تطابقت تصريحات مربي الماشية وبعض المسؤولين في مديرية الفلاحة والبياطرة فيما يخص ارتفاع الأسعار، التي تحددها الظروف المناخية وغلاء الأعلاف ودعم الدولة وتدخل «الشناقة» وعمليات التهريب إلى الأسواق الجزائرية. وأكد مربو الماشية على أن أسعار أضاحي العيد ستتراوح ما بين 2000 و4500 درهم حسب النوع والوزن، رغم التأكيد على وفرتها وعلى تفوق العرض على الطلب، مع الإشارة إلى أنه تمّ، خلال الموسمين الفلاحيين الماضي والجاري، تهريب النعجة المغربية إلى الأسواق الجزائرية والليبية لتعويض الخصاص الذي عرفه هذان البلدان، سواء بسبب المرض أو الحرب. أكد أحد المسؤولين بالمديرية الجهوية للفلاحة بوجدة أن العرض يفوق الطلب بالنسبة لأضحية العيد، حيث تتوفر الجهة الشرقية على أكثر من 3 ملايين من رؤوس الأغنام (2.3 مليون من رؤوس الأغنام و700 ألف رأس من الماعز)، وتنتج سنويا أكثر من 600 ألف رأس من الأغنام، وتخصص حوالي 300 ألف من رؤوس الأغنام للاستهلاك اليومي وعيد الأضحى، فيما تقوم بتزويد أسواق المناطق المغربية الأخرى بالفائض. عوامل ارتفاع سعر خروف العيد يؤكد محمد الموساوي، أحد مربي الماشية بجماعة مشرع حمادي المعروفة بالرعي وتربية المواشي، أن هناك بوادر ومؤشرات توحي بغلاء خروف عيد الأضحى نتيجة عوامل عديدة ومتنوعة، طبيعية وبشرية، منها غلاء الأعلاف وسنوات الجفاف وتدخل الوسطاء (الشناقة) وتهريب الأغنام طيلة الموسم الفلاحي نحو بلدان المغربي العربي، خاصة منها الجزائر وليبيا. واستنادا إلى الفلاحين ومربي الماشية بمراعي الجهة الشرقية، خاصة من إقليم تاوريرت والأسواق التي زارتها «المساء»، فإن أثمان أضحية العيد تتراوح ما بين 2000 درهم و4500 درهم حسب السلالة والوزن والسمنة. ويعتبر العديد من المواطنين هذه الأسعار جد مرتفعة، خاصة أولئك الذين اعتادوا شراء الخرفان ذات الحجم الكبير. وأرجع مربو الماشية ارتفاع الأسعار إلى ظروف الجفاف وغلاء الأعلاف وتدخل سلسلة من الوسطاء وتهريب القطيع إلى الجزائر وانعدام دعم الدولة لهم، بل حتى التلاعب في الدعم الذي يصل إلى التعاونيات في غياب أي مراقبة أو محاسبة عند التوزيع. «الارتفاع المهول في ثمن الشعير والأعلاف المركبة ومحدودية الدعم الحكومي وهزالته لهذه المادة جعلهم يفكرون في تقليص أعداد القطيع، وهو ما تم استغلاله من طرف الوسطاء «الشناقة»، يقول الطيب الشكري، أحد أبناء منطقة عين بني مطهر المشهورة بتربية الأغنام من صنف «بني كيل» بإقليميجرادة وبوعرفة/فجيج.ويؤكد أن الأخطر من هذه المعاناة هو استئناف نشاط التهريب بشكل عكسي، إذ تعمد مافيا التهريب إلى انتقاء أجود قطعان النعجة من صنف «الصردي» إلى الجزائر، ومنها إلى ليبيا، وما يمثله ذلك من انعكاسات سلبية على الثروة الحيوانية وعلى الاقتصاد الوطني والمحلي. ارتفاع سعر العلف أكد العديد من مربي الماشية أن أسعار الأعلاف عرفت ارتفاعا صاروخيا لم تعهده الجهة في ظرف ستة أشهر فقط، حيث انتقل ثمن «البالة» من الكلأ (الفصة والفوراج) من 40 درهما إلى 75 درهما، أي بزيادة نسبتها 40% وقفز سعر