تحدث التقرير السنوي لمنظمة «هيومن رايتس واتش»، الصادر أول أمس الخميس حول وضعية حقوق الإنسان في العالم، عن مئات المغاربة الذين تم اعتقالهم بسبب الاشتباه في انتمائهم إلى التيار السلفيّ، وأشار إلى أنه تمت متابعة العديد منهم في ظل محاكمات غير عادلة. وفي الإطار نفسه، تطرّق التقرير لوضع السجون في المغرب، التي قال عنها إن ظروف السجناء داخلها «قاسية» بسبب الاكتظاظ واعتماد القضاة كثيرا على مسطرة الاعتقال الاحتياطيّ. كما تحدث تقرير «هيومان رايتس واتش» عن وضعية المرأة في المغرب، وأشار إلى توفير الدستور الجديد كافة الضمانات بشأن مساواة المرأة بالرجل، لكنها أدانت احتفاظ نص الدستور الجديد ببعض البنود التي تعطي الأفضلية للرجل.. وتوقف التقرير السنوي ال23 للمنظمة الأمريكية، التي تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان وتقييم مستوى الحرية في بلدان العالم، عند الوضع الحقوقيّ في المغرب، وأشار إلى «عدم اتضاح الرؤية بعدُ بخصوص حقوق الإنسان في المغرب، نظرا إلى كون الدستور المغربيّ الجديد، الذي تمت المصادقة عليه سنة 2011، ينصّ في مضامينه على تعزيز حقوق الإنسان وتكريس المكتسبات الحقوقية، «لكنْ دون أن تترجَم تلك المضامين على أرض الواقع من خلال ممارسات تكرّس مبادئ احترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والحق السلمي في التظاهر». وجاء في نص تقرير المنظمة، كذلك، أنه «بينما مارس المغاربة حقهم في التظاهر في الشارع، عمدت الشرطة إلى تفريقهم بالاستعانة بالعنف». وأضاف التقرير، في الجزء المخصص للمغرب، أن الأشخاص الذين يَدْعون إلى الاحتجاج ومعارضي النظام يخاطرون بتعريض أنفسهم للسجن على يد السلطات الأمنية، التي تعتمد «أحيانا على النصوص العديدة التي تقمع حرية التعبير، والتي ينبغي مراجعتها في ظل الدستور الجديد»، كما ورد في تقرير المنظمة. وفي تعليقها على الوضع الحقوقيّ في المغرب قالت سارة ليا واتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، إنه «قياسا إلى نص دستور 2011، يقرّ قادة المغرب بأنّ تعزيز حقوق الإنسان أمر أساسيّ لتلبية التطلعات الشعبية. ولكنْ إذا حكمنا من خلال الممارسة على أرض الواقع فينبغي لهم أن يدركوا أنّ الكلمات وحدها لا تكفي».. حرية التعبير والصّحافة تحدث التقرير عن تمكن حزب العدالة والتنمية من الوصول إلى السلطة، في شهر يناير 2012، وحصول مصطفى الرميد على منصب وزير العدل، الذي أشارت المنظمة إلى مشواره السابق كمحامٍ معروف بدفاعه عن حقوق الإنسان، وذكّرت بخطابه التلفزيونيّ بخصوص «عدم وجود أي معتقل رأي» بين ال65 ألف سجين في المملكة. وحسب المنظمة فإنّ «خطاب الرميد يتناقض مع إقدام السلطات المغربية على اعتقال مغني الراب معاذ بلغوات (المعروف بلقب «الحاقد») والطالب عبد السلام الهيدور، معتبرة هذين الآخرين من معتقلي الرأي.. وفي ما يتعلق بحرية الصحافة والإعلام، أشار التقرير إلى «هامش الحرية الذي تتمتع به الصحافة المكتوبة والالكترونية في المغرب»، التي تقوم ب»إجراء تحقيقات صحافية وانتقاد المسؤولين الحكوميين وسياسات الدولة، ولكنها تتعرّض للمحاكمات والمضايقات إذا تجاوزت بعض الخطوط»، وفق جاء في نص التقرير. وفي هذا الصدد، قالت سارة ليا واتسن: «تُناقَش قضايا حقوق الإنسان على نطاق واسع وبشكل علنيّ في المغرب، وهي إضافة حقيقية، لكن السلطات في حاجة إلى أن تُظهر -وهي تتداول وتتشاور حول عملية الإصلاح- إرادة سياسية للحد من الانتهاكات، التي لا تزال مستمرة»، في إشارة إلى ما ينصّ عليه قانون الصحافة من عقوبات بالسجن للتهم المتعلقة ب»تعمد نشر معلومات مغلوطة عن سوء نية، من شأنها المسّ بالنظام العام، أو الخطاب التشهيري أو المسيء إلى أشخاص من العائلة الملكية، أو الذي يمسّ ب»الدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو بالوحدة الترابية». ملف السلفية الجهادية.. عادت منظمة «هيومان رايتس واتش» للتحدث، من جديد، عن الاحتجاجات التي عرفها المغرب تزامنا مع ظهور «الربيع العربي»، حيث أكدت أن السلطات