تضمن القوانين الوضعية للسجين حق استكمال تعليمه وتكوينه، وتسعى المواثيق الدولية إلى «أنسنة» الفضاء السجني وتمكين قاطنيه من الاستفادة من كل الحقوق التي يستفيد منها الأشخاص خارج أسوار المعتقلات، باستثناء التمتع بالحرية، لكن العقوبات السالبة للحرية لا تسلب بالضرورة حق النزيل في الدراسة والتكوين والتغذية والتطبيب وسبل العيش الكريم. الروبورطاج التالي يقودنا إلى عمق المسألة التعليمية داخل أسوار السجون المغربية، ويقدم حصيلة موسم دراسي لطلبة رمت بهم الأقدار في الزنازين، دون أن تعتقل في دواخلهم الرغبة في التمدرس واجتياز الاختبارات، على الأقل «عند الامتحان يعز السجين أو يهان». لازال التقرير البرلماني حول وضعية سجن عكاشة، يثير الجدل في الوسط الحقوقي والسياسي، لاسيما بعد أن طعنت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في التقرير ووصفته بغير العلمي والمفتقد للديمقراطية، وتجاوز الطعن حدود مندوبية حفيظ بنهاشم إلى برلمانيين ينتمون إلى الأغلبية الحكومية، بينما اعتبرت وزارة العدل الاكتظاظ أصل البلاء. تقرير اللجنة المكونة من 12 نائبا برلمانيا، وقف بعد زيارة استطلاعية لسجن عكاشة دامت ثلاث ساعات، على عدة اختلالات تشوب المؤسسة السجنية، التي تتجاوز طاقتها الاستيعابية بأزيد من ألفي سجين، فقد كان عدد السجناء أثناء الزيارة 7572 سجينا، بينما الطاقة الإيوائية لهذا المعتقل لا تتجاوز 5800 سجين، وهو ما يكشف حجم المعتقلين الاحتياطيين، التقرير الذي استند إلى شهادات السجناء، أكد وجود مجموعة من السلوكات المنتشرة في أوساط المعتقلين كترويج المخدرات والرشوة والشذوذ الجنسي وغيرها من السلوكات التي لا تقتصر على المعتقلات فقط، بل تنتشر في أوساط «الأحرار». ودخلت منظمات حقوقية على الخط وطالبت بفتح نقاش وطني حول حل وضعية السجون وهو ما استجابت له حكومة بنكيران من خلال لحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. الوجه الآخر لباكلوريا المعتقلات رد فعل المندوبية العامة لإدارة السجون تجاوز تعقيب حفيظ بنهاشم وطعنه في التقرير النيابي، إلى إصدار بيان عبر موقع المندوبية يطمئن حول المسألة التعليمية ويؤكد ارتفاع عدد نزلاء المؤسسات السجنية الذين تمكنوا من اجتياز امتحانات نيل شهادة الباكالوريا برسم الموسم الدراسي 2011-2012، ويوضح أن عدد المسجلين في هذا المستوى الدراسي عند بداية السنة الدراسية بلغ 588 مرشحا بزيادة تقدر ب 9 % مقارنة مع الموسم الدراسي الماضي، وأن «نسبة النزلاء الذين اجتازوا فعليا هذه الامتحانات كمرشحين أحرار عرفت ارتفاعا مقارنة مع الموسم الدراسي الفارط بزيادة تقدر ب 14.37 % ، حيث بلغ عددهم 493 نزيلا حصل منهم 175 نزيلا على شهادة الباكالوريا ما بين دورة يونيو والدورة الاستدراكية، أما نسبة النجاح فقد بلغت 35.50 % بزيادة تقدر ب 7.36 % عن الموسم الدراسي الماضي». يقول ب. حميد مشرف اجتماعي معلقا على هذه الأرقام، إنه «يجب قراءتها من زاوية أخرى والوقوف على الساعات التي قضاها الطلبة في التحضير للامتحان وسط حالة من الاكتظاظ، فالظروف التي توفرت لبقية الطلبة لم تتوفر لديهم، رغم ذلك فالنتائج تتجاوز المعدل الوطني في ظل ظروف الاعتقال». إكراهات المسألة