النخالة من 75 درهم إلى 100 درهم، وارتفع ثمن حبوب العلف بشكل مرعب، إذ تراوح ثمن القنطار من الشعير ما بين 360 و400 درهم بدل 220 و250 درهم، وهو ما يرفع المصاريف إلى قدر مالي يتراوح ما بين 400 و600 درهم للخروف الواحد، أي بنسبة 50 في المائة. «لم يعد للفلاح هامش من الربح إلا العذاب والمعاناة في غياب دعم من الدولة لصغار الفلاحين، خاصة فيما يتعلق بالأعلاف» يقول بوشعيب الرابحي مربي ماشية بأنجاد ضواحي وجدة، ثم يضيف قائلا: «القطيع يلبي متطلبات عيد الأضحى، لكن عملية تهريب رؤوس الأغنام انطلقت منذ شهر مارس الماضي ولا زالت متواصلة ويتراوح عدد الرؤوس التي تعبر الحدود المغربية الجزائرية حتى ليبيا حوالي 3 آلاف رأس أسبوعيا، وهو الوضع الذي سيؤجج فتيل الأسعار إذا لم يكن هناك تدخل بطريقة أو بأخرى». تهريب الماشية لم تتوقف عمليات تهريب الأغنام المغربية خارج المغرب عبر الشريط الحدودي المغربي الجزائري، بعد أن ظهر أن أسواق الجزائر تعاني من الخصاص في رؤوس الماشية المخصصة لعيد الأضحى وإصابة قطيعها بالأمراض المعدية، وهو ما يرشح اشتعال أسعارها إلى ما فوق طاقة الجزائريين ذوي الدخل المتوسط كما توحي بذلك بعض المؤشرات.وهذا ما أكده ل«المساء» أحد مربي الماشية بالحدود المغربية الجزائريةبإقليمجرادة بقوله: «نشطت عملية تهريب الماشية إلى الضفة الأخرى كما وقع في السنة الماضية، بحكم الخصاص والغلاء والأمراض التي تعاني منها الماشية الجزائرية، وعلى رأسها داء اللسان الأزرق والجذري». وأضاف أن هذا الوضع يرشح، بما لا يدع مجالا للشك، ارتفاع أسعار الأغنام بأسواق الجهة الشرقية. وكشف رئيس الاتحادية الوطنية للجزارين بالجزائر، بلال جمعة، عن أن تجار الماشية المريضة بدؤوا تحركاتهم من أجل إغراق السوق الجزائرية بأكباش مريضة، يتم تسمينها بالهرمونات لبيعها بأسعار خيالية قبيل عيد الأضحى، الوضع الذي دفع وزارة التجارة، بتعاون مع وزارة الفلاحة الجزائرية، إلى إنشاء فرق مختلطة لمراقبة المواشي في الأسواق تفاديا لكارثة صحية. وأكدت يومية «الخبر»الجزائرية، في نسختها الصادرة يوم الأربعاء 26 شتنبر 2012، بأن ارتفاع أسعار المواشي يبقى واقعا حقيقيا بالأسواق الجزائرية، بالنظر إلى ضعف الإنتاج الوطني الجزائري، حيث يقدر عدد رؤوس الأغنام عبر التراب الجزائري بحوالي 26 مليون رأس، حسب آخر الأرقام التي قدمها وزير الفلاحة والتنمية الريفية الجزائري، وأغلب هذه الرؤوس يتم نحرها لتزويد الجزارين باللحوم، ناهيك عن استهلاكها في الأفراح. ويصل عدد الأكباش التي سينحرها الجزائريون، حسب المتحدث، خلال العيد، إلى قرابة 5.3 ملايين أضحية، بتكلفة 150 مليار دينار، خصوصا أن أسعار الأكباش ستتراوح بين 30 ألف دينار و50 ألف دينار (3000 و5000 درهم). وأمام هذا الوضع حذر المتحدث من انتهاز المضاربين هذه الوضعية، حيث قال إنه «يتم شراء ماشية مريضة من الموالين في الهضاب العليا من أجل تسمينها بالهرمونات وبيعها في الأسواق الجزائرية قبيل العيد». وعبر عدد من الجزارين بمدينة وجدة عن تخوفاتهم من تنامي ظاهرة