فقد سوقان لبيع أضاحي العيد في مراكش بريقهما وحركيتهما الدؤوبة، بعد أن طغت عليهما المحلات الشعبية في الأحياء والشوارع والاسطبلات الموجودة في البوادي المجاورة للمدينة الحمراء، والتي تستقبل عشرات الباعة يوميا، من أجل اقتناء أضحيتهم. كان يوم الاثنين الماضي بداية الأسبوع الأخير قبل يوم العيد، وهو اليوم الذي يبلغ ذروة زيارة السوق لشراء الكبش، لكنْ هذه المرة ليس كباقي الأيام الأخيرة في السنوات الماضية، التي تعرف توافد عدد كبير من طالبي أضحية العيد. ففي سوقي الأربعاء والمحاميد، السوقين الرئيسيين في مدينة مراكش، لم تكن الأعداد الغفيرة من الباعة والعارضين للأكباش قد حلت بهما، وهو الأمر الذي اعتُبر غريبا بالمقارنة مع حجم الاكتظاظ الذي كان سمة هذين السوقين في السنوات الماضية. الإسطبلات محج المراكشيين كانت حركة الشاحنات وأعدادها مؤشرا كافيا للقول إن الركود هو الطابع السائد في السوق.. لم تكن أصوات الباعة تتعالى بالشكل الذي يجعلك تحسم بأنّ العرض والطلب على الأضاحي لم يتغير بعدُ رغم مرور السنين والعقود. كان العاملون في السوق، الذي يحجّ إليه سكان مراكش الحمراء، يتجولون وسط العدد القليل من الشاحنات التي حمَلت بضع الخرفان إلى السوق من أجل بيعها، وهو الأمر الذي جعل سعيد الرغيان، الشاب الذي يغتنم فرصة العيد للعمل في حمل الأضاحي في عربته المتهالكة، يؤكد ل»المساء» أن السوق هذا السنة «ما فيهْ ما يْتّشافْ».. حتى أعداد «الشناقة» تضاءلت نظرا إلى ضعف الطلب وقلة العرض وارتفاع أسعار الأضاحي بجميع أنواعها. وجعل هذا الوضع السوقَ يبدو خاويا على عروشه، إلا من نزر قليل من الأكباش والباعة والمشترين، الذين لم يجدوا بدا من التنقل نحو سوق المحاميد، الموجود على الطريق الرئيسية الرابطة بين مراكش ومجموعة من المناطق (آيت إيمور، أكفاي وغيرها) وإلى سوق الأربعاء، الموجود قرب تعاونية الحليب الجيد، لاقتناء أضحية العديد. أضحى خروف العيد في هذين السوقين من عاشر المستحيلات بالنسبة إلى اللفئات ذات الدخل الضعيف والمتوسط على حد سواء، مما جعل الكثير من المراكشيين يلجؤون إلى ضيعات وإسطبلات الفلاحين ومن يسمونهم «الكسابة»، الذين فضّلوا بيع أغنامهم في إسطبلاتهم، سواء عبر وسطاء أو لمعارفهم وأفراد من عائلاتهم. وهكذا أضحت الإسطبلات والضيعات الفلاحية محجّا للعديد من المراكشيين الراغبين في شراء أضحية عيد تجمع بين الحُسْنيين: حسن الجودة العالية والثمن المناسب، ولو بالتقسيط ودون فوائد.. وهكذا صارت مناطق السويهلة، رأس العين، الشويطر، المزوضية، بوشان، وأيت أورير، مجاط، إيمنتانوت، الشماعية، قلعة السراغنة، العطاوية شيشاوة وأمزميز ملاذا لطالبي «المْليحْ».. الشراء بالتقسيط يرجع الإقبال على هذه المعاقل، التي تتنامى يوما بعد يوم بشكل ملحوظ جدا، في أن جودة الأضحية المقدم في هذه المناطق تكون مضمونة، خصوصا أن الذين يقدمون الأكباش للمشترين يكونون مصدرَ ثقة ومن أمكنة معلوم. وفي الإسطبل يطّلع المشتري على أنواع الأعلاف والحبوب المقدَّمة للأضحية ويكتشف، عن كثب، الظروف الصحية التي نما فيا الخروف، بينما يقوم بعض الباعة و»الكسابة» برعي الأغنام وسط الأزبال، ومنهم من «يعلفونه» مواد غير صحية، مما يهدد السلامة الصحية للمواطنين. وفي المحلات التي يكتريها بعض الباعة