التعليمية في السجون يؤكد تقرير صادر عن المصالح الاجتماعية للمندوبية العامة لإدارة السجون، على أهمية التعاون مع الجهات الوصية على قطاع التربية والتعليم لإنجاح المنظومة التعليمية، ويعترف بوجود مجموعة من الإكراهات التي تحول دون استفادة بعض النزلاء من الحق في التعليم العالي، ك»إجبارية الحضور المعتمدة في كثير من الجامعات، وعدم التوصل بالمقررات الدراسية في أوانها، فضلا عن إكراهات بنيوية متصلة بوضعية السجون، بسبب ما تعانيه من اكتظاظ، إذ لا تتأتى إضافة أقسام دراسية أو توسيعها، إضافة إلى أسباب ذاتية تعود للنزيل نفسه والتي تتجسد في العزوف عن الدراسة، إذ غالبا ما يهرب النزيل من الفصل الدراسي ويقول «بقات ليا غير لقارية». وحسب المصدر ذاته فإن مشاورات تجرى مع وزارة التربية الوطنية ومع وزارة التعليم العالي من أجل «وضع تشخيص مشترك للصعوبات التي تواجه العملية التعليمية لدى النزلاء والآليات والوسائل الممكنة لتجاوز هذا الوضع. لقد ساهم بناء سجون جديدة أنشئت بها مراكز بيداغوجية وتربوية اعتمد في بنائها على معايير خاصة، إلى جانب التأطير والمراقبة اللازمين للفئة المتمدرسة». «لا يمكن الحديث عن إعادة الإدماج دون المرور عبر مثلث: التعليم والتكوين المهني ومحو الأمية، تقول الأرقام الرسمية للمندوبية إن عدد السجناء المسجلين في برامج محو الأمية والتعليم والتكوين المهني خلال السنوات الثلاث الماضية بلغ 28545 سجينا، وأن نسبة الناجحين منهم بلغت 66 في المائة، وفي الموسم الدراسي 2011/2012 بلغ عدد المسجلين في نظام الدراسة والتكوين ومحو الأمية 11680 مستفيدا، فيما عرفت نسبة السجناء المستفيدين من البرنامج خلال السنوات الثلاث الماضية زيادة سنوية تقدر ب12 في المائة، ونسبة زيادة سنوية في عدد الناجحين بلغت 11,7 في المائة». المقاربة التشاركية لاقتسام الأعباء إن محدودية مقاعد التمدرس داخل السجون المغربية، ومحدودية التأطير البشري، سواء على مستوى التلقين أو زيارات المراقبة البيداغوجية من طرف الأطر التربوية المختصة، وعدم إقبال بعض السجناء على التكوين والتعليم لانشغالهم بظروف الاعتقال، وفي ظل الاكتظاظ الرهيب الذي تعاني منه جل السجون باعتبار أن 42 في المائة من الساكنة السجنية احتياطيون، وغالبيتهم لا يتوفرون على المستوى الدراسي المطلوب من طرف القطاع الوصي على التكوين حيث إن أزيد من 80 في المائة من السجناء يقل مستواهم التعليمي عن الإعدادي. في ظل هذه المعطيات لجأت المندوبية إلى شركائها التقليديين كمؤسسة محمد السادس لإدماج السجناء ومؤسسة محمد الخامس للتضامن والمكتب الوطني للتكوين المهني ووزارة التربية الوطنية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرهم من الشركاء، إلى مشروع «التكوين من أجل العمل»، لفائدة السجناء خاصة المحكومين بمدد طويلة، وهو البرنامج الذي سيستمر إلى غاية 2016 بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ويتيح تكوين وتدريب وتشغيل سجناء في حرف ومهن تتلاءم والتجهيزات والمعدات المتوفرة بالمعامل المتواجدة في بعض السجون، مع تحسين المؤهلات المهنية لبعض النزلاء وتتويجها بشواهد مصادق عليها، يقول مسؤول بالمندوبية إن «الإدارة العامة للسجون قد