تهريب الماشية، خاصة منها الأغنام الموجهة إلى المجازر والاستهلاك المحلي، وما قد ينتج عنها من نقص في المنتوج داخل البلاد وارتفاع أسعارها في الأسواق الداخلية. وسبق أن أكدت بعض المصادر ل«المساء» أن عشرات الشاحنات المحملة بآلاف لرؤوس الماشية تهرب يوميا من مختلف المناطق المغربية، خاصة من منطقة الغرب إلى الجزائر، وتخص الأغنام من نوع «الصردي»، حيث يتم تهريبها إلى الجزائر ومنها إلى ليبيا لتعويض القطيع الوطني الليبي الذي تمت إبادته بسبب الحرب، ويتم اختيار هذا النوع المغربي الجيد لتوفره على ميزات سلالة «أولاد جلال». كما كانت تهرب الخرفان التي يتراوح وزنها ما بين 18 و20 كيلوغراما وثمنها ما بين 1000 و1200 درهم، مع الإشارة إلى أن ثمنها قد يفوق 2000 و2500 درهم (ما بين 20 ألفا و25 ألف دينار جزائري) في الأسواق الجزائرية، مع العلم أن سعر كيلوغرام من لحم الغنم بالجزائر يتراوح ما بين 1115 و1250 دينارا جزائريا (ما بين 120 درهما و125 درهما) في الوقت الذي يستقر سعره في المغرب في حدود 70 درهما. وسبق للكاتب العام للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين فرع المجازر البلدية بالدار البيضاء أحمد العماري أن صرح بأن حوالي 15 شاحنة محملة بالأغنام تتجه يوميا إلى الحدود الجزائرية، مضيفا أن الشاحنات تنتقل من مناطق تادلة، خريبكة، سيدي البطاش، البروج، الكفاف، والفقيه بنصالح إلى الحدود، ويتم تهريبها إلى الجزائر من الأسواق المجاورة للحدود كسوق عين بني مطهر، تويست، وجدة، تاوريرت، حيث تجد مختصين في التهريب يعبرون بها الحدود إلى الجارة الجزائر. وأكد العماري أن ما يهرب إلى الجزائر يوميا يعادل ضعف ما تستهلكه العاصمة الاقتصادية من لحوم الأغنام. قطيع في صحة جيدة أكدت المصالح البيطرية التابعة للمديرية الجهوية للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالجهة الشرقية على صحة وسلامة قطيع الجهة الشرقية بفضل الحملات والتدخلات التي قامت ولا زالت تقوم بها المصالح البيطرية في إطار القضاء على الأوبئة والأمراض المعدية عبر إجراءات وقائية كالتلقيحات وتوفير الأعلاف في إطار إغاثة قطيع الماشية من الجفاف. ونظمت المديرية الجهوية للمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بالجهة الشرقية، في إطار البرامج الوطنية لمحاربة الأمراض الحيوانية المعدية، حملة وطنية معممة لتلقيح الأغنام ضد داء الجذري والتسممات المعوية والطفيليات الداخلية والخارجية، ابتداء من يناير 2012، بهدف توفير الحماية والمناعة اللازمة للأغنام ضد هذه الأمراض بمساهمة أطباء بياطرة معتمدين من القطاع الخاص تحت إشراف ومراقبة المصالح البيطرية. كما أعطيت انطلاقة الحملة لإغاثة الماشية من الجفاف خلال مارس 2012، تحت إشراف رئيس الحكومة ووزير الفلاحة بعين بني مطهر، وما زالت الحملات متواصلة دون انقطاع. ومن جهة أخرى، تراقب المصالح البيطرية جميع نقط البيع بالأسواق مراقبة دقيقة للحؤول دون اختلاط قطيع قد يتم تهريبه من الجزائر حماية لصحة وسلامة القطيع الوطني، رغم أنه