الساعة تجاوزت الثالثة زوالا، إنه الموعد الذي حدده حزب «النهج الديمقراطي» لتخليد «شهداء الشعب المغربي»، بقاعة المهدي بن بركة بالرباط. ورغم ذلك فإن الحاضرين فضلوا الهروب من برودة القاعة، والبقاء في الخارج للاستمتاع بأشعة الشمس، فيما كان صوت الشيخ إمام الحزين يصدح بالداخل وهو يغني «غيفارا مات» . داخل القاعة وضعت على المنصة صورة، بالأبيض والأسود، لرمز الثورة في العالم «تشي غيفارا» وهو يمد سيجاره الكوبي في وجه الجميع دون أن ينتبه إلى لافتة كبيرة كتب عليها «ممنوع التدخين». المطرقة والمنجل الشيوعيان لم يظهر لهما أثر وسط الرايات الحمراء التي انتصبت في قلب القاعة، وعوضتهما دائرة صفراء تقول: «إلى الأمام من أجل الاشتراكية»، فأصحاب المكان مازالوا يؤمنون بأن الأرض يجب أن تكون للفلاحين والمصانع للعمال. كلمة الرفيق كانت حاضرة بقوة، فالجميع رفاق هنا، ماعدا بعض المتلصصين من عناصر الاستعلامات الذين جاؤوا لينقلوا إلى آذان رؤسائهم شعارات المشاركين وأسماء الشهداء، قبل أن يجدوا أنفسهم في قبضة «الحرس اللينيني» الذي مشط المكان بعيون حساسة جدا من شيء اسمه المخزن، هؤلاء لم يدركوا أن الناس هنا يعرفون بعضهم جيدا منذ أن كان الحلم بالاشتراكية ما زال طفلا لم يخط بعد خطوته الأولى «إلى الإمام». القاعة التي كانت كنيسة في السابق مازالت تحتفظ برهبة خاصة، فيما يوزع الشهيد أمين التهاني الراقد في صورة وسط إطار كئيب نظرات عتاب للجميع، «لقد تحولت ذكرى الشهداء إلى دقيقة صمت وشعارات لمحاربة الإمبريالية وأغان حزينة»، يقول أحد المعطلين الذي جاء للمشاركة في تخليد كل من ماتوا في سبيل الحرية والكرامة. عبد الكريم الخطابي بدوره كان حاضرا، واحتفظ بابتسامة غامضة تطل من صورة عملاقة عليها جملة كتبت بالأمازيغية، عكس «لينين» الذي كان أنانيا ولم يحضر المناسبة، رغم أن عددا من الشهداء سقطوا باسمه، كما سقط آخرون باسم «الكوميرة». عبد الله الحريف، الكاتب العام للنهج الديمقراطي، تقدم إلى المنصة بخطوات متثاقلة قبل أن يشرع في إلقاء كلمته قائلا: «البلد لم يتقدم نحو الأهداف التي استشهد من أجلها كل هذا العدد»، وينادي بالنضال ضد «ديمقراطية الواجهة التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق من الانحطاط». الجمهور يتجاوب مع الدعوة، ويرفع شارة النصر فيما يواصل الحريف كلامه بنفس الإيقاع، ويتهم النظام ب«الفساد والعجز»، ليهتف الجمهور مرة أخرى بصوت جماعي «ملعون من يخون». الحاضرون نساء وشباب وشيوخ، وأطفال رضع ملؤوا القاعة بالصراخ، والجميع ينصت باهتمام لحديث الرفاق القدامى في الحركة الماركسية اللينينية، وتنظيم «إلى الأمام» الذي اتخذ من الماركسية منهجية للتغيير الثوري نحو الاشتراكية، وتمكين «الطبقة الكادحة» من امتلاك وسائل الإنتاج قبل أن يتوارى هذا الحلم بعد أزيد من ثلاثين سنة خلف شارة نصر، وأناشيد حماسية تعد أم الشهيد بالانتصار. القاعة تهتز مجددا بالزغاريد والشعارات التي تندد بالوضع الاجتماعي والاقتصادي في المغرب، فيما يواصل الحريف كلامه وهو يدعو «إلى انتزاع دستور ديمقراطي يضمن عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة»، و«يجعل من القضاء سلطة مستقلة». الهمة رغم أنه ليس ماركسيا، كان حاضرا في مناسبة تخليد ذكرى شهداء الشعب المغربي من خلال كلمة الحريف الذي وصف حزب الأصالة والمعاصرة ب«المولود المشوه»، وقال: «لقد راهن البعض على بعض القوى المتنورة قبل أن تخيب هذه الأخيرة الظن وتفرز مولودا مشوها باسم «الأصالة والمعاصرة».