أكد الملك محمد السادس أن ورش مراجعة الدستور لم يكن هدفا في حد ذاته، وإنما كان سبيلا لاستكمال دولة الحق والمؤسسات وتحقيق التنمية الشاملة شريطة أن يتحمل الجميع نصيبه من الالتزام المسؤول، حكومة وممثلين للأمة ومنتخبين محليين وأحزابا سياسية ونقابات وفاعلين اقتصاديين ومجتمعا مدنيا، وفاء للميثاق الذي أجمعت عليه الأمة باعتمادها الدستور الجديد. ودعا الحكومة إلى التجاوب مع المتطلبات الاجتماعية للمواطنين بهدف تحصين القدرات التنموية للمغرب والحفاظ على مصداقيته على الصعيد الدولي. وأكد الملك في خطابه، الذي وجهه أمس الاثنين بمناسبة عيد العرش، حرصه على جعل العنصر البشري، وخاصة الشباب الواعد، في صلب كل المبادرات التنموية وغايتها الأساسية، مضيفا «وهو ما نعمل على تجسيده في مختلف مشاريع وبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية». وبعد ما ذكر بما حققته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من نتائج إيجابية في النهوض بالفئات المعوزة وقرار تقوية أنشطتها وتوسيع مجالاتها، دعا الملك الحكومة إلى توفير شروط تفعيل البرنامج التأهيلي الخامس لهذه المبادرة، الكفيل بسد الخصاص في المناطق الأكثر هشاشة، التي تفتقر إلى التجهيزات الأساسية الضرورية. وأكد حرصه القوي على تحقيق الإنصاف ومساعدة الأشخاص الأكثر حرمانا، داعيا الحكومة إلى بذل كل الجهود لإنجاح نظام المساعدة الطبية (راميد) لفائدتهم، من خلال استهداف دقيق للفئات المعنية والتكفل بالخدمات المحددة بطرق مناسبة. وأوضح الملك أنه «لجعل هذا النظام يحافظ على هدفه الإنساني، يتعين الحرص على ألا يقع استغلاله من طرف أي توجهات سياسيوية، من شأنها تحريفه عن مساره النبيل، مع ما يترتب عن ذلك من إخلال في هذا المجال أو فيما سواه من المجالات الاجتماعية». كما دعا الملك الحكومة إلى الشروع في إصلاح الإدارة العمومية لتمكينها من مواكبة متطلبات الرؤية الترابية الجديدة، وحثها على اعتماد ميثاق للاتمركز، يمكن الإدارة من إعادة انتشار مرافقها، ومساعدتها على التجاوب الأمثل مع حاجيات المصالح اللامتمركزة، وجعلها تستشعر المسؤولية الحقيقية في وضع المشاريع وحسن تسييرها. وفي المجال الاقتصادي دعا الملك الحكومة إلى الاجتهاد في إيجاد بدائل للتمويل من شأنها إعطاء دفعة قوية لمختلف الاستراتيجيات القطاعية في المجال الاقتصادي، مجددا دعوته إلى الحكومة «من أجل توفير شروط التكامل بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية واعتماد آليات لليقظة والمتابعة والتقويم تساعد على تحقيق التناسق فيما بينها٬ وقياس نجاعتها وحسن توظيف الاعتمادات المرصودة لها». وبخصوص ملف الصحراء المغربية، أكد الملك عزم المغرب على الاستمرار في الانخراط بحسن نية في مسلسل المفاوضات٬ الهادف إلى إيجاد حل نهائي للخلاف الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية٬ على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي. وأوضح أن انخراط المغرب في هذا المسلسل لا يعادله إلا عزمه على التصدي بكل حزم لأي محاولة للنيل من مصالحه العليا أو للإخلال بالمعايير الجوهرية للمفاوضات. وأضاف أنه في أفق التوصل إلى حل سياسي دائم في إطار الأمم المتحدة٬ وانطلاقا من الشرعية التاريخية للمغرب ورجاحة موقفه القانوني٬ «فإن المغرب منكب على تحقيق الجهوية المتقدمة في الصحراء المغربية ومواصلة إنجاز أوراش التنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة الأثيرة لدينا٬ ولدى قلوب المغاربة أجمعين». وحول ملف العدالة أكد الملك أنه يتعين على الهيئة العليا لإصلاح العدالة أن تعمل وفق مقاربة تشاركية منفتحة حتى تنهض بمهمتها على الوجه الأكمل. وأضاف أنه بفضل الانخراط الجاد للمغرب في هذه الإصلاحات٬ تمكن من فتح ورش المراجعة الدستورية٬ وفق مقاربة تشاركية٬ «بيد أن إطلاق هذا المسار الطموح لم يكن هدفا في حد ذاته٬ وإنما هو سبيل لاستكمال دولة الحق والمؤسسات وتحقيق التنمية الشاملة».