هناك لعبة إلكترونية عجيبة يقبل عليها الأطفال والشباب تسمى «لعبة هروب مجنون»، يقضي فيها اللاعبون لحظات ممتعة في البحث عن مخرج من مصحة الأمراض العقلية، حيث الصراع اليومي مع الممرضين والممرضات ومع المرضى أنفسهم. لكن في عطلة عيد الفطر مارس نزلاء الجناح 36 بالمستشفى الجامعي ابن رشد، المخصص للمرضى النفسانيين، حقهم في لعبة الهروب على الهواء مباشرة، بعد أن اتفق 13 مريضا على تنفيذ خطة هروب جماعي من المركز الاستشفائي، بعد تكبيل ممرضات المداومة وانتزاع المفاتيح من جيوبهن. كللت العملية بالنجاح وتمكن بعض الهاربين من قضاء عطلة العيد بين أهلهم وذويهم، بينما عاد آخرون إلى قواعدهم في الشارع العام سالمين. ليست حالة الفرار هاته هي الأولى من نوعها في تاريخ الاستشفاء بالمغرب الذي يعيش على إيقاع الهدر النفسي، فقد عاش نزلاء هذه المرافق معارك مع الممرضين والممرضات ورجال الحراسة الخصوصية من أجل الحق في تقرير المصير، بل إن كثيرا من الأولياء، الذين تخصصوا في علاج حالات الجنون، مثل بويا عمر بضواحي العطاوية شهدوا حالات فرار جماعي، وقد اعتبر بعض الفارين أن زنازن بويا عمر أشد بؤسا من زنازن تازمامارت. وحين فر ثلاثة «مجانين» من قبو الولي سيدي مسعود بن حسين بقرية أولاد فرج في عمق دكالة تأكد للزوار زيف الصفة التي ارتبطت بهذا الضريح، أي» رداد العقول الطايشين»، كما سجلت حالات فرار مرضى آخرين من السلاسل والأصفاد الصدئة لأولياء لم يعودوا صالحين من شدة قسوتهم على زوارهم. تعددت حالات الهروب من الأقراص المسكنة التي تحول المريض إلى كائن من فصيلة الرخويات، ومن معاملة ممرضين وممرضات لا علاقة لهم بالطب النفسي. وهذا الهروب هو دليل إدانة للمصحة، لأن من يخطط للفرار ليس مريضا، ومن يحاول الانفلات من وضع الأسر إلى الحرية ليس مجنونا، لأن من يعقد اجتماعا ويوزع المهام ويدرس الإمكانيات الممكنة والمستحيلة للفرار من المركز لا يمكن أن يكون مختلا ذهنيا. كما فر من المركز «الاجتماعي» العنق، أثناء عملية ترحيل نزلائه إلى تيط مليل، عشرات المختلين عقليا، في عملية فرار عبر الشريط الساحلي، تبين فيما بعد أنها ناتجة عن مخطط جهنمي لشخص رمت به إحدى دوريات القوات المساعدة يوما في هذا «الفوريان» الآدمي وصنفته في خانة المعتوهين دون الحاجة إلى تشخيص. ومن مصحة برشيد هرب عدد كبير من النزلاء، أشهرهم كان مهووسا بمباريات يوسفية برشيد فتحول إلى مشجع ينهى عن الشغب ويروج للروح الرياضية متمردا على الاكتئاب الذي ظل يلفه في المصحة. في الجارة الجزائر، وتحديدا في مدينة عنابة، تمكنت فتاة جزائرية «مختلة عقليا» من الهروب من مستشفى المجانين التي كانت تقيم بها بسبب رغبتها في حضور حفل أقامته الفنانة اللبنانية إليسا بنفس المدينة، واستنفرت إدارة المستشفى أعوانها للبحث عن الهاربة، فعثر عليها في زحمة المهرجان الغنائي، وهي تردد مع إليسا أغنية «كرهتك أنا»، وهي تقصد كراهيتها لمصحة الأمراض العقلية، فاستغرب متعقبو خطواتها من «لوك» الحمقاء التي ارتدت أجمل الملابس ووضعت أفضل تسريحات الشعر، حينها تبين لهم أنهم هم الأجدر بالمكوث في المصحة. الآن هناك حديث عن الهروب إلى مصحات الأمراض العقلية، فهي حلم أصبح يراود كثيرا من الجناة، الباحثين من خلال هذه التخريجة عن سبل الإفلات من العقاب، والهروب من قفص الاتهام. في هذا المرفق يتحول الحمق إلى ظرف من ظروف التخفيف وفرار من سيف القانون، ولقد تابع الرأي العام كيف وضع كثير من الجناة في مصحات الأمراض العقلية بدل الزنازن الانفرادية للسجون، وكيف تحولت شهادة الاحتياج العقلي إلى وثيقة تعفي المدانين من المسؤولية الجنائية. قال وليام شكسبير: أحمق بارع خير من عاقل أحمق.