انتقد محمد مدني، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس، مشروع القانون الخاص بإحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ونزاهتها، حيث سجل أن هذا المشروع يسير في اتجاه مركزة السلطة، خصوصا في مجال التعيين، على اعتبار أن قرار المجلس الدستوري بشأن التعيين في المناصب العليا، وأيضا نص مشروع القانون، يسير في اتجاه إضافة سلط جديدة إلى رئيس الدولة لم يحددها الدستور. وأضاف أنه «في نظام دستوري غير متوازن فإن هذا يخل بالتوازن». وأوضح أستاذ القانون الدستوري، خلال لقاء نظمته الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة «ترانسبارنسي المغرب» أول أمس بالرباط، لمناقشة مشروع القانون بشأن هيئة النزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن من بين شروط إنشاء الهيئة هو شرط الاستقلال المالي وإعطاؤها الإمكانيات المادية، ورسم حدود واضحة مع السلط الأخرى، وتحديد مهامها بشكل دقيق، وأن تكون معبرة عن ضرورة ديمقراطية، وتسير في اتجاه الحد من مركزية السلطة وليس لتدعيمها. وسجل مدني وجود إشكال في الأساس الدستوري لوظيفة التقييم الواردة في مشروع القانون الخاص بالهيئة، حيث أكد أن هذه الوظيفة غير مؤسسة دستوريا على اعتبار أن هناك جهات واضحة تختص في السياسات العمومية التي هي اختصاص حكومي، وتقييمها اختصاص برلماني بمساعدة المجلس الأعلى الحسابات. في السياق ذاته، وجه القاضي محمد عنبر، رئيس غرفة بمحكمة النقض ونائب رئيس نادي قضاة المغرب، انتقادات لاذعة إلى واضعي مشروع القانون الخاص بهيئة النزاهة ومحاربة الرشوة، بسبب «إقصاء» القضاة من التمثيلية داخل الهيئة، حيث أكد أن «محاربة الرشوة تعني أننا في معركة تحتاج إلى مدافع ورشاشات فعالة، والقضاة هم الذين يقودون قاطرة الإصلاح». ولم يفوّت نائب نادي قضاة المغرب فرصة انتقاده لمشروع قانون الهيئة دون أن يبعث برسائل قوية نحو قلعة السياسيين، حيث قال إن «القاضي هو الذي يصلح السياسي، وليس السياسي هو الذي يصلح القاضي». وسجل عنبر أن «هذه الهيئة غير مستقلة عن الحكومة، وإنما تتلون بلونها، حيث سيتم توجيه البحث ضد اليساريين متى كانت الحكومة مشكلة من اليمين وتوجيهه ضد اليمين إذا كانت الحكومة مشكلة من اليسار»، مستدلا بسياسة «عفا الله عما سلف»، التي اعتبرها نتيجة لتحالفات سياسية من أجل تشكيل الحكومة، وهي التحالفات التي لا تتشكل إلا بتنازلات، منها التغاضي عن نهب المال العام . وأكد عنبر أنه إذا أريد لهذه الهيئة أن تكون مستقلة فيجب أن تتشكل من القضاة لأنهم ليست لهم مصالح حزبية وضيقة وإنما هاجسهم هو تطبيق القانون وتحقيق العدالة، مسجلا في الآن ذاته «استمرار تكريس دور وزير العدل في الوقت الذي يطالب فيه القضاة باستقلال عنه». وقد طالب رشيد فيلالي مكناسي، عضو المجلس الوطني لجمعية محاربة الرشوة، بتخويل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة صلاحية إطلاق المتابعات القضائية في حق المتورطين في قضايا الرشوة، بعدما سجل أن النيابة العامة تبقى جامدة أمام ملفات تعرض عليها من لدن المجلس الأعلى للحسابات أو جهات أخرى.