على غير العادة، تعرف الحملة الممهدة للانتخابات الرئاسية الأمريكية المتوقع إجراؤها شهر نونبر المقبل مواجهة مفتوحة بين زوجتي المرشحين، الديمقراطي باراك أوباما، والجمهوري ميت رومني. ورغم أن المتتبعين يمنحون لميشال أوباما في هذه الحملة الانتخابية دورا أكثر أهمية من آن رومني، فإن الديمقراطيين يؤكدون أنهم لا يبخسون آن حقها ويراهنون على تجربة ميشال وشعبيتها لحسم المعركة الانتخابية لصالح مرشحهم. هاتان سيدتان تخوضان منافسة فريدة من نوعها إلى جانب زوجيهما المتنافسين على رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية في السنوات المقبلة. إحداهن ديمقراطية الانتماء، والثانية تجري في عروقها دماء جمهورية. الأولى خبرت دواليب السياسة في بلاد "العم سام" بعد أن قضت السنوات الأربع الماضية في البيت الأبيض. لا تزال تحمل لقب السيدة الأولى في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويبدو أنها لن تدخر جهدا في سبيل الاحتفاظ بهذا اللقب أربع سنوات أخرى. إنها بكل تأكيد ميشال أوباما، المرأة السمراء والحداثية، التي ولدت في أسرة عمالية ونشأت في حي شعبي بمدينة شيكاغو وقادها اقترانها بباراك أوباما إلى البيت الأبيض وتحمل لقب السيدة الأولى. أما المرأة الثانية، وهي آن رومني، فتقف على النقيض من غريمتها الأولى. تربت في كنف أسرة ثرية ونشأت في محيط محافظ تحتل فيه التقاليد مكانة محورية في الحياة اليومية في مدينة ميشيغان. لا تقف تباينات المرأتين عند هذا الحد؛ فقد قامت ميشال أوباما بمسار دراسي متميز بجامعة "برينستون" ثم في جامعة "هارفارد" الشهيرة. وحتى بعد أن أصبحت محامية ذائعة الصيت، عرفت كيف تدبر وقتها بشكل جيد بين متطلبات مهنتها وواجباتها باعتبارها زوجة ثم أما، بينما اختارت آن رومني بعد حصولها على الإجازة في الأدب الفرنسي، أن تخصص كامل وقتها لتربية أبنائها الخمسة، قبل أن تكتشف مرضها بسرطان الثدي وتدخل في حرب ضد المرض الخبيث، خرجت منها منتصرة بفضل إرادتها القوية وإصرارها على الحياة. تبرهن كل هذه المعطيات أن السيدتين، ميشال أوباما، البالغة من العمر 48 سنة، وآن رومني، التي أكملت، أخيرا، سنتها 62، خاضتا تجارب حياتية متباينة تماما. مساراتهما الحياتية تجعل كل واحدة منهما نقيض الأخرى رغم أنهما تتطلعان اليوم، كل واحدة إلى جانب زوجها، إلى لقب السيدة الأولى في الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأربع سنوات القادمة. سلاح انتخابي ناعم وبصرف النظر عن التباين الملموس في حياة السيدتين، أوباما ورومني، فإن عددا من متتبعي الشأن الانتخابي الأمريكي يعيبان عليهما انخراطهما، بل انغماسهما في حملة انتخابية بشكل سهَّل تحويلهما إلى سلاح يستخدمه زوجاهما للمبارزة ومحاولة كسب نقاط ثمينة في سلم الشعبية. وعلى هذا الأساس، لم يستغرب الملاحظون إقدام رومني، في الأسبوع الماضي، على تكليف زوجته، المكلفة مبدئيا بأنسنة التوجهات التقنوقراطية لزوجها، بافتتاح المهرجان الخطابي لمرشح الحزب الجمهوري. يومها أفلحت في إضفاء طابع خاص على حملة زوجها. طابع أكثر إنسانية طالما افتقدت إليه حملة الجمهوريين في الفترة الماضية. وعلى خطى آن، يفترض أن تكون ميشال قد دخلت بدورها على الخط في المهرجانات الخطابية للحزب الديمقراطي. المؤكد أن مداخلاتها ستزيد مناصري زوجها في هذه الانتخابات حماسا وقد تمنح الرئيس الأمريكي الحالي الموشكة ولايته على الانتهاء والطامح في ولاية ثانية نقطا هو في أمس الحاجة إليها حاليا في استطلاعات الرأي الخاصة بنوايا الناخبين. وأمام