الأمنية سمحت بالعديد من هذه التظاهرات، التي قادتها حركة 20 فبراير، لكنّ التقرير أشار إلى قيام الشرطة -في بعض الحالات- بمهاجمة المتظاهرين والاستعانة بالعنف لتفريقهم. من جانب آخر، فتحت المنظمة الأمريكية، مرة أخرى، ملف مئات المعتقلين الذين تم الزجّ بهم في سجون المملكة جراء الاشتباه في كونهم متطرفين إسلاميين في أعقاب تفجيرات 2003 في الدارالبيضاء.. «تمت إدانة العديد منهم في محاكمات غير عادلة، بعد أن تم إخضاعهم للاعتقال السرّي وسوء المعاملة، وأحياناً، «للتعذيب»، يقول نص تقرير المنظمة، في إشارة إلى ما يُعرَف بملف السلفية الجهادية. كما تطرقت المنظمة لظروف اعتقال مئات الأشخاص بعد الهجمات الإرهابية التي وقعت سنة 2007، حيث قالت إن السلطات الأمنية عمدت إلى اعتقال كل من يشتبه في كونه على ارتباط بالتيار السلفيّ، و»تمت إدانة العديد منهم، وصدرت أحكام بالسجن في حقهم ليس لأنهم ارتكبوا أعمالا إرهابية وإنما بسبب انتمائهم إلى «شبكة إرهابية» أو الاستعداد للالتحاق ب»الجهاد» في العراق أو في أماكن أخرى»، حسب ما جاء في التقرير. حالة السجون تطرقت المنظمة لوضعية القضاء وحالة السجناء، وذكّرت بالزيارة التي أجراها إلى المغرب خوان مينديز، مقرر الأممالمتحدة الخاص المعني بالتعذيب، وقالت إنه حصل على حق زيارة السجون والسجناء بدون أي قيود.. وتناولت ما ورد في التقرير الذي أنجزه المقرر الأممي في الموضوع، الذي أشار فيه إلى «وجود إرادة سياسية» لدى السلطات لبناء ثقافة مؤسسية تحظر وتمنع التعذيب والمعاملة السيئة»، رغم تطرقه لتلقيه تقارير وصفها ب»القابلة للتصديق» عن «تعرض المعتقلين للضرب واستخدام الصدمات الكهربائية والحرق بالسجائر». وذكّر التقرير بما انتهى إليه مينديز: «من حيث الممارسة، فإنّ الضمانات ضد التعذيب لا تجدي بشكل فعال بسبب عدم وجود أدلة على وقوع التعذيب، ومن ثم تبقى الاعترافات أو أقوال السجناء معمولاً بها ولا تُبذل جهود جادة للتحقيق أو الملاحقة القضائية أو العقاب في حق الجناة». وتوقف التقرير عند وضعية السجناء، ووصف الأوضاع في السجون ب «القاسية»، وعزا الأمر إلى الاكتظاظ الذي تعاني منه سجون المملكة وإلى تفاقم هذا المشكل بسبب لجوء القضاة إلى الاستعانة بمسطرة الاعتقال الاحتياطيّ في كثير من المتابعات القضائية. ورحّبت المنظمة بالتقريرين الصادرين عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، واعتبرهما خطوة رائدة، لاسيما في الشق المتعلق بالانتقادات التي أشار إليها التقرير بخصوص أوجه تقصير المؤسسات الاستشفائية المعنية بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية، والتقرير الثاني للمجلس عن الأوضاع في السجون، الذي ذكر وجود «أعمال ضرب ممنهجة وسياسات تعسفية في ما يخصّ العقاب ونقل السجناء واعتماد القضاة بشكل مفرط على مسطرة الاعتقال الاحتياطيّ». وبخصوص الضمانات التي نصّ عليها دستور فاتح يوليوز، أشارت «هيومان رايتس واتش» إلى أنه يحمي للمرة الأولى الحق في تكوين الجمعيات. لكن المنظمة الأمريكية تطرقت ل»استمرار المسؤولين في عرقلة الاعتراف القانونيّ بالعديد من الجمعيات على نحو تعسفيّ، مما يُعيق حريتها في العمل». كما أشار التقرير إلى عدم اعتراف السلطات المغربية بجماعة العدل والإحسان كتنظيم قانونيّ، رغم سماح السلطات للجماعة بتنظيم عدد من أنشطتها ومنعها عددا آخر. من جانب آخر، رحّب التقرير بما حققه المغرب في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، وتطرق لكون «الدستور الجديد يضمن المساواة للمرأة في نطاق أحكام الدستور وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة». وجاء في التقرير، كذلك، أنّ التعديلات الكبيرة التي أدخِلت على مدونة الأسرة المغربية سنة 2004 أفضت إلى رفع سن الزواج من 15 إلى 18 سنة وأدت إلى تحسين حقوق المرأة في ما يخصّ الطلاق وحضانة الأطفال. ولكن التقرير انتقد مدونة الأسرة في نسخة سنة 2004، حيث قال إنها حافظت على بعض الأحكام التمييزية المتعلقة بالميراث وحق الزوج في تطليق زوجته بشكل أحاديّ..