أرسلت أطرا مغربية تابعة لها للاستفادة من تجارب الولاياتالمتحدةالأمريكية في مجال تمدرس وتكوين النزلاء، واتصلت ببعض أرباب العمل لخلق وحدات صناعية داخل السجون»، وأضاف المصدر ذاته: «السجناء المحكومون بمدد طويلة لم يتح لهم التكوين حيث تفضل الإدارة أن يستفيدوا منه قبل مغادرتهم المعتقل، إذ لا يعقل أن ينال نزيل شهادة في تخصص مهني ويقضي عشر سنوات دون أن يشتغل قابعا وراء القضبان». نزيل يرفض اجتياز امتحان الباكلوريا من المشاكل التي ميزت امتحانات الباكلوريا في سجون المملكة، قضية السجين آدم الزراري الذي أضرب عن الطعام بعد أن رفضت أكاديمية الشاوية ورديغة تمكينه من حق اجتياز امتحانات الباكلوريا وهو التلميذ «قيد حريته» بالثانوية التقنية لسطات، وكانت والدته قد تقدمت قبل الامتحان بطلب إلى مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بسطات من أجل إدراج اسم ابنها السجين بمعتقل سلا، ضمن لائحة المرشحين لاجتياز الاختبار، لكن الأكاديمية رفضت الطلب مما جعلها تنظم وقفة إحتجاجية أمام مقر الأكاديمية بسطات، حيث رفعت لافتة تندد بالمنع وأكدت أن ابنها من المتفوقين دراسيا حيث إنه حاصل على معدل 17:52 شعبة الكهرباء التقنية. و كان الطالب آدم قد اعتقل على خلفية إضراب داخل المؤسسة التقنية، حين تزعم إضرابا سلميا الغاية منه لفت النظر لبعض المشاكل التي تعيق المنظومة التعليمية، مما حول النضال الطلابي إلى تهمة قالت عائلته إنها مؤامرة لوبي الفساد، وانضم حقوقيون إلى قضية أدم الذي أضرب عن الطعام رغم أن بنيته الجسدية لا تساعده على خوض هذه الأشكال النضالية، إذ لا يتجاوز وزنه 56 كيلوغراما، ويعاني حالة اليتم بعد فقدان والده، ونظم أصدقاء آدم وقفة احتجاجية في سلا تطالب بالإفراج عنه، دون جدوى. ..واتصلت «المساء» بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج من أجل الاستفسار حول قضية هذا الطالب، فجاء الرد كالتالي: «أدم الزيراري نزيل بسجن سلا، كان طالبا بالثانوية التقنية لسطات، تقدم المعني بطلب إلى مدير أكاديمية جهة الشاوية ورديغة، منذ شهر نونبر من العام الماضي، قصد إدراج اسمه ضمن المرشحين لاجتياز امتحانات الباكلوريا، لكن المدير رفض وقمنا في المندوبية بمكاتبة الأكاديمية في موضوع الرفض، وقيل لنا إن مدير الثانوية التقنية قد شطب على آدم من سجلات الطلبة، ورد المشرف برسالة يلتمس فيها تمكين آدم من الامتحان، كما كاتبنا وزير التربية الوطنية في الموضوع، قبل أن نتوصل إلى صيغة توافقية بتسجيله في لوائح المرشحين لامتحانات الباكلوريا بأكاديمية الرباطسلا زمور زعير، وحين التحق بقاعة الامتحان رفض اجتياز الاختبار كمرشح حر بعد أن خصص له مقعد بمركز الامتحان، بل ورفض كتابة اسمه على ورقة الامتحان وشرع في كتابة رسالة خطية موجهة إلى وزير العدل سلمها إلى المشرفين وعاد إلى السجن معتقل بتهمة الشغب يواجه اختبار الشغب». من المفارقات الغريبة في امتحانات المعتقلين، ما حصل في الامتحان الجهوي الموحد لنيل شهادة الدروس الابتدائية، دورة يونيو 2012، بأكاديمية التربية الوطنية لجهة الدارالبيضاء الكبرى، حيث وجد أحد التلاميذ المعتقلين بإصلاحية عكاشة، نفسه وجها لوجه وهو يجتاز اختبار وحدة اللغة