قبل أيام، سمعت أن مغربيا مقيما في هولندا، كان يسهر في أحد ملاهي طنجة، أنفق أكثر من 100 مليون سنتيم «غْرامة» على راقصة لها خصر أبْرعُ بكثير من أقدام «ميسي». وقبل أيام، أوردت صحيفة «إيل باييس» خبر انتحار رجل إسباني في التاسعة والخمسين من عمره قبيل حكم المحكمة بإفراغهِ من منزله الذي لم يستطع الاستمرار في دفع أقساطه بسبب الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها البلاد. وقبل بضعة أسابيع، استقبلت شواطئ طنجة جثث مهاجرين سريين لم يفلحوا في الوصول إلى الشواطئ الإسبانية، وحدث ذلك في وقت متزامن مع انتحار امرأة من شمال إسبانيا كانت مهددة أيضا بإفراغ منزلها لأنها وجدت نفسها عاطلة عن العمل. لنحاول أن نفهم، إذن، هذه المعادلة الصعبة.. كيف أن بلدا ينفق فيه رجل واحد 100 مليون سنتيم في ليلة واحدة بملهى ليلي، هو نفس البلد الذي يصدر المهاجرين السريين إلى بلد ينتحر فيه الناس لأنهم صاروا عاطلين ولا يستطيعون الاستمرار في دفع الأقساط المتعلقة باقتناء منازلهم؛ وكيف أن الشاطئ الذي يوجد به الملهى الليلي هو تقريبا نفس الشاطئ الذي رمت فيه الأمواج بجثث مهاجرين بؤساء؟ حتى لو نهض كل علماء الرياضيات من قبورهم لكي يحلّوا لنا هذه المعادلة فإنهم لن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا، وحتى لو تجمع علماء الإنس والجان لكي يشرحوا لنا هذه الظاهرة الغريبة فإنهم لن يفلحوا في ذلك، لأن هذا المغرب يصيب بالجنون إذا حاول أحد فهمه. وقبل بضع سنوات سمع المغاربة جميعا بزيارة هيفاء وهبي للمغرب، حيث أحيت حفلا غنائيا على ظهر باخرة في طنجة بمناسبة افتتاح إذاعة خاصة، وأخذت قرابة 130 مليون سنتيم مقابل 20 دقيقة من بعض «الهزات والغمزات»، بينما تلك الباخرة نفسها التي غنت فوقها يتسلل تحتها باستمرار أطفال مغاربة تحت العاشرة من العمر من أجل الهجرة إلى أوربا. في ذلك الحفل، كان حاضرا وزير الاتصال آنذاك، نبيل بنعبد الله وحرمه، ووالي طنجة آنذاك، محمد حصاد وحرمه، وكلهم حالت تمايلات هيفاء دون سماعهم وقع أقدام المهاجرين الصغار وهي تهرول للاختباء بين قنوات و»قوادس» الباخرة. وهذه الأيام، سمعنا أن مغاربة جددا دخلوا لائحة «فوربس» لأغنى أغنياء العالم، وهؤلاء الأغنياء الجدد هم أباطرة العقار الذين باعوا المغاربةَ أقفاصَ دجاج بسعر الذهب، وفي النهاية يعرف الجميع أن المغرب لا يزال غارقا حتى الأذنين في عار مدن الصفيح. في هذه الحالة، وحتى لو جئنا ب»شمْهروش» الشرح والتحليل فإنه سيعجز عن تفسير كيف أن أغنى أغنياء العالم المغاربة الذين استفادوا من فورة العقار، هم أنفسهم الذين أبقوا المغرب مرميا في قعر الخندق في مجال العقار؟ المغرب أيضا، وفق ما تقوله إحصائيات البنك الدولي وهيئات مستقلة، به أزيد من 7 ملايين يعيشون تحت عتبة الفقر. لكن الإحصائيات المغربية الرسمية تقول أيضا إن تهريب الأموال من المغرب نحو الخارج وصل أرقاما قياسية. هل يوجد رجل صالح يشرح لنا كيف أن المغرب الذي به أزيد من سبعة ملايين مواطن بالكاد يجدون لقمة العيش هو نفسه البلد الذي يوجد من بين أولى البلدان في العالم في مجال تهريب الأموال والثروات إلى الخارج؟ وقبل أسابيع، صُدم المغاربة بمقتل قرابة 50 مسافرا بمنطقة «تيشْكا» في الجنوب بسبب رداءة الطريق، واندهشوا أكثر حين عرفوا أن مشروعا لإقامة نفق في المنطقة يوجد حبيس الرفوف منذ نصف قرن، ثم صُدموا أكثر حين خرج وزير التجهيز ليقول إن النفق سيكلف الكثير، وبعد ذلك أصيبوا بالذهول حين عرفوا أن الملايير التي تكدسها الدولة في ما يسمى «الصناديق السوداء» كافية لتحويل المغرب إلى بلد محترم في بضع سنوات. هل نستمر في سرد سلسلة التناقضات المريعة في هذا البلد العجيب؟ غير ممكن، لأننا سنحتاج في ذلك إلى سلسلة أطول من حلقات «حريم السلطان». كل ما نحتاجه لتفسير معضلتنا هو ذلك الرجل الحكيم، سيدي عبد الرحمان المجْدوب، الذي فهم حالنا قبل أن يرانا، وقال قولته فينا: يا ويلْ من طاحْ في بيرْ وصعْب عليه طْلوعو فْرفرْ ما صاب جنْحين يبكي ما سالو دْموعو