احتدام الصراع بين السيدتين في المهرجانات الخطابية والظهور في وسائل الإعلام، لم يجد توم بروكاو، وهو صحافي في شبكة "إن. بي. سي"، بدا من التعليق على حرب السيدتين بالقول: "إنهما أروع ما في هذه الحملة الانتخابية". تزامنا مع الصراع الدائرة رحاه بين باراك أوباما وميت رومني، برز إلى السطح صراع آخر، لا يقل أهمية عن الأول، ولو أنه يتخذ صبغة غير مباشرة، ذلك أنه صراع على كسب تعاطف الأمريكيين، خصوصا الناخبين الذين لا يزالون مترددين، ولذلك لا غرابة إذا استبدلت مؤسسات استطلاعات الرأي، قريبا، سؤال: "لمن ستصوت لباراك أوباما أو ميت رومني؟" بسؤال ثان هو: "من تفضل أن تحمل لقب السيدة الأولى في الولاياتالمتحدةالأمريكية: ميشال أو آن؟". تتسلح السيدة أوباما بأمور عديدة في صراعها المفتوح، وإن اتخذ صبغة غير المباشر، مع غريمتها الانتخابية السيدة رومني، لعل أبرزها أنها ليست حديثة عهد بالسياسة. والجميع يعلم أنها عانت من مشاكل وصعوبات في التعامل مع وسائل الإعلام عندما ولجت عالم السياسة في بلاد "العم سام" من أوسع أبوابه في سنة 2008. كانت وقتها تتعامل مع وسائل الإعلام بعفوية جرت عليها الكثير من الانتقادات، خصوصا من قبل وسائل الإعلام المعروفة بنصرتها للحزب الجمهوري. عفوية دفعت وسائل الإعلام "المحافظة" إلى نعت ميشال ب"السيدة التعيسة"، وقد ازدادت هذه الانتقادات حدة حين صرح بعيد تنصيب زوجها رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، كأول رئيس أمريكي من أصل إفريقي، قائلة: "هذه أول مرة أكون فيها فخورة بوطني". قوة ميشال ورغم تنامي الانتقادات الموجهة إليها، عرفت ميشال كيف تمتص هذه الانتقادات وتتوصل مع مرور الأيام إلى طريقة مثلى لاستثمار وسائل الإعلام لصالحها وتسخير صورة إيجابية عنها. وهكذا، سلطت الأضواء تدريجيا على تفاصيل من حياتها كزوجة وأم، قبل أن تنتقل في مرحلة لاحقة إلى سرد قصة حياتها مبرزة كيف استطاعت النجاح واجتياز كل العراقيل والصعاب التي واجهتها بفضل دعم وحب أسرتها. لقد عرفت هذه السيدة، المفعمة حيوية ونشاطا، كيف توازن منذ وصولها إلى البيت الأبيض، بين دورها كأم تعير كبير اهتمام لابنتيها، ساشا وماليا، ومشغولة البال بمنحهما حياة أفضل، ولا سيما منحهما حياة عادية، وإبقائهما بعيدا عن ثقل وضغط المسؤولية الجسيمة التي يتحملها والدهما. وبالموزاة مع ذلك، انخرطت بصفتها السيدة الأولى، في العمل المدني، وقادت حملة وطنية ضد السمنة، وأطلقت برامج مدنية لدعم أسر الجنود ومختلف أصناف العسكريين، إلى جانب قدامى المحاربين. لم تكتف السيدة أوباما بإظهار نفسها في صورة الزوجة المهتمة بزوجها والأم المشغولة بابنتيها رغم كثرة الالتزامات ورغم كونها السيدة الأولى الناشطة في المجتمع المدني، بل إنها استطاعت أن تنتزع اعترافا كبيرا، حتى من خصومها، بتوفقها في اختيار الملابس التي ترتديها، حتى إنها تحولت بعد وصولها إلى البيت الأبيض بأشهر قليلة إلى أيقونة في عالم الموضة وآخر صيحات الأزياء. حققت ميشال أوباما أيضا نتائج مبهرة في استطلاعات الرأي الخاصة بالسيدة الأولى في الولاياتالمتحدةالأمريكية. فقد أظهرت هذه الاستطلاعات أن 66 في المائة من الأمريكيين ينظرون بعين الرضا لسيدتهم الأولى. المثير أيضا أنها تفوقت على زوجها باراك في سلم الشعبية لدى مناصري الحزب الجمهوري والمتعاطفين معه بنسبة تزيد عن 24 في المائة. وفي هذا الإطار، نقلت وسائل الإعلام الأمريكية عن قس محافظ من "إيوا" تصريحا أثار جدلا كبيرا في أوساط الجمهوريين المحافظين في المرحلة