العربية أمام موضوع شغب الملاعب وهي التهمة التي يقضي من أجلها عقوبة سالبة للحرية، وشعر التلميذ وهو يقرأ نص الامتحان وكأنه أمام صك اتهام، لأنه يتحدث عن اتساع الظاهرة وتجاوزها مدرجات الملاعب إلى الشوارع والأزقة المجاورة، وحين كان الفتى يجيب على الأسئلة وجد نفسه يناشد سلطات هذا البلد باستئصال الظاهرة، وتحول من حيث لا يدري من متهم بالشغب إلى داعية يدين السلوكات التي رمت به خلف القضبان. والأغرب في هذه النازلة أن الموضوع من اقتراح مفتش بوزارة التربية الوطنية يشتغل صحفيا رياضيا متعاونا مع جريدة الاتحاد الاشتراكي، وهو ما حول الاختبار إلى مادة لغرس القيم الأخلاقية للرياضة في نفس نزيل متهم بإحداث الشغب والاعتداء على ممتلكات الغير. نزيل يعشق عبارة مرشح «حر» «نحن أحرار في مستندات الاختبارات»، هكذا يعلق ف. عيسى على المسألة التعليمية داخل السجون، وقال إنه يسعد بسماع كلمة مرشح حر، فالحرية على حد تعبيره كلمة لا يعرف قيمتها إلا القابعون في الزنازين، «حين يتعامل معي المشرف الاجتماعي ويصفني بالمرشح الحر للامتحانات أفرح كثيرا لأنه على الأقل هناك مسمى آخر مرادف للحرية والانعتاق». بعيدا عن هذا التصور الفلسفي للأمور، يبقى الامتحان داخل سجون المملكة فرصة للنزيل كي «يعز أو يهان»، ومناسبة لتعزيز حظوظه في الحصول على عفو استنادا إلى معيار التمدرس، خاصة وأن السياسات العقابية الحديثة تهدف أساسا إلى تأهيل السجناء وإصلاحهم في أفق إعادة إدماجهم، كما يساهم التعليم داخل المؤسسات السجنية في التقليص من الجهل الدافع الأساسي إلى ارتكاب الجرم، كما تمكن القراءة من شغل أوقات الفراغ التي تتحول إلى فرصة لتلقي دروس في الإجرام من طرف خبراء المعتقلات. لقد أثبتت بعض الدراسات أن حالات العودة تتقلص بشكل ملحوظ لدى الفئة التي تابعت دراستها في السجن، بل إن بعض البلدان العربية تمكن النزلاء الجامعيين من حرية تعليمية. مقارنة مع سجون الجزائر عدد نزلاء سجون المغرب يصل إلى 65 ألف سجين، مقابل 57500 سجين عبر كامل التراب الجزائري. 493 سجين مغربي تقدموا لامتحانات الباكلوريا، مقابل 2301 سجين جزائري اجتازوا اختبارات الباكلوريا. سجناء المغرب ممنوعون من حضور المحاضرات في مدرجات الجامعات، وسجناء الجزائر يذهبون إلى الجامعات صباحا ويعودون منها مساء، أما أصحاب العقوبة الطويلة فيستفيدون من العطلة الأكاديمية، أي أنهم يزاولون دراستهم بعد انقضاء مدة العقوبة، كما يمكنهم التسجيل في التعليم المتواصل. النزلاء الحاصلون على الباكلوريا لا يتمتعون في المغرب بأي تقليص من مدة العقوبة الحبسية، بينما كشف مختار فليون، المدير العام للسجون في الجزائر، أن الناجحين في امتحانات البكالوريا أو شهادة التعليم الأساسي والإعدادي يستفيدون من خصم من مدة العقوبة. عدد المستفيدين من برامج محو الأمية والتعليم والتكوين المهني للموسم الماضي بالنسبة للنزلاء المغاربة لا يتجاوز 11680 سجينا، بينما سجل ارتفاع عدد النزلاء الجزائريين المسجلين في التعليم العام وحده إلى 26 ألف نزيل، يضاف إلى هذا، إحصاء 30 ألف مدمج في التكوين المهني. كما أن هناك 50 مؤسسة عقابية قيد الإنجاز في الجزائر وفق المعايير الدولية، حسب مديرية السجون الجزائرية.