غيرَ بعيد عن منزل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، يقضى طفل قاصر (10 سنوات) لياليه الباردة، متنقلا بين أسطح البنايات المجاورة لبيت بنكيران. منذ حوالي أربعة أشهر طردته والدته -وفق ما قال- من مدينة أكادير، ليلتحق بأخيه الأكبر في عالم التشرد. زارته «المساء» فوق أحد الأسطح في حي «جان جوريس»، بعد أن قادنا أخوه الأكبر «وهيب» وهو يطلب منا أن ننقذ أخاه الأصغر، «لأن جمعيات الرعاية الاجتماعية تلفظه بدون سبب»، حسب قوله. من بعيد، يُسمع صوت أنين آدميّ.. مع اقترابنا، بدأ وقع الصوت يشتدّ وتسمَع، بين الفينة والأخرى، حشرجة قوية بدأ خلالها الجسد الممدّد يتصبّب عرقا، منهكا وعاجزا عن النهوض.. متكوّم في ملابس بالية. يفتح عينيه قليلا، ثم يُحرّك سبابته ويعاوده النوم مرة أخرى.. أخوه ينام بجانبه، يقول إنه لا يستطيع الكلام فأعضاؤه متجمّدة كليا بفعل البرد.. لكنه مع ذلك لا يحسّ بالبرد، لأنه تناول كمية كبيرة من الكحول تجعل جسمه «مشلولا» لا يقوى على الحراك. يحكي قصته مع الشارع بمنتهى الدقة، ورغم أنه يعتبر نفسه غيرَ جانح، فإن خليطا من رائحة «السيليسيون» و»الدوليو» تنبعث من فمه «المسودّ» من أثر التدخين.. يبدو مستسلما لقدَره، لا يسب أحدا ولا يطلب شيئا.. يعاتب فقط والدته، التي يقول إنها «خانت أباه ومنعته من الدراسة ودفعته إلى الشارع». اقترب من أخيه ولمس جبهته، وأضاف أن جسده يغلي بالحمى. وعاد بنفسه إلى الأيام الأولى التي جمعتهما لأول مرة منذ مغادرته أكادير. يقول «وجدته متشنج الأصابع، يتجه كل منها في اتجاه، كأنها لا تقوى على حراك بسبب البرد القارس.. وعندما يكتسحه الألم ويتصاعد إلى بقية جسده، يصرخ تحت وطأة الألم ولا يسكت إلا بعد أن تلمس الشمس أطرافه مع الساعات الأولى لبداية يوم جديد». يعرف «وهيب» أن بنكيران جاره، يسكن غيرَ بعيد في فيلا مطوقة برجال الأمن، يردد منذ أن التقينا به: «بْغيتْ ندير لاكارط ناسيونالْ، أخّوتي، بْغيت لاكارط، قصتي طويلة، طويلة».. يمسك بتلابيب المصور الصحافي ويطلب منه، بالحاج ممزوج بالمرارة، أن ينقذ أخاه من التشرّد، لأنه مهدّد بالموت بالبرد. ولا يفلتُ تلابيب المصور إلا بعد أن تلقى منه وعودا بإيصال قصته كاملة. يقول إنه رأى بنكيران كثيرا وهو يخرج من منزله القريب، ولكنه يخاف من الاقتراب منه. يؤكد أنه سيطلب من رئيس الحكومة تسهيل الاجراءات للحصول على «لاكارتْ ناسيونالْ»، لأنه بدون بطاقة التعريف الوطنية لا يستطيع أن يعمل وينقذ أخاه القاصر من عالم التشرّد.