اكتسب مناعة بفضل التلقيحات، وحماية للاقتصاد الوطني، مع الإشارة إلى تعميم حملات تحسيسية في هذا المجال تستهدف الفلاحين ومربي الماشية في هذا المجال. وقد عرفت المنطقة الشرقية خلال هذا الموسم الفلاحي جفافا فريدا من نوعه، فعلى الرغم من تسجيل تراكم نسبي للتساقطات المطرية أفضل من الموسم الفارط، خاصة خلال شهر أكتوبر، الذي كان له وقع إيجابي على توسيع المساحات المزروعة من الحبوب، فإن توزيع هذه التساقطات وانتظامها خلال الموسم الفلاحي لم يكن في المستوى المطلوب، ويمكن تصنيفها كجفاف نوعي. وفي هذا الإطار عرفت جل مناطق الجهة الشرقية أياما ممطرة محدودة في الزمان، متبوعة بفترات طويلة من الجفاف بلغت شهرا كاملا في بعض المناطق. وعلاوة على ذلك، فإن موجة البرد والصقيع المسجلة على المستوى الوطني والجهوي أدت إلى تفاقم الوضع، مما تسبب في تأخر نمو الغطاء النباتي بشكل عام. ومن أهم سلبيات هذه الظروف المناخية غير الملائمة تضرر الغطاء النباتي بمراعي الجهة الشرقية، الشيء الذي أثر بشكل كبير على الثروة الحيوانية التي تساهم فعليا في اقتصاد الجهة الشرقية. ونظرا لهذه الظروف ووعيا منها بضرورة التخفيف من أعباء مربي الماشية للجهة الشرقية، أقدمت وزارة الفلاحة والصيد البحري على اتخاذ إجراءات فورية لحماية الثروة الحيوانية للمنطقة الشرقية بتخصيص غلاف مالي قدره 32 مليون درهم لهذه العملية: 30 مليون درهم لشراء المواد الغذائية المدعمة، والذي سيمكن من اقتناء ما يقرب من 156000 قنطار من الشعير تصل قيمة الدعم فيه إلى 48 بالمائة من قبل الدولة و2 مليون درهم لنقل الأعلاف الحيوانية الأخرى. وعلى الصعيد الجهوي ونظرا للطابع الملح لهذه العملية اغتنمت المديرية الجهوية للفلاحة فرصة انعقاد الدورة الثالثة للغرفة الجهوية للفلاحة،التي انعقدت ببركان واتخذت هذه الإجراءات يوم 16 فبراير 2012 بحضور جميع المنتخبين في المنطقة الشرقية لتحديد معايير توزيع الشعير المدعم على أقاليم وعمالات الجهة الشرقية. وخلال هذه الدورة، تقرر بالإجماع مع جميع منتخبي الغرفة الجهوية للفلاحة على التوزيع التالي، أخذا بعين الاعتبار شدة الجفاف النوعي وأعداد الماشية في كل إقليم: إقليم فكيك 42600 قنطار من الشعير، إقليمجرادة 37900 قنطار، إقليم تاوريرت 33200 قنطار، عمالة وجدة-أنجاد ولاية 19000 قنطار، إقليم الدريوش 14200 قنطار، إقليمبركان 4700 قنطار، وإقليم الناظور4700 قنطار أيضا. ونظرا لاستمرار الجفاف بالجهة الشرقية قامت وزارة الفلاحة والصيد البحري بتخصيص برنامج إضافي للتخفيف من آثار الجفاف يشمل غلافا ماليا قدره 35 مليون درهم لاقتناء الشعير والأعلاف المركبة، وكذا حصة من الشعير المدعم قدرها 240.000 قنطار من الشعير توزع على جميع أقاليم الجهة الشرقية. ومنذ انطلاقة برنامج إغاثة الماشية يمكن القول إن الجهة الشرقية استفادت مما يقرب من 596000 قنطار من الشعير المدعم سيمكن لا محالة هذه الجهة من مواجهة آثار الجفاف، مع العلم أن وزارة الفلاحة والصيد البحري مستعدة للتدخل العاجل كلما دعت الضرورة إلى ذلك.