التمهيدية للانتخابات الرئاسية الأمريكية. وقال القس متحدثا عن ميشال: "لن أتردد في التصويت لصالحها في حالة قررت خوض غمار هذه الانتخابات". ويبدو أن ميشال ستجني في هذه الحملة الانتخابية ثمار ما قامت به من عمل على مدى الأربع سنوات الماضية. يشهد على ذلك الأثر الإيجابي لارتسامات من تعاملت معهم في وقت سابق على موقف زوجها في مواجهة المرشح الجمهوري ميت رومني. وقد بدا ذلك جليا، أخيرا، في المؤتمر الأخير للحزب الديمقراطي، حين تلقت عبارات الثناء والشكر على ما أنجزته من عمل في ولاية زوجها بصفتها السيدة الأولى لبلاد "العم سام". إحدى الناشطات في مجال دعم العسكريين الأمريكيين وقدماء الجيش الأمريكي، المتحدرة من مينيسوتا، أثنت كثيرا على السيدة الأولى وشكرت لها كل المجهودات التي قامت بها لفائدة الجنود الأمريكيين. الناشطة المدنية امتدحت أوباما قائلة: "إنها مكسب رائع لأوباما ودعامة قوية لحملته الانتخابية. إنها أيقونة تنسج روابط بين مختلف طبقات المجتمع، ولا سميا الأقليات والأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، والأسرة التي تعاني من السمنة، الكثيرة جدا للأسف الشديد، وكذلك العسكريين وغيرهم من فئات مجتمعنا الأمريكي"، وأضافت المتحدثة ذاتها: "يمكنني أن أؤكد لكم أن جميع قدماء الجيش الأمريكيين يعتقدون، يقينا، أن ميشال بذلت جهدا كبيرا لتجد لهم مكانا في أجندة الرئيس". لا تتلقى ميشال المدح والإطراء من الناشطين المدنيين في مجال دعم العسكريين وقدماء الجيش الأمريكيين، بل إن فاعلين مدنيين آخرين متبايني الاهتمامات يثنون على ما قامت به لصالح قضاياهم في الأربع سنوات الماضية. ومن هؤلاء، المحامية السمراء، مور، المكلفة بتدبير شؤون التعاضديات الخاصة بالأمراض العقلية، التي لم تترد في وصف السيدة الأولى بكونها: "امرأة جميلة المظهر والروح وذكية للغاية". تحدثت مور عن غريمة ميشال آن رومني، واعترفت بأن هذه الأخيرة: "ألقت خطابا حماسيا في "تامبا" دافعت فيه عن حظوظ زوجها في هذه الانتخابات، وفوق ذلك هي امرأة جميلة"، قبل أن تستدرك وتنتقل للحديث عن ميشال قائلة: "أنتظر من ميشال شيئا أكثر عمقا مما قامت به آن، شيئا ما يفسر الأسباب التي تلزمنا بإعادة انتخاب زوجها على رأس الولاياتالمتحدةالأمريكية لولاية ثانية". المثير أن الجمهوريين أنفسهم لا يجدون أدنى مركب نقص في الحديث بإيجابية عن ميشال، وإن كانوا يخوضون حربا ضد الساعة من أجل إقناع الأمريكيين بلا جدوى بتجديد الثقة في زوجها وإبقائه رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية لولاية جديدة. وقد اتضح هذا الأمر بشكل جلي في تصريحات العديد من الوجوه المحسوبة على الحزب الجمهوري. وفي هذا الشأن، نقلت وسائل الإعلام الأمريكية عن الجمهوري دافيد فريك تصريحات قارن فيها بين آن رومني وميشال أوباما وعاب عليه زملاؤه في الحزب الجمهوري وأنصار رومني تقليله من شأن آن و"تهويله" من القدرات التواصلية لزوجة المرشح الديمقراطي. إذ أكد فريك، في مقارنته بين السيدتين، أن "آن ألقت خطابا استقت فيه كلماتها من القلب واختارت العاطفة طريقا إلى قلوب الأمريكيين"، لكن ميشال "ستتحدث إلى النساء اللواتي يشتغلن بمنطقهن، وهؤلاء النساء يشكلن أغلبية الأمريكيات". الناطقة الرسمية لا يزال الأمريكيون يتذكرون المناظرة التلفزيونية التي جمعت في شهر أبريل الماضي بين زوجة المرشح الجمهوري والقيادية الديمقراطية، آن روزين. واجهت هذه الأخيرة السيدة رومني بحقيقة أنها لم تزاول قط أي عمل في حياتها كلها وقدرت أنها لن تستطيع أمام