في رواية عثمان زاكروس «نعل شرس»، يتحدث الكاتب العراقي عن حذاء جديد اقتناه مدرس واحتفل به رفقة زوجته وأطفاله، وقرر ألا يلفت نظر زملائه في المدرسة إلى ما يرتديه في قدميه كي لا يتهم بحصوله على مدخول مالي من دروس إضافية مدفوعة الأجر أو بالإدمان على لعبة اليانصيب، لكن الحذاء كشر عن أنيابه وتحول إلى نعل شرس بعد أن نبتت له أسنان تقضم عظام قدميه، فاضطر في حركة لاإرادية إلى نزعه فاكتشف الجميع الواقعة. نعل أستاذ التربية الوطنية لا يختلف كثيرا عن نعل أستاذ العدالة في محكمة ميدلت الذي كان أكثر شراسة فأدمى قلب هشام، العامل في ورشة المطالة، ومعه ملايين المغاربة الذين شعروا بالإهانة وهم يعيشون أطوار مشهد مستقطع من زمن الرق و«العمودية» والعبودية أيضا، حيث أجبره على تقبيل قدميه إذا ما أراد الحصول على سراح مؤقت يعيشه كل الناس. بالأمس، كان تقبيل أقدام الأمهات تأشيرة عبور إلى الجنة، لأنها تحت أقدامهن، أما الآن فقد أصبح تقبيل أقدام بعض المسؤولين «القائمين» على عدالة العباد والبلاد فيزا نحو الانعتاق من الخوف والقهر إلى بلد كرم ستان، حيث كرامة الإنسان هي العملة المتداولة بين الناس. إذا كان هشام قد كشف بمجرد خروجه من مخفر الشرطة عما حصل في مكتب الاستنطاق، وقرر استرجاع إنسانيته التي استرخصها من أجل الحصول على إفراج دون متابعة، فإن عشرات المواطنين يهانون أمام المسؤولين، كانوا أمنيين أو مدنيين، ويبتلعون الإهانة ويُقبلون على الحياة بعد أن يمسحوا القضية في القضاء والقدر. يذكر سكان مدينة خنيفرة حكاية الباشا الشرس الذي جز شعر عجوز، أو باشا الجديدة في بداية التسعينيات الذي أجبر نقابيا على تقبيل حذائه، أو بتعبير أصح «نقب» النعل بعد أن واجهه بفضيحة نقابية، وقس على ذلك من تبوريدة رجال السلطة في زمن كانت فيه العهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان مجرد باقة ورود بلاستيكية تؤثث المشهد السياسي، لكن الفرق بين تقبيل الأقدام زمان واليوم هو أن القبلة المهينة للكرامة كانت تتم طوعا وليس كراهية، بينما في حالة هشام هناك إكراه «فمي»، إذ إن الإفراج عنه رهين بتقبيل قدمي نائب الوكيل وليس قدما واحدا، بعد أن تراقصت أمام عيني هشام الحالة الصحية لوالديه وسمع صرخة استعطاف صامتة من زوجته وهي تحرضه على تقبيل كل الأقدام، فذلك أهون من محنة الاعتقال وما يترتب عنها من متاعب القفة والمؤونة. حدث هذا في مدينة المقاومين الأشاوس، ميدلت، التي وضع فيها المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير في الصيف الماضي الحجر الأساس لفضاء تربوي للمقاومين ونصبا يمجد شهامة أبناء المنطقة، قبل أن تهدمه قبلة ليست كالقبلات، كما حدثت وقائع أخرى في خنيفرة مدينة حمو الزياني وفي بني ملال معقل أحمد الحنصالي وهلم شرا. يجد المرء صعوبة في تقديم حذائه لماسح أحذية من أجل تلميعه، ويكبر الحرج حين يتعلق بماسح كبير السن، مما جعل المهنة مصنفة في خانة المهن التي تكرس الدونية؛ أما هشام المطال، الذي يقضي سحابة يومه في طلاء السيارات وتقويم اعوجاجاتها الناتجة عن حوادث السير، فكان مجبرا على طلاء لسانه بما علق من غبار على سطح نعل مسؤول من زمن الباشا حمو، يعتقد خطأ أنه من سلالة النواب الصالحين، مما يفرض على سلطات المدينة الاحتفاء بالحدث وتخصيص موسم سنوي لزيارة الحذاء الشريف الذي يجلب البراءة بمجرد «كوش» لسان يعاني صاحبه من ضيق. في هذه الحالة، نلتمس من عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، عدم استعمال فيتو «عفا الله عما سلف»، والبحث عن أقرب فرصة للتخلص من تلك الأحذية المحصنة التي تحولت إلى مزار، وإحالتها على إسكافي لإعادة صيانتها على نحو آدمي قبل أن تدوس الجميع.