عين الملك محمد السادس أول أمس الخميس إدريس جطو، الوزير الأول الأسبق (67 سنة)، رئيسا للمجلس الأعلى للحسابات خلفا لأحمد الميداوي، الذي قضى قرابة 12 سنة على رأس هذه الهيئة العليا التي تتكفل بمراقبة المالية العمومية بالمملكة، فيما ذكر مصدر مطلع أن عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة أخبر بهذا التعيين قبل وقوعه. وفيما لم يقدم البلاغ الرسمي للديوان الملكي أي تفاصيل عن التعيين، وخلفيات تعويض أحمد الميداوي (64 سنة)، قالت مصادر خاصة ل «المساء» إن تعيين جطو جاء بسبب الوضعية الصحية التي يعيشها أحمد الميداوي منذ أشهر، والتي تمنعه من مباشرة مهامه على رأس مؤسسة حساسة، في حين قرأت مصادر أخرى خبر التعيين بأنه رغبة من الدولة في ضخ دماء جديدة في المؤسسة وإعطائها دورا مغايرا لما كان عليه الأمر في عهد الميداوي الذي أدخل هذه المؤسسة في «معارك» أثارت الكثير من الجدل. ورأت المصادر ذاتها في هذا التعيين، غير المتوقع، لإدريس جطو على رأس المجلس الأعلى للحسابات ردا للاعتبار للشخص المعروف عنه قربه من القصر الملكي، والذي عين على رأس أكثر من مؤسسة عمومية وشارك في عدد من الحكومات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وخلال حكم الملك محمد السادس، خاصة أنه لم يسلم من الكثير من المتاعب التي لاحقته بُعيد تركه منصب الوزير الأول لخلفه عباس الفاسي. ومن المنتظر أن تسلط الأضواء على أسلوب تدبير إدريس جطو لمنصبه الجديد، لكونه جاء خلفا للميداوي المعروف عنه قوة شخصيته وشراسته في الدفاع عن الملفات التي كلف بتدبيرها، سواء حين عين مديرا عاما للأمن الوطني بين أبريل 1993 وماي 1997، أو حين عين وزيرا للداخلية بين 1999 و2001، ثم مستشارا في الديوان الملكي بين 2001 و2003. وسيكون جطو أمام اختبار الحفاظ على استقلالية وسلطة المجلس الأعلى للحسابات، خاصة مع توالي دعوات البرلمانيين إلى ضرورة فتح أبوابه للوقوف على كيفية عمله، وهو الطلب الذي أجهضه الميداوي في مهده حين رفض طلبا في الموضوع تقدمت به لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، مشددا على ضرورة «أن تحترم كل سلطة السلطةََ الأخرى»، مضيفا أنه لا يمكن أن يسمح بأن تمس استقلالية المؤسسة، لأن ذلك سيطرح خللا قانونيا ودستوريا، واعتبر أن المجلس ملزم بالاستقلالية تجاه السلطة التنفيذية والتشريعية، مؤكدا على فصل السلط. وتجدر الإشارة إلى أن إدريس جطو، الذي خلف الميداوي على رأس المجلس الأعلى كما خلفه سنة 2001 على رأس وزارة الداخلية في عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي، عين سنة 2002 وزيرا أول، في قرار أثار كثيرا من الجدل بمبرر أن تنصيب تكنوقراطي في منصب بهذه الحساسية يضرب في الصميم مبادئ الديمقراطية التي تفرض الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. ومثل أي مسؤول حكومي، مقرب من القصر، ويتم اختياره لتدبير ملفات حساسة، لم يسلم جطو من الانتقادات وحتى الإشاعات، التي كان بعضها يمس شخصه أكثر مما يمس المهمة التي يتولاها، وأقحم اسمه في أكثر من ملف تشتم فيه رائحة المصالح والحسابات والصراعات الشخصية، مثلما حدث في عز الخلاف الذي اشتد بين الشعبي والصفريوي واتهم فيه جطو بمحاباة بعض المنعشين العقاريين على حساب آخرين، وحينها لم يجد جطو، على غير عادته، بدّا من أن يخرج إلى الرأي العام في لقاء إعلامي قال فيه: «أتحمل المسؤولية في كل السياسات التي انتهجتها حكومتي، ولست نادما على أي شيء ولو كتب لي أن أعيدها لأعدتها». وإلى جانب اهتماماته الاقتصادية، خاصة نشاطه في قطاع الأحذية الذي بدأه في شركة أوديربي، يتكلف إدريس جطو منذ سنة 2000 بترؤس مجلس إدارة الثروة الملكية الذي أنشئ بعيد وفاة الحسن الثاني، وهو المجلس الذي يضم في عضويته عددا من الفاعلين الاقتصاديين، ضمنهم محمد برادة وإدريس بنهيمة ومنير الماجيدي، مهمتهم إدارة ثروة أفراد العائلة الملكية وتسهيل المساطر التي تتطلبها استثماراتهم.