هذا المعطى أن تتفهم الصعوبات والمشاكل التي تعاني منها الطبقة المتوسطة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. يومها لم تستطع السيدة رومني الرد على انتقادات القيادية الديمقراطية، غير أنها استدركت ذلك في وقت لاحق بتغريدة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" جاء فيها: "تربية خمسة أبناء عمل لا يقارن بأي عمل آخر". سارع الديمقراطيون، وفي طليعتهم السيدة أوباما نفسها، إلى الاعتذار عن الانتقادات التي وجهتها آن روزين لزوجة المرشح الجمهوري، معترفين بأن تربية الأبناء أيضا عمل يستحق الثناء. ورغم الاعتذار الديمقراطي، فإنه بدا وكأن آن رومني استخلصت العبر من تلك المناظرة. إذ لاحظ الجميع أنها تخلت بدءا من تلك المناسبة عن لغة الخشب التي كانت تطغى على خرجاتها الإعلامية. أياما قليلة بعد الضجة التي تلت تلك المناظرة التلفزيونية، أطلقت آن رومني تصريحات تداولتها وسائل الإعلام الأمريكية على نطاق واسع: "أحبكن كثيرا أيتها النساء"، وخصت بالحديث يومها جميع الأمهات الأمريكيات. وقد كشفت استطلاعات الرأي التي أعقبت هذه التصريحات تحسنا ملموسا في شعبية آن وزوحها رومني. ورغم أن آن رومني حديثة عهد بالسياسة، ولا يمنحها غالبية متتبعي الشأن الانتخابي الأمريكي موقعا متميزا في حسم المعركة الانتخابية القادمة بين أوباما ورومني، قياسا بالأهمية التي تمنح لدور ميشال، فإن الديمقراطيين يولون دورها المحتمل اهتماما كبيرا ويحرصون، وفق ما ورد في كتاب أصدره الكاتب جودي كارتر، عن "آل أوباما"، على أخذها على محمل الجد، وعدم تبخيسها حقها في مجال التأثير على نوايا الناخبين، خصوصا المترددين منهم الذين سيحسمون مصير أصواتهم قبيل ساعات من افتتاح باب التصويت لتحديد هوية من سيدير شؤون البلاد في الأربع سنوات القادمة. ويبقى أن يكتشف العالم حقيقة الأنباء التي تحدث عن اعتزام ميشال أوباما لعب دور الناطق الرسمي باسم زوجها. المتتبعون يتوقعون أن تصعد ميشال حملتها ضد الجمهوريين في الأيام القليلة المقبلة في ما يتعلق بمواقفهم من قضايا المرأة، ولا سيما ما يرتبط بموقفهم من الإجهاض.
السيدة أوباما تتجاهل خطب منافستها آن رومني لم يتوقع أكثر المتتبعين تفاؤلا أن تبادر ميشال إلى اعتماد نبرة هجومية في إلقاء خطبها في وقت مبكر من الحملة الانتخابية الحالية. وكما كان متوقعا، قصت على الأمريكيين كيف يقضي زوجها بياض يومه وسواد ليله منذ انتخابه رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، تماما مثلما فعلت لاورا بوش في سنة 2004 في مستهل الحملة الانتخابية لزوجها. حكت كيف يصل زوجها الليل بالنهار من أجل السهر على أمن وأمان بلاده. تملك ميشال الكثير لتقوله عن العوامل التي تدفع زوجها إلى الترشح مرة ثانية لقيادة بلاد "العم سام" لولاية جديدة، على حد تأكيدات دافيد أكسيلرود، مستشار باراك أوباما، الذي أضاف أن ميشال ستخصص خطبها وكلماتها "للحديث عن الثلاث سنوات ونصف السنة الماضية، وهي المدة التي قضاها آل أوباما في البيت الأبيض"، جازما بأنها الوحيدة التي يمكنها القيام بهذه المهمة. وفي إطار الحرب الباردة الدائرة رحاها بين كل من ميشال أوباما وآن رومني، قالت هذه الأخيرة إنها ستحرص على متابعة جميع خطب ميشال والإنصات لجميع الكلمات التي ستلقيها طيلة الحملة الانتخابية، في حين خرجت السيدة أوباما بتصريحات مختلفة، مؤكدة أنها لن تعير اهتماما لما ستقوله آن ولن تخصص شيئا من وقتها للإنصات لخطب غريمتها ومنافستها على لقب السيدة الأولى في الولاياتالمتحدةالأمريكية.