بدورها، لم تخف إسرائيل يوما ما قلقها من أي تطبيع في العلاقات المصرية الإيرانية يمكن أن يفضي إلى إعادة هيكلة موازين القوى في المنطقة بما يصبّ في غير مصلحة تل أبيب. فمؤخرا، استتبع سماح السلطات المصرية بعد ثورة 25 يناير لبارجتين حربيتين إيرانيتين بعبور قناة السويس قلق تل أبيب التي وصفت تلك الخطوة، على لسان وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان، بالاستفزازية، متناسية أن قرار السماح للسفينتين جاء بموجب اتفاقية القسطنطينية المؤرخة في عام 1888 التي تسمح بمرور كافة السفن عبر قناة السويس، بما فيها تلك الحربية. وما إن ألمح العربي إلى نيته تقليص أي دور إسرائيلي في تشكيل ملامح العلاقات المصرية الإيرانية مستقبلا، بتأكيده على أفول عهد مبارك الذي كانت تعتبره إسرائيل وأمريكا «كنزا استراتيجيا» لهما، لأنه كان يسهل لهما انتهاج سياسات ومواقف غير مقبولة حيال المنطقة وبأقل تكلفة، حتى شنت الصحف الإسرائيلية حملة تحريضية شديدة الوطأة ضد العربي، ربما كانت أحد الأسباب الأساسية لإبعاده عن ميدان السياسة الخارجية المصرية. وبنفس الدرجة وإن تنوعت الأسباب، انتاب دول الخليج العربية قلق بالغ من تصريحات نبيل العربي حينئذ بشأن التقارب مع إيران، خصوصا وأنها تزامنت مع تزايد إيقاع التوتر في العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون على خلفية أحداث البحرين، التي ينظر إليها الإيرانيون دائما على أنها الخاصرة الرخوة لمنطقة الخليج، إضافة إلى أحداث أخرى متلاحقة في السعودية والكويت والإمارات، استتبعت بدورها اتهامات لإيران بالتدخل في شؤون دول مجلس التعاون وإشعال فتيل الفتن الطائفية في ربوعها. وبينما لم يتجل القلق الخليجي من دعاوى التقارب المصري الإيراني بصورة رسمية معلنة، كان لافتا تزامن «حميمية» دعوات التقارب هنا مع التصعيد الرسمي والإعلامي السعودي عبر مجلس التعاون ضد إيران، والتي وصلت إلى حد إطلاق مسؤولين خليجيين تصريحات تنبئ باستعدادهم للتعاون مع إسرائيل ضد إيران. كما حذرت صحف سعودية، صراحة وضمنا، من انضمام القاهرة إلى ما يسمى «الحلف الإيراني السوري»، الذي اشتمت السعودية رائحته في تطور العلاقات إيجابيا بين القاهرةودمشق وقتها، على نحو ما بدا جليا في زيارة رئيس المخابرات المصري السابق اللواء مراد موافي بعد الثورة بأيام إلى سوريا، وكذا تعاون دمشق المثير للتساؤل مع القاهرة بخصوص المواطنين المصريين الذين اعتقلتهم السلطات السورية على خلفية الانتفاضة التي تشهدها سوريا. تصاعد التحدي المذهبي إذا كان تحييد العامل المذهبي أو الطائفي يعد أحد الأسس الرئيسية الراسخة لأي تقارب ناجح بين القاهرة وطهران، فإن تحقيق هذا الأمر عمليا يظل أمرا صعب المنال في ضوء حالة الاحتقان الشديدة والمتنامية بين البلدين في هذا المضمار. ففي نهاية مارس 2010، اعتقلت السلطات المصرية تنظيما شيعيا متعدد الجنسيات، توطئة لمحاكمة أعضائه على خلفية استقدام أموال خارجية لنشر المذهب الشيعي في مصر، إضافة إلى ازدراء الطائفة السنية وسب الصحابة الكرام، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، كما أثبتت تحريات النيابة أن المتهمين شككوا في القرآن الكريم والسنة النبوية كما حرفوا بعض الآيات القرآنية. وبناء عليه، طالبت مشيخة الأزهر الشريف السلطات الإيرانية بالكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وذلك درءا للفتنة وحقنا للدماء وحفظا للجوار وحقوقه. ولم تفت مشيخة الأزهر، صاحبة الخطوة الجريئة والتاريخية في التقريب بين السنة والشيعة إبان مشيخة الشيخ شلتوت قبل قرابة نصف قرن مضى، الدعوة إلى تفعيل مشروع الحوار بين السنة والشيعة، أملا في سد الفجوة بين إيران والعرب وتحقيق وحدة المسلمين حول العالم. وقد بدت جلية انعكاسات الاحتقان المذهبي على زيارة الرئيس مرسي لإيران للمشاركة في قمة عدم الانحياز الأخيرة، حيث استهل الرجل كلمته أمام القمة بالثناء على الصحابة الكرام، موجها رسالة واضحة إلى المسلمين السنة داخل مصر وخارجها، المتوجسين من التقارب مع إيران لهذا السبب وغيره، يؤكد خلالها رفضه أي تطاول من متطرفي الشيعة على معتقدات وحرمات أهل السنة، وعدم تناسيه لأية سوابق أو ممارسات مستفزة بهذا الخصوص. التحرر من القيود علاوة على إجراءات بناء الثقة المتبادلة التي يتوق إليها التقارب المصري الإيراني الحذر والمتعثر، تبرز الحاجة الماسة إلى تحرر طرفيه من أسر الحسابات والقيود الإقليمية والدولية، ولست أعني بهذه الدعوة إلى التحرر استنفار كل من مصر وإيران للاصطدام بمحيطيهما الإقليمي والدولي، وإنما حضهما على بلورة المواءمات وتحري الطمأنات التي في وسعها تبديد المخاوف العربية والإقليمية والدولية من إمكانية حدوث ما يشبه «التحالف الاستراتيجي» بين مصر وإيران، دونما مراعاة لمصالح باقي الأطراف. وأحسب أن الرئيس مرسي قد خطا خطوات مهمة على درب الطمأنة التصالحي هذا، حينما حرص إبان زيارته للسعودية على تأكيد التزام مصر القومي الراسخ بعروبة الخليج وأمنه واستقراره ووحدة وسلامة كل دولة فيه، والتشديد على أن منطقة الخليج تمثل عمقا استراتيجيا لمصر وأن أمنها لا ينفصل عن الأمن القومي المصري، وعندما أكد كذلك خلال كلمته أمام قمة عدم الانحياز الأخيرة بطهران على ثوابت الموقف المصري حيال القضايا الخلافية الأساسية مع إيران كالسورية والفلسطينية فضلا عن حرمة معتقدات أهل السنة واحترام سيادة الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها، ودعم حق الدول في طاقة نووية سلمية. يبقى حريا بالقاهرة وطهران أن تنسقا في ما بينهما أولا، ثم مع القوى الإقليمية والدولية تاليا من أجل صوغ نمط من التفاعلات التعاونية البناءة يتيح بدوره قسطا مقبولا من المصالح والمغانم لكافة الأطراف وبأقل كلفة ممكنة، كما يسمح للطرفين المصري والإيراني بتحرير علاقاتهما من القيود الإقليمية، ويجنبهما الانزلاق إلى مستنقع صراع الأدوار وحروب الاستنزاف الطائفية والمذهبية التي تسعى واشنطن وتل أبيب، بمساعدة المتطرفين والنافخين في نيران الفتنة على الصعيدين السني والشيعي، إلى الزج بهما في أتونها.