يعيد الدخول المدرسي الحالي طرحَ مشاكل واختلالات تواجه كل سنة القيّمين على الشأن التربوي، بشكل يجعل التخلص من هذه المشاكل مجردَ حلم يراود جميع المتدخلين دون استثناء، ويبقى عضيا على التحقق. بأي حال عدت يا دخول؟.. هكذا يستقبل رجال التعليم سنة دراسية جديدة، تبقى في نظر غالبيتهم مجردَ رقم يطوي سنوات الوظيفة في حقل شائك، بينما تتطلع فئة قليلة إلى القطيعة مع واقع يلقي بظلاله على منتوج المدرسة العمومية، في ظل استمرار ظاهرة الاكتظاظ، وفي ظل الخصاص المُسجَّل في تدبير الموارد البشرية، بسبب قلتها، أو سوء التوزيع، وتدهور فضاءات المؤسسات التعليمية وتزايد التهديدات التي تواجه العاملين في الحقل التعليمي، إضافة إلى مشاكل أخرى ذات صبغة اجتماعية تنعكس سلبا على هذا القطاع، منها ما يتصل بأوضاع المتعلمين وما ترتبط بظروف العاملين في ميدان التعليم. عندما يتحدث رجال التعليم عن أكبر المشاكل التي تواجههم بمناسبة الدخول المدرسي، يقفز الاكتظاظ إلى واجهة المعيقات الكبرى التي تؤثر على جودة العملية التربوية. ويُعتبَر الاكتظاظ مشكلا مزمنا في المدرسة العمومية، بسبب النمو الديموغرافي، الهجرة القروية والإقبال الكثيف على القطاع العام في المناطق الشعبية.. ووصف مختص في التوجيه التربوي الاكتظاظ بكونه أحدَ أكبر التحديات التي تنعكس على جودة التعليم العمومي، وقال إن الاكتظاظ يصبح ظاهرة مقلقة عندما يتجاوز عدد الدارسين في الفصل الواحد 30 تلميذا، إلا أن الرهان على العنصر البشري، أي الأساتذة، يمكن أن يجعل تدريس أكثر من 30 تلميذا عملية مقبولة في ما يخص الظروف المحيطة بعملية تربوية سليمة توفر للمتلقي حدا أدنى من المعارف المفترَض تحصيلها في الحصص المدرسية. وحسب المعطيات التي حصلت عليها «المساء»، فإن الأرقام المسجلة في بعض المناطق تعتبر «أكثر من مقلقة»، خاصة على صعيد أربع أكاديميات، هي أكاديمية الدارالبيضاء الكبرى، سوس ماسة درعة، فاس سايس، والرباطسلا زمور زعير، مع إضافة أكاديميتي مراكش تانسفيت وطنجة تطوان، حيث تصل نسبة التلاميذ في المستوى الابتدائي إلى ما أكثر من 40 تلميذا في القسم، وتصل في بعض المناطق إلى 50 تلميذا في القسم الابتدائي الواحد.. دون الحديث عن الأقسام المُدمَجة، التي تتم خلالها عملية تدريس أكثر من مستوى في فصل واحد، ومن طرف مدرس واحد.. وحسب عدد من المتابعين للشأن التربوي ومن العامين في القطاع، فإن تفويت فرصة الحد من الاكتظاظ في بعض المناطق خلال تطبيق البرنامج الاستعجالي الذي شهد رصد اعتمادات مالية ضخمة وغير مسبوقة، يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول «الوصفة السحرية» للقضاء على الاكتظاظ. وخلافا للوفرة العددية للتلاميذ، فإن الخصاص والنقص في عدد الأساتذة هو أحدُ أهمّ سمات الموارد البشرية، التي تعتبَر عصب العملية التربوية في بلادنا. وتتحدث مصادر «المساء» عن تفاقم مشكل الموارد البشرية في وزارة التربية الوطنية، خاصة بعد المغادرة الطوعية، رغم موجة التوظيفات الهامة التي شهدها القطاع بعد توظيف الحاصلين على الشهادات العليا.. وتشير مصادر «المساء» إلى أن نتائج «تجميد» توظيف خريجي المراكز