وسط الأحياء والشوارع التي تعجّ بالسكان والمارة، يعرض عدد كبير من الفلاحين والكسابة سلعهم، وهو ما يُمكّن المواطنين من معاينة الأكباش بشكل مريح بعيدا عن «اللصوص»، ونقلها بسرعة دون عناء المسافة الطويلة والاضطرار إلى الاستعانة بسيارات النقل أو العرابات المجرورة لإيصال الخروف إلى المنزل، مما يتطلب مصاريفَ إضافية.. وتخوّل هذه المحلات للمشتري استبدالَ الخروف بآخرَ في حالة ما إذا ظهر فيه «عيب» أو أراد زيادة مبلغ مالي مقابل الحصول على كبش آخر، أو شيئ من هذا القبيل. كما أن عددا من «الكسابة» الذين يختارون البقاء في منازلهم وضيعاتهم الفلاحية بدل تحمل مشاق التنقل صوب الأسواق يحددون أثمانا مناسبة للرؤوس بدل النفخ في الأثمان والأسعار حتى تصير نارا ولهيبا لا يقوى الفقراء وذوو الدخل الضعيف على الاقتراب منها، بله لمسها.. ناهيك عن المعاملات التي يجريها بعض الباعة مع أصدقائهم وعائلتهم، والمتمثلة في دفع أثمنة الأضحية بالتقسيط، وهو ما يُسهّل عملية الاقتناء، كما هو الحال بالنسبة إلى «عبد الهادي»، الذي اشترى أضحية العيد بثمن 2300 درهم، من أحد معارفه في منطقة «السويهلة»، حيث دفع للبائع مبلغ 1000 درهم، على أساس أن يدفع أقساط كل شهر قسيمتها 500 درهم، وهو ما اعتبره «عبد الهادي»، الذي يعمل حلاقا، أمرا مريحا بالنسبة إليه، و»هي المعاملة التي لا يمكن أن تجدها في السوق». ولعزوف الباعة عن ارتياد الأسواق، كما هو الشأن بالنسبة إلى المواطنين الراغبين في شراء أضحية العيد مبرراته، فقد أكد جل الباعة أن أسعار بيع أضحية العيد لهذه السنة مرتفعة جدا «ولا مكان للفقير في هذا العيد»، يقول «عبد المومن»، لكنّ هذا العزوف يبرره العديد من الباعة، أيضا، بالمصاريف الباهظة للبيع في الأسواق في الإضافة إلى الثمن الذي يؤدونه كضريبة داخل السوق على كل رأس من الأغنام تدخله، والتي تتراوح ما بين 8 و10 دراهم للرأس الواحد، فإنّ نقْل عديد كبير من الرؤوس يتطلب مصاريف «غالبا لا تغطي تكاليف حاجياتنا الضرورية»، وفق كلام «عبد المومن»، القادم من منطقة الشويطر. السرقة تشجع على تجنب الأسواق بالنسبة إلى بعض المواطنين الذين اعتادوا ارتياد الأسواق من أجل اقتناء أضحية جيدة، انضاف عامل آخر إلى أسباب عزوفهم عن التوجه صوب السوق لإقنتاء أضحية العيد. واعتبر عبد الرحمان الملياني الدخول إلى السوق «مغامرة» محفوفة بالمخاطر، خصوصا في ظل انتشار عدد كبير من اللصوص وذوي السوابق في السرقة، إذ يتذكر كلما حل العيد كيف أنه لم يتمكن من الظفر برأس واحد بعدما دخل سوق المحاميد حاملا أوراق نقدية قيمتها 2000 درهم من أجل شراء أضحية بهذا المبلغ، لكنه خرج خاويَّ الوفاض، ممزَّق الثياب، دون كبشه، بعدما سرقه أحد اللصوص، وهو ما جعله يفضل التوجه صوب أحد معارفه في نواحي تامصلوحت من أجل شراء أضحية العيد. سمة العيد الضحى لهذه السنة أن العرض أكثر من الطلب وأن أثمان وأسعار الأضاحي لهذه السنة لم يسبق لها مثيل ولهيبها «يشوي» الأيادي والجيوب.. وتتراوح أثمان أضاحي هذه السنة، عموما، ما بين 1500 و4000 درهم، حسب نوعية السلالة ووزنها ونوعية العلف الذي كانت تتلقاه في بيئتها، وأغلب أنواع الأكباش المعروفة في السوقين المذكورين هي من نوع «الصردي»، وهو النوع الذي يُقبل عليه عدد كبير من المراكشيين.