يعيش حوالي 8.5 ملايين مغربي وضعية الهشاشة، لا يملكون معها شروط الاستقرار الاجتماعي، وتعوزهم معها عناصر العيش الكريم.. لا يملكون إمكانيات التطبيب والسكن اللائق والتمدرس السليم لأبنائهم. كيف يحصلون على ذلك ومدخولهم لا يفوق 10 دراهم في اليوم؟ ومن هؤلاء أرامل ومطلقات ومسنون بدون مساعد ولا معيل، ولا قدرة لهم على العمل وطلب الرزق. يجترون كل يوم كل أشكال المعاناة من أجل ضمان قوتهم، مع ما تفتحه هذه الهشاشة من باب واسع لكل أشكال السقوط الإنساني أمام الحاجة، من أمثال التردي إلى الدعارة والإجرام والتسول وغيرها من الظواهر الاجتماعية والثقافية السلبية في وطننا. وفي مقابل هؤلاء المحرومين، يستحوذ حوالي 3 في المائة من المغاربة، أي ما يقارب المليون شخص، على ما يقارب 20 في المائة من الثروة الوطنية. ليس الهدف هاهنا هو أن نجادل في مصادر ثروة هؤلاء، ولكن أن نحدد مسؤولية الثروة أمام المجتمع، وما يترتب عنها من ضرورة الانخراط في بناء التماسك الاجتماعي، من خلال فريضة التضامن كتعبير عن المواطنة، وكشرط لتحقيق الانتماء الجماعي إلى هذا الوطن الواحد؛ ذلك أنه في ميزان المواطنة، لا فرق بين هؤلاء وهؤلاء، فكلهم أبناء هذا الوطن، يحملون اسمه ويفخرون بالانتماء إليه، وهم سواسية في الحقوق أمام موروثه الجماعي، الرمزي والتاريخي. على أنه اليوم، وبعد بناء الدولة الحديثة وتغير معالم البناء المجتمعي وما حدث معه من تغير في مؤسسات المجتمع وأشكال عمله وتقدمه، حيث حدث التحول من المجتمع القبلي إلى المجتمع العصري، وجب تطوير أدوات المواطنة والعيش الجماعي. إذا كان مجتمعنا، إلى عهد قريب، يعيش كل أشكال التضامن والتعاون من خلال مؤسسات العائلة والقبيلة والجماعة، فإن تراجع هذه المؤسسات إثر التطور الحاصل على مستوى النموذج الاقتصادي والاجتماعي (شيوع الأنظمة الاقتصادية الغربية) يجعل من الواجب أن تتقدم الدولة للقيام بهذه الأدوار الضرورية واللازمة لقوة وتماسك المجتمع. وعلى هذا الأساس، فإنه من اللازم التأكيد على أن أهم أسس المجتمع هي التضامن والتعاون بين عناصره، وتتمثل أهم أشكاله في التضامن المادي، وهو ما يعبر عنه بالضريبة؛ فالضريبة هي فريضة التضامن، وعلى قدر أداء المواطن للضرائب على قدر تضامنه مع مواطنيه من أجل النهوض العام بوطنهم المشترك. ومن اللازم التذكير بأن التضامن يأخذ أشكالا متعددة، ليس لها بالضرورة طابع مادي، وكمثال على ذلك الانخراط في الجيش، فهو من أسمى أشكال التضامن الجماعي، حيث يخاطر الفرد بحياته من أجل الدفاع عن الكيان المشترك (الوطن) وعن أفراده. هذا من حيث مبدأ التضامن، أما من حيث شكله وكمه، فالقرار على هذا المستوى ينبثق من داخل التفاعل الديمقراطي، المبني على الحوار والتدافع الاجتماعي والسياسي، حسب المرحلة والحاجة. وهنا يجب التوافق على أنه من الصعب الاتفاق إطلاقا على حد معين من المساهمة الفردية إزاء المجتمع يمكن اعتبارها عادلة أو معقولة، فكل دولة، وفق شروطها السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية، تضع هذه النسب في مستوى معين. وفي هذا الإطار، من المفيد أن نعرج على تجارب أجنبية ملهمة، حيث يمكن الاستشهاد، مثلا، بما يقع في بلد كفرنسا، حيث دخل حيز التنفيذ واحد من الوعود الانتخابية الأكثر جدلا للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال حملة الانتخابات الرئاسية، وهو إحداث ضريبة على الدخل تبلغ 75 في المائة على كل دخل يتجاوز المليون أورو سنويا! وهذا أمر لا يمكن تصوره في بلد كالولايات المتحدةالأمريكية أو بريطانيا وبلدان أخرى عديدة. وفي ما يخص المغرب، فإننا نعيش حاليا على وقع قرار الحكومة فرض ضريبة على ذوي الدخل المرتفع (مقارنة بالأجر المتوسط) والشركات الأكثر ربحا لتمويل صندوق التماسك الاجتماعي، حيث أقرت ضريبة على الأجور التي تفوق شهريا 30.000 درهم والشركات التي تفوق أرباحها 15.000.000 درهم (عددها حوالي 500 شركة). ومهما كان موقفنا من هذه النسب، فإنه لا يمكن إلا نثمن هذه الخطوة التي تأكد قيم التضامن العريقة في بلدنا، وتؤسس لقاعدة المساهمة على حسب الموارد كأساس للتكافل والتآزر في بناء التماسك المجتمعي، من خلال الإسهام في الرفع من قساوة الفقر والهشاشة على هذه الفئات العريضة من الشعب المغربي، والتي لا يمكن على كل حال تركها على الرصيف، بدون العمل على دمجها وتوفير شروط الكرامة الاجتماعية والإنسانية لها. أبوالعرب عبد النبي أستاذ باحث