يمثل الأبناء أهمّ النعم التي ينعم بها الله على الأزواج، فهم قرة أعينهم، يهتمّون بتربيتهم ويكدّون لأجلهم ويُضحّون في سبيل سعادتهم حتى يعيشوا حياة كريمة.. ولكنْ هل يتساوى حب الآباء لجميع الأبناء أم إن هناك تمييزا في المعاملة ولو ضمنيا، أو حتى دون أن يشعر الوالدان؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا التمييز؟ وعلى أي أساس يقوم؟ فهل هو التمييز بين الذكر والأنثى أم بين الصغير والكبير، أم بين الطفل الجميل والأقل جمالا؟.. أسئلة وأخرى تجيبنا عنها نعيمة الوعاي -مدرّبة التنمية البشرية- من خلال اللقاء التالي.. أكدت نعيمة الوعاي أن التمييز يظهر بين الأبناء بأشكال متعددة ومتنوعة، إلا أننا قد نجد الابن يعاني من نوع واحد أو أكثر -حسب نوعية والديه وطبيعتهما- فمن الناحية المادية نجد أحد الوالدين أو كلاهما يميز بين الأبناء في الملبس والمأكل أو بتوفير الألعاب أو تلبية طلباته بمجردّ مطالبته بها. ومن الناحية المعنوية أو العاطفية، نجد الاختلاف في الاهتمام بالأبناء ومداعبتهم والعطف والحنان عليهم، بل حتى في تقبيلهم، فإعلان المحبّة للأبناء دون تمييز هو تعبير عن حب وحنان الوالدين ومحاولة منهما الوصول إلى أعلى درجات المساواة، فإن لم ينجحا في ترجمتها وتجسيدها على أرض الواقع عبر التصرّفات الفعلية، فإن ذلك سيفضح ما قد يُخفيه الأب والأم على حد سواء. ويلاحَظ -وفق نعيمة الوعاي دائما- أن الآباء قد يلجؤون إلى التمييز حتى في ضبط أبنائهم وتأديبهم، فقد يتعرض أحد الأبناء للعقاب البدنيّ جراء خطأ بسيط ارتكبه، بينما يتم التسامح مع الطفل «المحبوب»، رغم الذنب الذي اقترفه، بل والدفاع عنه وتبرير تصرفاته والتظاهر بعقابه أحيانا.. وتنبّه الوعاي إلى الآثار السيئة للتمييز بين الأبناء على الطرفين -المميَّز لصالحه والمميَّز ضده- إضافة إلى ترك آثار على طبيعة التعليمات المتبعة في الأسرة والتنشئة الأسرية للأبناء، ومن أهمّ هذه الآثار ما يلي: -يفضي التمييز إلى علاقة سلبية تنافرية بين الأبناء، حيث يميل الطفل المُميَّز ضده إلى كره أخيه الآخر وغيرته منه لكونه مقربا من والديْه، وحسده على الحنان والرعاية اللذين يحظى بهما واللذان جاءت على حسابه.. وقد يصل به الأمر إلى حد أن يتمني أن يصاب أخوه بمكروه حتى يحتلّ مكانه ويحظى باهتمام والديْه.. -قد يؤدي الإحساس بالتمييز إلى الإصابة بأمراض نفسيّة عديدة، وتكون من نتيجة ذلك فشل الطفل في تحقيق أهدافه المستقبلية وإشباع حاجاته الجسمية والنفسية والاجتماعية بشكل سويّ، وشعوره بالفشل والإحباط ووقوعه تحت وطأة التوتر والصراع النفسيين؛ -تبيَّن في كثير من الحالات عند الأطفال الذين تم التمييز ضدهم منذ الصغر أنّ مشاعر الضيْق والحقد قد ترافقهم عند بلوغهم، وقد تنعكس على معاملتهم مع أطفالهم في المستقبل؛ -قد يعاني الطفل المفضّل -هو الآخر- من نظرة إخوانه العدائية ومن الكره الممارس ضده على مستوى السلوك اليوميّ، وقد يصل الأمر إلى مستوى إلحاق الضرر، بالتجريح والمقاطعة والضرب في بعض الحالات. وتقدم نصائح للآباء من أجل تفادي السقوط في ما لا تحمد عقباه نتيجة تفضيلهم طفلا عن آخر. -لا بد أن تجنب الوالدان الوقوع في التمييز من خلال العمل بأسس التربية وقراءة نفسية الأبناء، كمحاولة لفهم دواخلهم ومعرفة احتياجاتهم وردود أفعالهم، وهو ما يتطلب جهداً ودراية خاصين، لترجمة المحبة والشعور الداخلي إلى سلوكات وتصرفات، وفي حالة عدم القدرة على ذلك فلا بأس من التصنّع لإبداء المحبة لجميع الأبناء.. -إعطاء الأبناء حقّهم في التعبير عن مشاعرهم وحاجاتهم، والاستماع إليهم جميعا؛ -عدم إيلاء اهتمام كبير للطفل الصغير بشكل ملفت للنظر، خاصة أمام أخيه الذي يكبره مباشرة، لكي لا يفسّر ذلك بأنه نوع من التمييز بينه وبين إخوته؛ -بثّ روح التعاون والمحبّة بين الأطفال بعضهم البعض وتكليفهم بمهام جماعية من شأنها خلق هذا التعاون؛ -عدم ذكر السلبيات في الطفل وتجريحه أمام أخوته عند القيام بالخطأ، بل مناقشة ذلك معه على انفراد؛ -العدل والمساواة حتى على مستوى معاقبة الأبناء على خطأ ارتكبوه وتشجيعهم -بالمساواة أيضا- على التصرفات الحكيمة التي تظهر عليهم. نعيمة الوعاي مدربة في التنمية البشرية