محمود السرسك، 25 سنة، لاعب كرة قدم فلسطيني، كان يوما متوجها نحو مقر ناديه في الضفة الغربية فأوقفته قوات الاحتلال الإسرائيلي في حاجز أمني، وقضى ثلاثين يوما تحت إيقاع تحقيق أمني قاس بتهمة انتمائه إلى مجموعة مسلحة، وبعد ذلك ثُبّتت في حقه التهم بدون دليل، وبقي خمس سنوات خلف القضبان، إلى أن قرر خوض إضراب بطولي عن الطعام لمدة قاربت المائة يوم، وفي النهاية سجل السرسك هدف حياته في الزاوية تسعين، وأرغم العالم على التصفيق له. جلعاد شاليط، 26 سنة، جندي إسرائيلي يساهم إلى جانب جيش إسرائيل في قتل الأطفال والنساء. وفي سنة 2006 اختطفته مجموعة فلسطينية وهو فوق دبابة وعاملته كأسير حرب، أي أنه يحظى بكل الحقوق المتعارف عليها دوليا بخصوص أسرى الحرب، ثم طالبت بالتفاوض حوله من أجل استبداله بأسرى فلسطينيين. غير أن إسرائيل رفضت، واجتاحت قطاع غزة ودمرته تدميرا وقتلت قرابة ألفي فلسطيني، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال؛ وفي النهاية لم تستطع تحرير جنديها شاليط، فتفاوضت رغم أنفها؛ وبعد خمس سنوات من أسره، تم إطلاق سراحه مقابل إطلاق سراح حوالي ألف أسير فلسطيني. الفلسطيني محمود السرسك لاعب كرة قدم، والإسرائيلي جلعاد شاليط يركب دبابة ليقتل النساء والأطفال؛ ورغم ذلك فإن فريق برشلونة الإسباني قرر أن يمارس سوريالية غريبة، واستدعى بشكل رسمي الجندي الإسرائيلي لتكريمه خلال مباراة الكلاسيكو مع ريال مدريد يوم 7 أكتوبر المقبل. هكذا، عوض استدعاء لاعب كرة اعتقل ظلما وخاض إضرابا بطوليا عن الطعام، فإنه تم استدعاء مجرم حرب تم أسره في إطار حرب مفتوحة. فريق البارصا الإسباني أدرك متأخرا خطيئته، وقال إنه لا يمكنه أن يرفض رغبة شاليط في حضور مباراته، لكن المشكلة أن الفريق وجه دعوة رسمية إلى هذا الجندي، مع أن الجميع يعرف أنه في باب كل ملعب توجد أماكن لبيع التذاكر، وإذا أراد شاليط أن يحضر مباراة للبارصا أو غيرها فعليه أن يشتري تذكرته ويدخل، أما أن تصبح مباراةٌ يشاهدها العالم كله مناسبةً لتكريم مجرم حرب فهذا لا يجعلها تبقى كرة، بل يحوِّلها إلى مهزلة. إذا كان لا بد للبارصا أو غيرها من تكريم الأسرى السابقين، فعليها أن تستدعي أسر وأهالي ضحايا شاليط، وعليها أن تكرّم عشرات الآلاف من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب وأسرى آخرين من كل الجنسيات اعتقلتهم إسرائيل لسنوات طويلة لأنهم قاوموا الجنون الإسرائيلي. لكن البارصا لم تكن الوحيدة في هذا المجال، فالجندي شاليط تحول اليوم إلى نجم في أقوى التظاهرات الرياضية. ومنذ أن تم الإفراج عنه فإنه حضر مباراة نهائية لعصبة الأبطال الأوربية، وافتتاح الألعاب الأولمبية في لندن، ومباريات قوية لكرة السلة في أمريكا؛ لكن في كل هذا، لم يجرؤ أحد على استدعائه رسميا كنوع من التكريم لجندي قاتل في كيان غاصب. هنا، لا بد أن يتذكر الناس لاعبا فذا وعبقريا اسمه دييغو أرماندو مارادونا، الذي لعب أيضا في صفوف البارصا، والذي لم يخف أبدا وقوفه إلى جانب القضايا العادلة في العالم، والذي تعرض لكثير من التشويه والتدمير الشخصي لأنه لم يبع موهبته للقتلة. قضية تحويل الكرة إلى مجال لتكريم المجرمين صارت لها رائحة عطنة. وقبل بضع سنوات، انتفضت الفيفا عن آخرها بعدما سجل اللاعب المصري أبو تريكة هدفا، ثم كشف عن قميصه الداخلي وبه عبارات تضامن مع الفلسطينيين في غزة، الذين كانوا يتعرضون لمذبحة إسرائيلية مرعبة. أبو تريكة تم تغريمه بعد ذلك، وسمع من اللوم والعتاب ما لم يسمعه أي لاعب كرة آخر. لكن قبل ذلك، وخلال نهائيات كأس إفريقيا للأمم، سجل لاعب في المنتخب الغاني هدفا ثم أخرج من تحت قميصه علما إسرائيليا صغيرا وأخذ يلوح به داخل الملعب. كان ذلك اللاعب الغاني يلعب في فريق إسرائيلي، وقام بتلك الحركة كدعاية فجة تفتقر إلى أدنى أصول اللياقة والاحتراف. لكن رغم كل ذلك، لم يسمع ذلك اللاعب ولو ربع كلمة عتاب، ولم تره الفيفا هذه المرة لأنها كانت تشخر، بل وصفته وسائل إعلام كثيرة ب«الشجاع». اللاعب المصري الذي تضامن مع الضحايا مخطئ وجب لومه وتغريمه، واللاعب الغاني الذي تضامن مع القتلة جريء وشجاع. محمود السرسك، لاعب الكرة الفلسطيني الذي سجن خمس سنوات ظلما لم تسمع به البارصا، لكنها استدعت رسميا جنديا إسرائيليا يقتل ولا يلعب الكرة. هذا هو التناقض المريع الذي يصيب بالجنون.