دعا وزير الثقافة المغربي الأسبق في أخريات حكم الملك الراحل الحسن الثاني، محمد علال سيناصر، إلى فتح حوار وطني حول مشكلات الثقافة المغربية، مستوحيا طروحاته من خلال تجربته الميدانية في الوزارة، التي حاول طيلة المدة التي قضاها على رأسها تنزيل تصوراته في تحريك الراكد الثقافي. وضمن مقترحه في إعادة الحرارة إلى أسلاك الفعل الثقافي في كتابه الصادر حديثا والمعنون ب «نظرات في تدبير الشأن الثقافي بالمغرب (1992-1995». وتضمن الكتاب تأملات تستلهم التجربة الطويلة للمؤلف كمسؤول عن قطاع الثقافة وكمفكر متأمل في أوضاع الإنتاج الفكري والفني والأدبي بالبلاد، تتمحور جميعها حول تشخيص اختلالات السياسة العمومية في القطاع ومداخل النهوض وتنشيط الحركة الثقافية في ارتباطها بمسلسل التنمية بكل أبعاده الاجتماعية والاقتصادية. وينطلق محمد علال سيناصر من ثراء الذاكرة الثقافية للمغرب وتجذر حساسيتها تجاه الفن والثقافة ليخلص إلى أن «الثقافة التي يسعى المغرب إلى الحفاظ على قواعدها، والحرص على نشر كوامنها، هي الثقافة المتجددة والمتطورة، والمستجيبة للقيم الروحية والدينية والأدبية التي نشأ المغاربة عليها، وللمشاعر والطموحات الوطنية التي نحن جميعا متمسكون بها». في المقابل يؤكد الكاتب على ضرورة تجديد أساليب العمل، من خلال تعزيز مؤهلات المواطنين، نساء ورجالا، والرفع من قدراتهم الإبداعية، وتقوية رأس المال البشري، «الذي قد يكون في واقعه نوعا من رأس المال الاقتصادي». يقترح المؤلف في كتابه، الذي يقع في 217 صفحة، إضاءات لأبعاد هامة تؤطر كل سياسة عمومية ناجعة في المجال الثقافي. ويحدد الملامح العامة لهذه السياسة في خطة عمل كان قد أعدها الوزير السابق بعنوان «تدبير الشأن الثقافي في المغرب»، وتتمحور حول الحفاظ على الهوية وصون الأصالة وتنشيط الثقافة باعتبارها مصدرا للتقدم العلمي والازدهار التقني وتحفيز القدرات الإبداعية، ثم جعل الثقافة قادرة جغرافيا على تمكين المغرب من القيام بدوره كجسر عربي إسلامي نحو جيرانه جنوبا وشمالا. تعكس فقرات الكتاب هاجسا مركزيا لدى المؤلف يتمثل في استشراف مستقبل الثقافة الوطنية في عصر الطرق السيارة الإلكترونية، وربطها بتحولات المجتمع وبحاجيات الطفولة المغربية، فضلا عن تأملات قطاعية في أوضاع المسرح والموسيقى والمعالم التراثية. ويسجل الباحث محمد مصطفى القباج في تقديمه للكتاب، أن المغرب لم يتوصل إلى صياغة استراتيجية للثقافة، سواء لتدبير شؤونها أو لتفعيل التنشيط أو الإنتاج في مجالي الفكر والإبداع، مما تسبب في «هشاشة القاعدة القيمية والفكرية والجمالية التي تتأسس عليها التنمية بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والحضارية، وبالتالي هشاشة العلاقة بين مركبات المغرب المدنية والسياسية وبين الحداثة والديمقراطية». ويدعو القباج إلى مجابهة هذا الوضع الإشكالي بحوار عمومي من أجل صياغة استراتيجية ثقافية تيسر الوصول إلى بناء مغرب جديد «يكون بمقدوره الحضور الكامل في عالم الألفية الثالثة، والعضوية الفاعلة في نادي المنورين الرافضين للهويات المنغلقة، والمسلحين بقوة عقلانية استشرافية». أصدر محمد علال سيناصر كتبا في مجال الفلسفة والثقافة، تمحورت أساسا حول الإبستمولوجيات والفلسفة العربية الإسلامية. وهو عضو في أكاديمية المملكة المغربية، وعضو مراسل في معهد مصر، وعضو مراسل في أكاديمية المملكة البلجيكية، وعضو في مكتب الاتحاد الدولي للأكاديميات من 1991 إلى 1996.