«شاء القدر، أن يقحمني في أفعال لا يد لي فيها، والتي لن أتعب من إدانتها، مرة تلو الأخرى. إنها أفعال بربرية ضد القيم الحضارية والكرامة الإنسانية، هذه التهمة تحولت مع مرور الوقت إلى مأساة بالنسبة إلي حيث ضاع مستقبلي وشوهت سمعتي». بهذه العبارات يستهل محمد الحداد، أحد سكان مدينة تطوان والذي كان اسمه يتردد على لسان كل المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين بإسبانيا والمغرب، باعتباره أحد المشتبه فيهم الأساسيين في تفجيرات قطارات مدريد لسنة 2004، حيث كان قد منح جواز سفره للمغربي لحسن إقصريين، قبل أن يتم اعتقال هذا الأخير بأفغانستان ليتم نقله إلى جناح «كامب فايف» حيث قضى أربع سنوات بمعتقل غوانتنامو. تصدرت صور الحداد واجهات الصحف الإسبانية، كما طرحت أسئلة بخصوصه داخل البرلمان الإسباني، لكن سنتين بعد ذلك ستتم تبرئته من التفجيرات، وهي البراءة التي لم يتوصل بمنطوقها إلى حدود اليوم. قضى محمد الحداد 45 يوما بمعتقل «تمارة» السري حيث تعرض لانتهاكات جسيمة، ولتحقيقات ماراتونية كانت تستمر لساعات طويلة قبل أن يطلق سراحه. «هل تعتقد أننا مبتهجون بوجودك هنا؟ إننا لا نود أن يتم توريط المغرب في تفجيرات 11 مارس بمدريد 2004»، يقول له أحد ضباط التحقيق في معتقل تمارة السري أثناء التحقيق معه. محمد الحداد، شاب مغربي هاجر إلى إسبانيا سنة 1990 بحثا عن فرصة شغل، انتقل بين عدد من المدن الأندلسية كماربيا ومالقا، لينتهي به المطاف كالعديد من زملائه التطوانيين بالعاصمة الإسبانية مدريد. اشتغل، حسب قوله، في أوراش البناء وفي الحراسة قبل أن يجد عملا قارا يوفر له دخلا محترما يمكنه من إعالة أسرته الصغيرة هناك. لا يتوقف الحداد في التنديد بموقف السلطات الدبلوماسية الإسبانية التي ترفض تسليمه تأشيرة شينغين للعودة على إسبانيا حيث تقيم زوجته وابنتاه. «بعدما برأني القضاء المغربي والإسباني من تهمة 11 مارس الإرهابية، والتي اتهمتني فيها السلطات الإسبانية بأنني منفذ ومخطط ومخبر، أصدرت في حقي مذكرة بحث دولية دامت سنة وسبعة أشهر، حتى صدور نتائج الحمض النووي التي كانت لصالحي»، يقول الحداد، مضيفا أنه بعد صدور الأحكام على المتهمين في اعتداءات 11 مارس يوم 31 أكتوبر 2007 كتب رسالة للقنصل العام الإسباني بتطوان، والتي على إثرها «اتفقنا على كتابة رسالة استعطافية، وكان الشرط الأساسي هو عدم التحدث عن 11 مارس»، وكانت الرسالة الاستعطافية بمثابة شرط أساسي لاستئناف الحوار، وأجابني القنصل العام في نفس اليوم بأن الحل الحقيقي الذي يراه هو أن أطلب التجمع العائلي، وإذا ما كنت مصرا فلأتقدم بطلب تأشيرة مع ضمانات العودة. قمت بكل الإجراءات وطلبت التأشيرة يوم 8 غشت المنصرم، إلا أنه يوم 3 نونبر الحالي استدعاني القنصل العام في مكتبه ليخبرني بأن وزارة الداخلية الإسبانية رفضت التأشيرة لعدم توفري على ضمانات. «إنه شخص غير مرغوب فيه في إسبانيا»، يقول ل«المساء» مسؤول أمني رفيع المستوى بوزارة الداخلية الإسبانية، رفض الكشف عن اسمه، مشيرا إلى أنه رغم قرار المحكمة الوطنية بمدريد عدم متابعته فإنه يبقى في نظر الإسبان شخصا مشبوها. بعد نفاد كل وسائل الحوار مع المصالح الدبلوماسية، قرر الحداد خوض كل أشكال الاحتجاج «فاعتذار الدولة الإسبانية مطلب أولي وأساسي على ما فعلته بي»، حيث قرر خوض وقفة احتجاجية أمام القنصلية الإسبانية بتطوان «للمطالبة برد الاعتبار إلي حتى ترجع إلي حقوقي التي سلبت مني بعد تهمة الإرهاب»، يقول الحداد.