالية ببلدية مهدية لم يكن وليد الساعة فالمرأة بهذه المنطقة دائما مقدسة، وأنه في عهد الوالي السابق اقترح عليهم أن تستفيد النساء من الأراضي قبل صدور قرار وزارة الداخلية. فقبل الحصر النهائي للائحة، يضيف مهيدي، تم إحضار 14 امرأة من الجمعية وتم التوقيع على محضر اجتماع من طرفهن يعترفن فيه بأن النساء المتضمنات في اللائحة لهن أحقية الاستفادة، وتم ذلك بحضور عون قضائي حتى يتم ذلك في جو من الشفافية والمصداقية، موضحا أن بعض المشوشين هم من «خلق البلبلة والفتنة» بين النساء وقاموا بتحريضهن. وبخصوص ما راج عن وجود أناس غرباء عن الجماعة استفادوا من العملية، لم ينف أعضاء اللجنة الذين قابلتهم «المساء» وجود أربع نساء ضمن المستفيدات، سبق لهن أن تقدمن بشكايات في الموضوع طالبن فيها بإدماجهن، على اعتبار أنهن ينتمين إلى الأرضي السلالية، وعندما رفضت اللجنة ذلك، أدلين لمجلس الوصاية بوثائق عدلية تؤكد أنهن من ذوات الحقوق ليتم إصدار قرار من مجلس الوصاية يخول لهؤلاء النسوة الحق في الاستفادة، وما على أعضاء اللجنة سوى تنفيذه على حد تعبيرهم، لأن قرار مجلس الوصاية غير قابل للطعن. يضيف مهيدي أن النسوة الأربع تمكن من الاستفادة، بعدما تبين أن لهن الحق في ذلك، خاصة بعدما قدم بعض أفراد الجماعة السلالية شهادات عدلية لفائدتهن تفيد بانتماءهن إلى الجماعة السلالية إلا أنهن لا يقطن بالمنطقة منذ مدة.
تبادل الاتهامات ومحاولات الابتزاز
في الوقت الذي وجهت فيه رئيسة جمعية النساء السلاليات سيلا من الاتهامات إلى أعضاء الهيئة النيابية للأراضي السلالية بالتلاعب في الملف لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب النساء السلاليات، وهي الاتهامات التي نفاها أعضاء اللجنة جملة وتفصيلا وأن الملف خضع للشفافية ولا مجال فيه للمحسوبية ولا للزبونية ولا للرشوة، واعتبروا أن رئيسة الجمعية عندما رفضت اللجنة بالإجماع استفادتها دون الخضوع لعملية الفرز، بدأت تشوش عليهم وتطعن في قراراتهم. المشكل المطروح، حسب ما صرح به عدد من أعضاء اللجنة النيابية، كون رئيسة الجمعية كانت تسعى في السابق إلى السماح لها باختيار البقعة التي ترغب فيها، وعندما رفض طلبها من طرف الهيئة النيابية بدأت تطعن في قراراتهم، لكن «سبق أن دافعنا عن مطلبها غير أن الهيئة بالإجماع رفضت ذلك وقررت أن يتم الفرز بالتساوي». واعتبروا أن النضال لا يتم بهذه الطريقة وأن خضوعها كباقي النساء لنفس القرار المتمثل في عملية الفرز بالتساوي، هو قمة الشفافية ومن لديه ما يثبت العكس «فليأتي برهانه»، على حد تعبير أحد أعضاء اللجنة. استفادة النساء من بقع أرضية ببلدية مهدية، اعتبره خالد لحياوين، رئيس المجلس البلدي لمهدية، تحقيقا لرهان رفعته المنطقة بفضل التنسيق والتعاون بين جميع الأطراف، غير أن المشكل المطروح بالنسبة إليه، كون البعض قام بتسييس الملف ومحاولة استغلاله من طرف جهات معينة. ونفى لحياوين وجود أي خروقات، موضحا أن كل ما في الأمر كون رئيسة جمعية النساء السلاليات كانت تسعى إلى الاستفادة دون فرز، وهو المطلب الذي دافع عنه مجموعة من أعضاء اللجنة تقديرا لتضحياتها من أجل المرأة السلالية، غير أن الهيئة المكلفة والتي تضم حوالي 23 عنصرا رفضت ذلك، وهو ما دفعها إلى توجيه اتهامات لا تمت للواقع بصلة. فالتناقض الكبير أن منانة كانت في البداية تقول إن الملف قد أخذ طريقه الإيجابي، وعندما لم يسمح لها بالاستفادة من البقعة دون عملية الفرز أصبحت تطعن في مصداقيتها.