إن شظايا المعلومات، التي تتسرب من آن إلى آخر عن إطار زيارة الرئيس أوباما المخطط لها لإسرائيل ومضامينها، تدل على أنها لن تكون مختلفة جدا عن سابقاتها. سيكون خطاب الرئيس المخطط له أمنيا في أساسه مرة أخرى: من الفلسطينيين إلى إيران وسوريا والأردن ومصر في الوسط أيضا. وسيكون محور المضامين، كما كانت عليه الحال في زيارات سبقت لرؤساء أمريكيين للبلاد، هو المحور الوجودي الأمني، بل ستستمد الزيارة التقليدية ل«يد واسم» إذا تمت حقا قوتها من هذا المحور، أي من كون دولة إسرائيل ملجأ لمن بقوا من اللاجئين. يبرز غياب خطاب الحقوق؛ فقد كان ذات مرة جزءا لا ينفصل عن موروثاتنا الجينية. ولا يبرز غيابه فقط لأنه كاد يُمحى من لغتنا، بل لأنه حاضر حضورا قويا يكاد يكون وحده في خطاب يجريه الفلسطينيون والدول العربية بإزاء العالم، فهؤلاء لا يخجلون من تقبيل «تراب أرضهم» ومن الكذب بلا نهاية المتصل بماضيهم هنا ومن إعادة كتابة التاريخ وتزويره ومن التلويح بمفاتيح البيوت التي عاش فيها آباؤهم أو أجدادهم في صفد ويافا وحيفا. وتحولت لغتنا، في المقابل، إلى لغة فقيرة ضئيلة. إن الأمن مهم، لكنه ليس المشهد العام. ولا يمكن أن يُقام طلب الشرعية الدولية على الخليل وراء الخط الأخضر ولا على بئر السبع في داخل هذا الخط من غير الكتاب المقدس والآباء والأمهات والقدس وجبل الهيكل ومدينة داود. إلى جانب جبل هرتسل يوجد جبل الهيكل، وإلى جانب فندق الملك داود الذي ربما ينزل فيه أوباما، توجد مدينة داود التي تقص القصة اليهودية هنا في أرض إسرائيل خاصة بصورة أفضل من كل حيلة دعائية أخرى. إن الذي سيسير مع أوباما في دهاليز «يد واسم» ويُطلعه على مشاهد الرعب قبل 75 سنة، سيُثبت له لماذا ليست الحاجة إلى إسرائيل القوية شعارا فارغا آخر من المضمون. لكن الذي سيسير مع أوباما في قناة صرف الماء من عصر هورودوس في مدينة داود ويعرض عليه هناك نقش الشمعدان والجرس في لباس الكاهن الأكبر، أو يتلو عليه وصف يوسف بن متتياهو للحظات الأخيرة لليهود الذين طاردهم الرومان مُخربو الهيكل هناك، في ذلك النفق، حتى الموت، بل ربما يعرض عليه حوض الماء الذي بقي هناك من عصر الهيكل الأول سيُثبت للرئيس الأمريكي مبلغ عمق جذورنا في البلاد وفي القدس. وحينما يخرج الرئيس من النفق المظلم وينظر إلى أعلى، يجب على شخص ما إلى جانبه، قد يكون نتنياهو، أن يشير إلى جبل الهيكل وأن يُحدثه عن التخلي الأكبر من طرف واحد الذي قامت به أمة ودين ما لدين آخر، ألا وهو ترك المكان الأقدس لهما، جبل الهيكل، لدين منافس هو الإسلام الذي يعتبر ذلك المكان عنده هو الثالث في قدسيته فقط (بعد مكة والمدينة). وتستحق قصص جبل الزيتون وجبل المشارف وآثارهما القديمة وتلك التي في العصر الأخير أيضا أن تُدمج في إطار هذا الخطاب، وهو خطاب الحقوق. من المؤكد أنه سيكون من يقولون إن هذا الخطاب قديم جدا ولم يعد ذا صلة، وهم مخطئون. بل يجب على أصدقائنا الحقيقيين والوهميين في الولاياتالمتحدة أن يسمعوا منا، اليوم خاصة، أن الصلة التاريخية والدينية والقانونية والشعورية لشعب إسرائيل بالقدس والخليل وجبل الهيكل لا تقل عن صلة الفلسطينيين، وأننا لسنا محتلين في أرضنا، وأنه يوجد يهود يرون أن هذه الأرض كما هي بالنسبة إلى الفلسطينيين على الأقل «مقدسة»، وأنهم متصلون بأجزاء هذه الأرض بصلات الحب والكتاب المقدس والتراث والطبيعة والمناظر الطبيعية، وأنه لا يوجد فرق من جهة أخلاقية بين استيطان أرض إسرائيل التي سكنها العرب في مطلع القرن الماضي وبين استيطان أرض إسرائيل التي يسكنها العرب في مطلع هذا القرن. قد يكون الجدل الحقيقي بيننا هو في حدود الممكن، لكن من المؤكد أنه ليس في الحق. ويجب على الأصدقاء في واشنطن، بقدر لا يقل عنا، أن يسمعوا هذا حتى لو غضنوا أنوفهم، وحتى لو لم يكن هذا الخطاب بمنزلة «سياسة واقعية» لأننا موجودون هنا في الحقيقة بفضل القوة، لكننا موجودون قبل ذلك أيضا بفضل الحق.