التربوية خلال الموسم الفارط ستظهر بشكل لافت هذا الموسم، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه هذه المراكز في تطعيم المؤسسات التربوية بعدد هامّ من الخريجين لتغطية الخصاص الناتج عن التقاعد أو الرخص الطبية طويلة الأمد أو تغيير الإطار، الذي يحدث فراغا في تدريس بعض المواد. ووفق المعلومات التي حصلت عليها «المساء»، فإن عددا من الجهات ستعرف خصاصا كبيرا في الموارد البشرية، وقد تعجز الوزارة عن حل هذا المشكل في ظل رفض الوزير محمد الوفا الاستمرار في العمل بالتعاقد والاستعانة بخدمات أساتذة غير نظاميين، نظرا إلى الكلفة المالية لمطالب الإدماج التي تواجه الوزارة. وقد رصدت المصالح المختصة خصاصا هائلا في أساتذة التعليم الإعدادي والثانوي بدرجة أكبر، بسبب تقاعد عدد من الأطر التعليمية في كل من جهة الرباط، الدارالبيضاء ومكناس تافيلالت. وإلى جانب الاكتظاظ والخصاص، تبرز قضية تراجع العاملين في القطاع التربوي، والتي تحولت إلى مشكلة بنيوية تفسر إلى حد كبير تراجع مستوى التلاميذ وتقهقر المستوى العام لخريجي النظام التربوي، مما يحرم العملية التربوية من إحدى أهم نقط قوتها، وهي تكوين متعلمين مسلحين بكل الكفايات التربوية التي تيسّر لهم الانخراط في سوق الشغل. ورغم تمكين العامين في مجال التدريس في قطاع التربية الوطنية من تكوينات شتى على مدى ثلاث سنوات، تضاف إلى التكوينات التي يستفيدون منها داخل المراكز التربوية، فإن تراجع مستوى التلاميذ والتعليم العمومي بالذات يبقى السمة الأبرز التي تقضّ مضجع الجميع، معلمين ومتعلمين وأسرا، وكذا الدولة، التي تنظر إلى هذا القطاع كرافعة للتنمية.
ارتجالية التعيينات تتعامل مديرية الموارد البشرية في وزارة التربية مع قضية التعينات بارتجالية تعبّر -بشكل واضح- عن «انفصال» كبار مسؤولي الوزارة عن الواقع. فمن تعيين أستاذة للموسيقى في إحدى القرى النائية للجهة الشرقية، وتحديدا في «إعدادية بومريم»، التي تسمى بنفس اسم الجماعة، إلى تعيين أستاذ للإنجليزية في إعدادية تابعة لنيابة فكيك، لتنضاف إلى أستاذ فائض يدرّس نفس المادة، وتعيين أستاذ للغة الإيطالية ليعمل في مؤسسة تابعة لنيابة «الدريوش»، ليتحول في سنته الأولى، إلى كاتب للمدير ومساعد للحارس العامّ.. تتناسل قضية التعيينات الارتجالية لتنتقل إلى مسؤولي مصالح الموارد البشرية في النيابات الإقليمية، حيث يتم تعيين أساتذة فائضين عن الحاجة كطريقة ملتوية لمنحهم تقاعدا مبكرا.. هذا ما يحدث مع زوجات مسؤولين من سلك الأمن، الدرك، الجيش، ورجال السلطة.. في نيابة الناظور، حيث استفادت، في السنة الماضية، زوجة شخصية عسكرية تدرّس مادة «الاجتماعات» من «انتقال على المقاس»، تلبية لرغبة زوجها، إلى مؤسسة لا تحتاج إلى أستاذة للمادة المذكورة.. وفي سلا يصعب حتى على مصلحة الموارد البشرية ضبط عدد رجال التعليم الموجودين من الناحية الواقعية في وضعية «موظف شبح».. وهكذا يكفي الاطّلاع على توزيع العاملين في الموارد البشرية لنكتشف أن عدد الأساتذة الفائضين يتجاوز الخصاص المُسجَّل.. وهو ما تؤكده الوثائق الرسمية لوزارة التربوية، التي تُنشر في كل سنة.