يجتذب السياسيون إلى القوة ويبتعدون عن الضعف. لا بديل لهم: إذا تصرفوا خلاف ذلك، سيصعب عليهم البقاء. عندما يشمون الدم أو الخوف لدى الخصم، يسارعون إلى غرس أسنانهم فيه، تمزيقه إربا وتركه جيفة على قارعة الطريق. هذا ما حصل في الأيام الأخيرة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الزعيم الذي لا يهزم، بطل الألاعيب السياسية، «المدفع» بتعبير سريت حداد، ينزف مقاعد في الاستطلاعات وشركاؤه من يوم الأربعاء يبتعدون عنه وينهشون لحمه؛ أولهم كان شيلي يحيموفتش التي غمزت نحو الائتلاف المستقبلي لنتنياهو طالما بدا رئيس الوزراء قويا، ولكن ما إن ضعف حتى أعلنت بانها لن تجلس في حكومته بعد الانتخابات؛ والآن انضم إليها أيضا «الشريك الطبيعي» لنتنياهو، أفيغدور ليبرمان، الذي يتحدث عن فصل الليكود وإسرائيل بيتنا بعد الانتخابات، الخطوة التي، إذا ما تحققت، ستترك رئيس الوزراء في رأس كتلة ضيقة سيصعب عليها أداء مهامها كحزب سلطة؛ فالخصومة بين ليبرمان ونتنياهو على قيادة اليمين ليست جديدة، ولكنهما عرفا كيف يتعاونا في الحكومة المنصرفة، وعندما شخصا عدم شعبية حزبيهما في الجمهور اختارا توحيد القوى في قائمة مشتركة للحفاظ على الحكم. أما التنكر الحالي من جانب ليبرمان، بعد الاستخفاف العلني للرقم 2 عنده، يئير شمير، بنتنياهو، فيدل أكثر من أي شيء آخر على ضعف رئيس الوزراء. ماذا حصل له؟ كيف يحتمل أن يجد قائدُ حملة ناجح كنتنياهو صعوبةً بالذات في الحملة الانتخابية التي كان انتصاره فيها مضمونا مسبقا، حين لم يكن غيره يتنافس على قيادة الدولة؟ في نظرة إلى الوراء، يبدو أن رئيس الوزراء محق في مساعيه لتأجيل الانتخابات قدر الإمكان.. يبدو أنه فهم الأجواء العامة، التي ترى فيه خيارا اضطراريا وليس زعيما محبوبا. كما أن نتنياهو المجرب عرف أن شيئا ليس معروفا مسبقا في حملة الانتخابات، المرشحة للمفاجآت والتقلبات. ولكن من اللحظة التي قدم فيها موعد الانتخابات، ارتكب نتنياهو الخطأ إثر الخطإ وكأنه نسي الحرفة قبل الاختبار؛ فقد قرر مسبقا أن يدير الحملة فقط في أوساط ناخبي «الكتلة»، وتنازل عن التوجه إلى أصوات الوسط. وعليه، فقد كسر بانفلات إلى اليمين وأعلن عن حث خطة البناء في المستوطنات كعقاب للفلسطينيين على إعلان دولتهم كمراقب في الأممالمتحدة. وكان هذا استفزازا واضحا وصريحا للأسرة الدولية. وعلى أي حال، فقد اعتقد نتنياهو أن الشجب الأوربي الأمريكي سيعززه في نظر المقترعين الذين يريدون «ردا صهيونيا مناسبا»؛ ولكنه فوجئ إذ اكتشف أن هؤلاء المقترعين سمعوه وتسللوا إلى أذرع نفتالي بينيت. عندها ارتكب نتنياهو الخطأ الفتاك، وخرج في هجوم جبهوي على بينيت، الذي عرضه كرافض للأوامر ومقصٍ للنساء. وهكذا جعل نتنياهو الليكود كحزب يميني يتنافس مع البيت اليهودي، وليس كحزب سلطة مركزي. وواصل بينيت التعزز. وفي نهاية الأسبوع، تعلق نتنياهو بمبادرة تسيبي ليفني لخلق «كتلة مانعة» ضد الليكود. وعلى الفور، امتشق من المخزن الشيطان القديم شمعون بيريس، الذي دفع نحو الصفحة الأولى في «إسرائيل اليوم» كمن يبادر إلى فرض حكم اليسار على الدولة. حسن أن «المتآمر الذي لا يكل ولا يمل» لا يزال في الصورة.. خسارة أن الحملة ضده تنز رائحة كريهة من العفن. نتنياهو لا يعرض على الجمهور الإسرائيلي أي أمل في تحسين وضعه في المستقبل، بل مجرد المزيد من ذات الشيء. صفحته على الفيسبوك تعرض صورة جبل البيت مع كتابة «قدس الذهب، سبت سالم». المشهد جميل، القبة الذهبية تلمع تحت الشمس، ولكن ما هي صلة هذا بمشاكل الدولة وحلها؟ إذا لم يكن لنتنياهو ما يقوله، فلا يجب أن يُفاجأ من ابتعاد الناخبين عنه، وفي أعقابهم أيضا شركائه في الائتلاف المستقبلي. الحملة لا تزال غير ضائعة؛ فالأسبوعان الأخيران من كل حملة انتخابية تتميز بالمفاجآت، الصعود والهبوط. نتنياهو يمكنه أن يعود إلى نفسه، مثلما فعل بعض من أسلافه في أوضاع مأزومة مشابهة. ولكن إذا استمر هكذا، حتى لو فاز بانتصار طفيف، فإن المصاعب الحالية ستبدو كنزهة لطيفة حيال الجحيم السياسي الذي ينتظره بعد الانتخابات. عن «هآرتس»