لا يستطيع أي حزب سياسي في المغرب، مهما بلغت قاعدته الجماهيرية، استقطاب تلك الجماهير العريضة التي تحج إلى الملعب لمشاهدة مباراة في كرة القدم بين فريقي الرجاء والوداد؛ ولا يستطيع أي زعيم سياسي، مهما كانت حمولته ومرجعيته الفكرية والنضالية، أن يملأ مدرجات ملعب من حجم مركب محمد الخامس، حتى ولو منح حزبه تعويضا ماليا عن الحضور؛ لكن قطبي كرة القدم في الدارالبيضاء لديهما جاذبية استقطاب غريبة يحسدان عليها من طرف الأحزاب السياسية التي تعاني من العزوف الجماهيري، إلى درجة أن بعض السياسيين يحرصون أشد الحرص على حضور موقعة ال«ديربي» لترويج صورتهم لدى الجمهور الواسع. خلال فترة الانتخابات، يوزع المنتخبون تذاكر المباراة على أتباعهم، ولسان حالهم يقول «عقل ما ترد»، وبعض أعضاء مجلس المدينة يمنحون «بادج» منظم لمديري حملاتهم الانتخابية السابقة واللاحقة، بل إن مجلس المدينة قد اقترح في «ديربي» سابق خطوة تطبيعية بين الحمر والخضر تنبعث منها رائحة سياسية فاضحة، عبر مقترح انتداب عضوين في المجلس أحدهما رجاوي والآخر ودادي ليتبادلا فوق رقعة الملعب علمي الفريقين قبل إطلاق صافرة بداية المواجهة الكروية، وهو ما يجعل السياسة وجبة مقدمة لآلاف المشجعين، لكن المقترح رفض جملة وتفصيلا من السياسيين أنفسهم، خوفا من انعكاسات هزيمة ميدانية على المسار الانتخابي لرجلي السياسة. ابتلعت مباراة ال«ديربي» حدث المسيرة الخضراء، وطغت «موشحات» المدرجات على أغان من ألبوم المسيرة تتمسك بكل شبر من الصحراء، فيما يتمسك جمهور الفريقين بالانتصار؛ بل إن اللوحات الفنية التي رسمتها مدرجات الملعب قبل المباراة لم تعر أدنى اهتمام لتزامن المواجهة مع ذكرى عيد المسيرة الخضراء، فغابت عن ال«تيفو» إشارات الحدث التاريخي، لأن ما يشغل الفريقين هو الزحف نحو نهائي كأس العرش، والحرب الحقيقية هي حرب العشب الأخضر لا حرب الرمال. رغم ذلك، حرصت السلطات الأمنية على مراقبة مضامين اللافتات قبل إشهارها أمام ملايين المشاهدين، دون أن تتمكن من مصادرة قوافي شعراء الملاعب، التي تغنى فيها كل فصيل جماهيري بناديه، فالحمر يصرون على أن ودادهم هي وداد الأمة، والخضر يؤكدون أن رجاءهم هي رجاء الشعب؛ بل إن «الموشحات» خرجت أحيانا عن نص الالتزام بالقيم الرياضية إلى إعلان العداء للعاصمة السياسية من خلال خطاب مشبع بالوعد والوعيد: «وا العاصمة واحنا جايين»، «مكانة أنتي عاصمة». خلال فترة الإعداد لهذا ال«ديربي»، وعد عامل عمالة أنفا بالجلوس مع مسيري الوداد في الجولة الأولى، والانتقال إلى ضفة الرجاء في الجولة الثانية، لكن حين علم بأن المباراة مهددة بتجاوز الوقت الأصلي وبلوغ الشوطين الإضافيين أنشأ منصة جمعت مسؤولي الفريقين تعفي من التنقل بين المدرجات؛ بل إن الوزير السابق للرياضة، منصف بلخياط، هو مبدع فكرة جولة لكل فريق من باب جبر الخواطر. استقطب «ديربي» أول أمس، كعادته، العديد من الفعاليات السياسية، لكن غاب عنه هذه المرة وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، الذي ربما فرض عليه منصبه ضرورة التزام الحياد الكروي؛ أما وزير الشباب والرياضة الحالي، محمد أوزين، فلم يصل إلى الملعب إلا مع بداية الجولة الثانية من المباراة، بسبب حالة الاختناق التي عرفتها المدينة يوم ال«ديربي»، فيما ظل بعض مناضلي حزب الحركة الشعبية ينتظرون طلعته لتصفية بعض الملفات الجهوية العالقة. ولأن الوداد يضم، في تشكيلته، أغلبية من المكتب التنفيذي لحزب الأصالة والمعاصرة، فإن غضبه على التحكيم سيهدد بنقل التظلم إلى قبة البرلمان من خلال سؤال شفوي قد يعيد الفهري من جديد إلى قفص الاتهام، ويستنفر لجنة لتقصي الحقائق تحط الرحال بمديرية التحكيم، لكن أخشى أن تنال اللجنة بطاقة حمراء من حكام لا يعترفون بالسياسة والسياسيين.